قرأت بعضا من الجزء الأول من كتاب "الأرض الموعودة" للرئيس الديمقراطي السابق للولايات المتحدةالأمريكية، وهو المعروف عنه بلاغة الأسلوب وحسن الخطابة ولباقة الحديث وأناقة العبارة، فاستوقفني القسم الثاني من الكتاب تحت عنوان: "نستطيع" we can لاسيما الباب الخامس منه، الذي يثير مدى هيبة وأهمية مجتمع الصحافة والإعلام في الولاياتالمتحدة في متابعة وتقييم جمال أسلوب خطابة المسؤولين السياسيين والحكوميين، من أجل إبراز مدى سعة أفقهم وثقافتهم ولباقتهم وحسن لغتهم ودقة جملهم التعبيرية. ويروي الرئيس السابق عن مدى خشية مستشاريه الإعلاميين أثناء انطلاق حملته الانتخابية من ارتكابه الخطأ الفادح Blunder الذي تستخدمه الصحافة الأمريكية لوصف أي تعبير أخرق قد ينطق به المرشح، والذي من المرجح أن يكشف عنده الجهل، التقلب، التفكير الخشن، عدم الحساسية، الميكيافيلية، الفضاضة، الخداع، النفاق، أو أي جملة تعتبر ببساطة بعيدة كل البعد عن الجملة الصحيحة أو المعنى المقصود المشترك، والتي من شأنها جعل المرشح عرضة للهجوم. وهدف هؤلاء المستشارين، المختارين بعناية فائقة، هو تفادي جعل المرشح المذكور عرضة للهجوم من طرف الصحافة والرأي العام، حسب الكاتب، مؤكدا أن "معظم البشر يرتكبون يوميا ما بين 5 إلى عشرة أخطاء فادحة في المتوسط، وكل من يفعل ذلك لا يمكن إلا أن يعتمد على صفح وحسن تجاوز وتسامح وإحسان عائلته وزملائه وأصدقائه لسد الثغرات المرتكبة أثناء الحديث"..على سبيل المثال يسرد نوعا من هذه الأخطاء قائلا: "أنا بطبيعتي من النوع الذي يزن كلماتي لكن عندما كنت أشرح أسباب معارضتي لحرب العراق أطلقت فجأة كلمة تعيسة: وقلت إن القرارات المتهورة لإدارة بوش كانت تسببت في "إهدار" أرواح أكثر من 3000 جندي من شبابنا. في اللحظة التي قلت فيها تلك الكلمة، ندمت عليها. كان لدي حرص دائمًا على التمييز بين مواقفي تجاه الحرب واعتزازي بتضحيات جنودنا. فقط عدد قليل من الصحف ذكرت هذا الخطأ الفادح ....لكنني تعلمت الدرس من ذلك: الكلمات كانت مشحونة بثقل معاني مختلفة... وشعرت بالخوف من تخيل الألم الذي يمكن أن يحدثه إهمالي عند التحدث لعائلة مازالت في حالة حداد على أحد الأحباء المفقودين". ويروي الرئيس السابق أنه رغم حرصه الشديد على اختيار كلماته سرعان ما كشفت مشكلة أخرى خلال الحملة الانتخابية، وهي تعبيره عن نفسه كثيرًا، وكان ذلك مصدر قلق حقيقي؛ ويمضي قائلا إنه كان عندما يسأل يميل إلى إعطاء إجابات ملتوية وحكيمة ويعمل على تقسيم كل سؤال إلى أجزاء والأجزاء إلى فروع، وإذا كانت هناك طريقتان للنظر في السؤال يقترح غالبا أربعة.