تكمل الحركة الاحتجاجية غير المسبوقة في سورية٬ اليوم الخميس٬ عامها الأول٬ مخلفة وراءها آلاف القتلى والجرحى والنازحين٬ وكل المؤشرات تدل على أن مسلسل العنف والقتل سيستمر ما دام أن جميع المساعي الدبلوماسية العربية والإقليمية والأممية لم تفلح لحد الآن في إيقاف العنف وإطلاق عملية سياسية لحل هذه الأزمة التي يبدو أنها تختلف عن كل الأزمات التي عرفها العالم العربي في سياق ما أطلق عليه "الربيع العربي". ففي مثل هذا اليوم من السنة الماضية٬ اندلعت الاحتجاجات سلمية في درعا جنوب سورية٬ رفعها خلالها المتظاهرون شعارات تطالب بالحرية والكرامة والديمقراطية٬ إلا أنها ووجهت بقمع السلطات التي راهنت على الخيار الأمني لإسكاتها٬ ما أجج الوضع وامتدت الأحداث لتشمل بلدات ومدن أخرى خاصة في شمال وغرب ووسط البلاد٬ تحولت بعد أشهر إلى انتفاضة مسلحة مع ظهور انشقاقات محدودة في صفوف قوات الجيش وتشكيل ما يسمى ب"الجيش السوري الحر". وأسفر تصعيد أعمال العنف والقتل والتمادي في نهج الخيار العسكري بمحاصرة وقصف بلدات ومدن خاصة في محافظتي حمص وإدلب عن مقتل أكثر من 8500 شخص غالبيتهم من المدنيين ومئات الجرحى وآلاف المعتقلين٬ وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان٬ وتم إحصاء نحو 30 ألف لاجئ في الدول المجاورة كتركيا ولبنان والأردن وما بين 100 و200 ألف نازح داخل البلاد٬ بحسب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة٬ فضلا عن وضع إنساني صعب بسبب نقص في المواد الأساسية والطبية وانقطاع الكهرباء والماء ومواد التدفئة. وألقت الأزمة الأمنية والسياسية التي تعيشها سورية منذ عام٬ مدعومة برزمة من العقوبات الاقتصادية الغربية والعربية التي طالت كيانات اقتصادية ومسؤولين سوريين٬ بظلالها على الوضع الاقتصادي والواقع المعيشي المحلي بحيث تراجعت إيرادات الميزانية وارتفعت معدلات البطالة وأسعار المواد الغذائية والاستهلاكية مع فقدان العملة المحلية "الليرة" أكثر من نصف قيمتها أمام الدولار٬ كما انعكست الأزمة مباشرة على العاملين في القطاع الخاص ولا سيما في قطاع السياحة والخدمات. وأمام ما يحدث٬ تبدو المجموعة الدولية والعربية منقسمة وعاجزة عن اتخاذ قرارات حاسمة تجنب سورية استمرار دوامة عنف تشتد يوما بعد يوم وتتخذ منحى أكثر تسلحا يهدد بالتحول إلى حرب أهلية٬ لاسيما بعد لجوء روسيا والصين إلى استخدام حق الفيتو في مجلس الأمن ضد أي قرار يدين القمع في سورية٬ ومع وجود معارضة منقسمة وغير منسجمة٬ وترفض في مجملها إجراء حوار مع السلطات في ظل استمرار أعمال العنف٬ مشترطة انتقال السلطة كأساس لبدء الحوار٬ بينما تدعو السلطات إلى الحوار دون شروط مسبقة وعلى أساس الإصلاح. ويقول مراقبون أنه حتى آخر المبادرات التي يراهن عليها الجميع والتي عرضها موفد الأممالمتحدة والجامعة العربية كوفي عنان على المسؤولين السوريين في نهاية الأسبوع الماضي٬ والتي تنص٬ بالخصوص٬ على وقف أعمال العنف وضمان دخول منظمات الإغاثة وبدء حوار يؤدي إلى إطلاق عملية سياسية٬ "سيكون مآلها الفشل"٬ ويرون أن "النظام لا يرى أن التغييرات ممكنة في ظل استمرار الحركة الاحتجاجية وأعمال العنف وانه سيستمر في تنفيذ ما يراه مناسباً تزامنا مع خطوات إصلاحية بمعزل عن تقويم الآخرين". وكان الرئيس السوري بشار الأسد أعلن٬ وعلى دفعات٬ بعد مضي أشهر على اندلاع الاحتجاجات٬ عن مجموعة إصلاحات مثل رفع حالة الطوارئ التي كانت مفروضة لأزيد من أربعة عقود ووضع قانون للإعلام وآخر للأحزاب وصولا إلى دستور جديد يلغي أحادية قيادة حزب البعث للبلاد والإعلان عن إجراء الانتخابات التشريعية في سابع أبريل المقبل٬ غير أن المعارضة ولجان التنسيق التي تؤطر المظاهرات ميدانيا ترى أن القمع العنيف وتزايد عدد القتلى "يجعل كل كلام عن الإصلاح يفتقر إلى المصداقية". وقال ناشط سوري "لا أحد يبدي اهتماما بهذه الإصلاحات في ظل الأوضاع التي يشهدها البلد والتي تزداد سوء وسط صمت وتحركات خجولة للمجتمع الدولي وحذر بالغ من التدخل العسكري الخارجي واستقطاب إقليمي دولي يذكر بأجواء الحرب الباردة". ومع دخولها عامها الثاني٬ والتحول الكبير في مجرى الأحداث إلى مواجهات مسلحة عنيفة وفشل محاولات التسوية٬ تبدو الأزمة السورية مستعصية عن الحل على المدى المنظور على الأقل٬ ومن ثمة فإن محللين يرون أن هذه الأزمة "تنتقل من مجرد حلقة في مسلسل الربيع العربي إلى ما يشبه الحرب الاستراتيجية الشاملة التي تبدو للوهلة الأولى بداية لحرب أهلية محلية٬ إلا أنها تحمل في طياتها عمقا استراتيجيا يوحي بقرب اندلاع أزمة إقليمة على الأرض السورية".