لم يعد يقوى قلمي عن الكتابة في الزمن المغربي الرتيب الذي جفت ثمار الحرية فيه بالرغم من ربيع الأمة الديمقراطي الذي عشناه ولازلنا نعيشه في المحيط المغاربي والعربي، لم يبق سوى أن أفكر بصوت مرتفع بصيحات ذاتية عميقة أسطرها بمداد المرارة على هذا الجفاف الربيعي المغربي وببريق أمل أحاول بكل قواي أن تظل جذوته متوقدة، فماذا عن ربيعنا المغربي الذي طال انتظاره؟ ما هي معيقات تأخره؟ وماذا عن دروس الربيع الديمقراطي الذي من حولنا ومع اشتداد الخناق على الشعب السوري الصامد في جولته الحاضرة لانتزاع حريته والإطاحة بمستبديه؟ 1. في دروس ومعاني وخلاصات الثورة السورية المجيدة والمستمرة • ماذا ينتظر هؤلاء؟ أن يباد كل الشعب السوري كي يصلوا جنازة الغائب عليه؟ جبن الجيش السوري تبدى وهو يقصف الشعب الأعزل ويقتل ويذبح، وتواطىء دولة ايران انفضح، والمقامرة التي تقوم بها روسيا والصين ضد الشعب السوري في مجلس الأمن اتضحت، والممانعة المزعومة لهذا الجيش السفاك والجبان تعرى وهمها، وتغليب الولاء الطائفي على الولاء للأمة ولتحريرها تبين مع الأسف عند طرف من المقاومة ، وفقد هذا الطرف رصيده الذي اكتسبه في "بطولات" مقاوميه في جنوب لبنان، حيث صار يغطي على جرائم "بشار"، ويعتبر كل ما يذاع في القنوات الفضائية وفي الإعلام من جرائم فاضحة ضد الشعب السوري "فبركات إعلامية"، فماذا تبقى من الكرامة والعزة؟ إنه زمن الثورات الذي فضح الطائفيين والمتلاعبين بمشاعر الأمة باسم الممانعة وجبن الجيش السوري النظامي الذي لم يطلق ولو رصاصة واحدة في الجولان على الكيان الصهيوني الغاصب منذ هزيمة 67 بينما صوب دباباته وبنادقه صوب الشعب السوري الثائر، إنه زمن يقول لنا الطائفية والاستبداد والصهيونية وجهان لعملة واحدة...فيا شعب انتصر ويا رياح الثورة هبي لكي تقذفي في اليم كل هذا الخبث ولتواجهي حقيقة لا وهما العدو الصهيوني بقيادة واعدة شعبية وصادقة مع شعبها... • لا ننكر أننا عشنا بعض الإشراقات مع انتصارات المقاومة في جنوب لبنان وخروج الصهاينة من هناك، ومع صمود المقاومة في فلسطين في الاجتياح الصهيوني على غزة، لكن هذه الإشراقات بقدر ما كانت تجعلنا نشعر بشيء من العزة، بقدر ما كان البعض يؤسس من خلالها لمنطق انهزامي خفي يجعلنا نؤمن بأن هؤلاء الحكام العرب هم قدر جبرنا على تحمله، وأن لا علاقة لهذا القدر مع مأساة فلسطين ومآسي الظلم و التخلف التي نعيش، لم يكن لهذا المنطق الانهزامي الخفي القدرة على مواجهة الأسئلة الحقيقية المتعلقة بسبيل النهضة، فهو يشيد بالمقاومة ليظل في المقاومة، وقد ينتج خطابا راديكاليا تعويميا اتجاه الصهاينة، ليظل حبيس هذا الخطاب دون تجاوزه إلى تفاصيل كيفية مواجهة هؤلاء الصهاينة، وحين تعلو صيحات تنادي بالإصلاح الداخلي للأوضاع، يتوارى هذا المنطق جانبا لينتج خطاب المؤامرة على النظام والبلاد والعباد، ويحبك خيوط هذه المؤامرة ليربطها بإرادة صهيونية لإسكات الأصوات الممانعة الرسمية، هكذا تصبح كل صيحة إصلاح تتعالى، ريحها يأتي من البيت الأبيض أو من الكيان الصهيوني الغاصب، ويصبح كل نداء دولي كيفما كان بإصلاح الأوضاع الحقوقية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية الداخلية، نداء يبتغي "زعزعة الاستقرار" و"انتهاك السيادة الوطنية" و"إضعاف هذه القوى المقاومة" –زعموا-، إن ما يقع في سوريا وما وقع في ليبيا -من قبل-، من قصف وحشي للمدنيين العزل بطائرات ودبابات الأنظمة المستبدة، يؤكد لنا جليا أن معادلة القبول بوحشية الاستبداد على حساب الرفض المطلق للتدخل الأجنبي بغض النظر عن حجم هذا التدخل، معادلة يجب تحويلها لصالح حماية المستضعفين والمدنيين من بطش المستبدين والسفاحين، ولو كانت هذه الحماية بأيدي أجنبية -شريطة محدوديتها واقتصارها على الحماية-، مع ترك الفرصة للشعوب في استكمال مشوار التحرير على الميدان بعدما يتم تحجيم تلك القوة العسكرية الباطشة التي كانت راجحة لهؤلاء المستبدين... • وبالنتيجة فإن مقاطعة المنتوجات الإمبريالية والصهيونية والأمريكية يبدأ أول ما يبدأ بمقاطعة كل هؤلاء الحكام المستبدين في عالمنا العربي لأنهم أيضا منتوج أمريكي خالص. • إن السيادة حين تنبع من الإرادة الشعبية الحرة تنبت عزة وقوة للدولة المحتضنة للمجتمع، وحين تنبع من الاستبداد والقهر تنبت جبنا وذلا وضعفا وهرطقة للدولة المصادرة للمجتمع وتذرعا بهذه السيادة المزعومة لمنع أي تدخل كيفما كان لحماية الشعب من بطش هذه الدولة القهرية والمستبدة... 2. في مآلات الانتظارات المغربية • صحيح أن المستبدين والظالمين هم خصوم التغيير الذين تتواجه معهم ثورات التحرر ومسيرات التحرير للأرض والإنسان، لكن من أخطر الخصوم الذين تواجههم مسيرات التحرير عموما هو ذلك الذي يعمل جاهدا على احتلال الوعي عبر تضليله للحقائق بشكل منهجي، إن التضليل هو خصم يستهدف قلب جوهر الحقائق رأسا على عقب، ويؤسس لمنطق الاستسلام وللركود ولتأبيد الظلم دون مقاومة ولا ثورة بل دون حتى التفكير في انحناء مرحلي أمام عاصفة الظلم ثم النهوض من جديد لمواجهته، إنه برنامج قاتل للإرادات وللتطلعات المشرقة نحو غد تحريري واعد...هذا التضليل هو الذي بمنطقه برر الاحتلال الصهيوني وصور للرأي العام "تحريرا مشوها للأرض" مستخدما بنود واتفاقات أوسلو من حيث عناوينها الكبرى لا من حيث تفاصيلها، وهو الذي بمنطقه صور لنا قوات المارينز الأمريكي وهي تغزو العراق وكأنها محررة البلاد من الطواغيت وحاملة الديمقراطية عبر دباباتها، وهو الذي يلبس لنا الحقائق في بلادنا فيصور لنا الالتفاف حول مطالب الشعب المغربي "تحولا ديمقراطيا"، والانتخابات "ثورة الصناديق الهادئة"، وفوز بعض الإسلاميين وكأنه "تتويج للحراك الشعبي"، والدستور الممنوح وكأنه "فتح ديمقراطي عظيم"، والانتخابات وكأنها "تعبير على الإرادة الشعبية في التغيير"، ومسلسل تشكيل الحكومة تعبير عن حركية داخلية شفافة وديمقراطية، والمشاورات حول الدستور غير الملزمة وكأنه "إشراك" لكافة القوى في صياغته، ومشاركة بعض الإسلاميين وفوزهم في هذه الانتخابات إعلان عن "ديمقراطية هذه الانتخابات والنظام المخزني المدبر لها" وهكذا...لا بأس ليس هذا تيئيسا بل تحذيرا لأن بعده تأتي حقيقة ساطعة مفادها أن أشرس محارب للتضليل هو الفضح في الميدان، فاتفاقات أوسلو انفضحت حقيقتها مع المقاومة في الميدان، و"التحرير الأمريكي" للعراق انفضحت حقيقته مع المقاومة في العراق، ومسلسل الزيف ومصادرة إرادة الشعوب انفضح أمره مع ثورات مصر وتونس، ووهم الانتخابات المغربية وما أتت به وزيف "الثورة الهادئة في المغرب" كل ذلك ينفضح وسيظل ينفضح باستمرار الحراك الشعبي بمطالبه الواضحة التي ليس فيها لف ولا دوران: دستور ديمقراطي شكلا ومضمونا، حل البرلمان، إسقاط الحكومة، محاسبة المفسدين، إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والمظلومين، وتحرير الإعلام، وانتخابات حرة وديمقراطية ونزيهة... هذا هو الطريق لمحاربة التضليل... • إن الذي يقيس شعبيته بما منحته له ديمقراطية المستبدين المخزنية حيث التحكم القبلي في نتائج الانتخابات وحيث الإشراف غير المستقل لوزارة الداخلية على الانتخابات وحيث الدستور غير الديمقراطي شكلا ومضمونا وحيث الأصل في التأسيس هو الترخيص وكسب رضا المخزن...فهو واهم واهم جدا، انظروا بعض أحزاب تونس كيف انطلقت من قلة في العدد لتكتسب شعبية واسعة من خلال انتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية وفي ظل دولة ديمقراطية تتجسد فيها بشفافية الإرادة الحرة للشعب... • لا ينتبه هؤلاء الذين يروجون لمقولة "جيوب مقاومة التغيير" وهم يشاركون في خدمة الحكم المخزني في مرحلة ربيع الأمة الثوري والديمقراطي، لا ينبته هؤلاء أنهم هم أيضا قد يكونوا -بل حقا هم من حيث يدرون أو لا يدرون- من جيوب مقاومة التغيير المنشود الذي لا تقسيط فيه... ومع ذلك • خطوة محمودة أن يتم فضح "بعض" المتلاعبين بخيرات الشعب و"بعض" المنتفعين من هذه الخيرات تملقا، أرجو أن يسير إلى أبعد حدوده فيفضح كل هؤلاء المفسدون الذين انتفعوا من أرزاق الشعب وخيرات البلاد، ويتضح بالتالي لهذا الشعب المستضعف، لماذا عاش الفقر والبطالة وكل مآسيه الاجتماعية منذ عقود من السنين بل منذ هذا الاستقلال الشكلي...فهل يا ترى سيسير هذا الفضح إلى أبعد حدوده أم سيتوقف عند بدايته؟؟؟ • ما أعلن عنه في لائحة لاكريمات وما قد يعلن عنه لاحقا إن عرف طريقه إلى الرأي العام، يظهر بالملموس أن توجيه السهام النقدية للمعطل الذي يحتج من أجل تشغيله بدعوى عدم قدرة الدولة على تشغيل كل المعطلين تضليل ما بعده تضليل، وأن مقارنة نسب البطالة والفقر بمثيلاتها في بعض دول الغرب التي تجاوزت مرحلة الحسم في قواعد التداول السلمي على السلطة والمحاسبة تضليل ما بعده تضليل، وأن توجيه النقد لهذه المؤسسات الدولية التي تطلع علينا بترتيبات صادمة لبلادنا في التنمية والفساد بدعوى عدم موضوعيتها تضليل ما بعده تضليل. • إن أول مؤشر لصوابية التحليل ومصداقيته هو تمييزه وفصله بين العلة والمعلول بين النتائج والمسببات بين الابتداء والاقتضاء، فالبطالة والفقر اقتضاء لابتداء مفاده توزيع غير عادل للثروات وللسلطة، وعدم الحرص على المال العام وغياب المحاسبة الحقة في السابق واللاحق، والفساد العام والعبث بخيرات البلاد، والطريق واضح، أوله إبعاد كل مفسد عن مراكز القرار، وثانيه إجراءات استعجالية لجبر الضرر لكل ضحايا الانتهاكات الجسيمة للحق في الشغل وفي النصيب العادل من الثروة الوطنية وللإرادة الشعبية الحرة والنزيهة والديمقراطية، وثالثها إصلاح دستوري وسياسي يستعيد به الشعب سلطته الكاملة في التقرير والتنفيذ والتقويم... • سنظل ندندن حول هذه الطريق ماحيينا وما لبث العبث والفساد والتضليل ناظم خطاب وسلوك الحاكمين وفريق عملهم والمطبلين لإنجازات سياساتهم-عفوا- لفظاعاتها: إسقاط كل القوانين القمعية التي تخالف مقتضيات حقوق الإنسان "قانون مكافحة الإرهاب، قانون الصحافة، قانون الأحزاب السياسية..."، إطلاق سراح كل المعتقلين المظلومين، والتحقيق في كل ملابسات تلك المرحلة السوداء المسماة "مكافحة الإرهاب"، "أحداث 16 ماي،"، ما سمي بخلية بليرج"، أحداث أركانة، وكل ما سمي بالخلايا الإرهابية التي أعلن عنها..."، ومحاسبة كل المسئولين عن تدبير هذه المرحلة المقيت الذي راح ضحيته آلاف المعتقلين في السجون وتشرد آلاف العائلات، ورد الاعتبار المعنوي والمادي لكل المظلومين وعائلاتهم، الاعتراف القانوني بالتنظيمات الحزبية الممنوعة تعسفا سواء بقرار وزاري 'حزب البديل الحضاري نموذجا"، أو بقرار قضائي "حزب الأمة نموذجا"، ومحاسبة المسئولين عن العبث بالملف القانوني لحزب الأمة، إطلاق سراح رشيد نيني وكل المعتقلين بسبب حرية التعبير والرأي، وجميع معتقلي النضال في حركة 20 فبراير وفي الحراك الشعبي عموما، الإدماج الفوري والمباشر والشامل في أسلاك الوظيفية العمومية لكل المعطلين حاملي الشهادات، وإعلان حالة طوارئ اجتماعية يكون مدارها وديدنها إيجاد حل فوري لمعضلة العطالة التي هي إحدى النواتج السلبية للتركة الثقيلة للتدبير المخزني والحكومي السابق "سياسة التقويم الهيكلي، الخوصصة، الخضوع لاشتراطات المؤسسات النقدية من أجل إعادة جدولة ديون المغرب، نهب المال العام،..."، هذا غيض من فيض لما ينبغي أن يكون من برنامج استعجالي لإنقاذ البلاد من البوار واستعادة كرامة المواطن المغربي والمعالجة الفورية لكل مسلسل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والمال العام والإرادة الشعبية وللحق في الشغل. • لسنا في حاجة إلى برنامج حكومي وكأن المرحلة عادية مثلها مثل باقي مراحل تشكل أية حكومة، إن المطلوب هو المباشرة الفعلية لمقتضيات هذه الأجندة الوطنية في إطار برنامج وطني استعجالي، وأنا متأكد أن هذا البرنامج الاستعجالي هو الذي قد يعيد بعض البسمة للمغاربة وللمظلومين وللمقهورين وللمعطلين وللمحرومين من الحقوق المادية والمعنوية التي تقتضيها المواطنة الحقة، فهل من مستمع ومصغي لهذا النداء؟ 3. في التقاط قطرات الأمل: مرافعة لصالح مشروعية الحراك الشعبي • البعض يريد للحراك الشعبي أن ينتهي فيعلن قسرا موته الإكلينيكي وهو من وراء كل ذلك لا يريده أن يكمل مشوار النضال لأن ما قطفه هذا البعض يكفيه هو ولا حاجة إلى المزيد ولو على حساب الأجندة المؤجلة من المطالب الشعبية والحيوية، عجبا لهذه الذاتية التي تنظر إلى محيطها من خلال ذاتها لا من خلال واقعه هو كما هو... • صحيح حركة 20 فبراير ليست هي نهاية تاريخ الحراك الشعبي لكن هي بدايته، والحراك الشعبي أعلنها منذ تحطيم جدار الخوف والمذلة والصمت، "من الآن فصاعدا لن يكون الانتظار هو مسعاي ولن أمني ذاتي الأماني بعد انتخابات أو بعد تشكيل حكومة أو بعد إعلان بتصريح حكومي مادامت بنية الدستور تتأسس على ملكية تنفيذية ومادامت بنية الدولة لا تبشر بنهاية عهد الفساد والاستبداد واللامحاسبة، من الآن فصاعدا الشارع مقري، والشعارات لغتي، والتظاهرات والاعتصامات والوقفات أداتي، إلى أن تتأسس قواعد العملية السياسية على أسس سليمة تسمح بالتباري الحر والنزيه والديمقراطي وبإمكانية التداول الفعلي على ممارسة السلطة لا على خدمتها، وبسمو الإرادة الشعبية في الاختيار والتقويم والمحاسبة..." • أحيانا قد لاينفع النقاش ولا الردود مع كلام قيل هنا أو هناك في مناسبة هنا أو هناك لسبب واحد هو أن فحوى ذلك الكلام ومضامينه المنحازة للظلم وللظالمين بوعي أو بغير وعي، لا تستحق أن تعتبر وجهة نظر بالنظر إلى انحيازها الواضح لصف الظالمين والمستبدين، وكيف يمكن قبولها للنقاش وهي تنظر للاستبداد ولتأبيده؟ وهي تجثم على جثامين شهداء الحرية بسهامها الكلامية السامة؟ وهي لم يعد لها أي رد فعل تعاطفي مع مشاهد احتراق الأجساد المظلومة والمقهورة؟ وهي تدوس على كل هذا المسلسل الطويل من الانتهاكات الجسيمة للحقوق وللإرادة الشعبية والمال العام؟ وهي تتصدى إلى كل محاولة إصلاحية ولو كانت محتشمة؟ وهي تعرقل كل هبة تغيير؟ وهي تؤسس لمصطلحات ومفاهيم مسمومة توهم بالتغيير وتقلب صورة الجلاد والمفسد إلى الديمقراطي النزيه والشريف؟ وهي تتحالف موضوعيا أو ذاتيا أو هما معا مع معسكر الاستبداد والهيمنة؟ وهي تنصب ذاتها مدافعا شرسا ضد كل أشكال الحراك الشعبي؟ الذي ينفع معها هو التغيير المنشود الذي يقود إلى تحرير الإرادة الشعبية واستعادة السلطة للشعب على الأرض و على الميدان... • إن المرحلة الراهنة هي مرحلة فرز تاريخي بامتياز بين صف التغيير الايجابي المنشود والمنافحين عنه من الشرفاء كيفما كانت ألوانهم السياسية والإيديولوجية، وبين صف "الرتابة" و"أن ليس في الإمكان أفضل مما هو كائن" الذي تصب أفكاره لقتل الحراك والانضمام موضوعيا إلى معسكر الاستبداد، لم يعد الحديث هنا عن تنظيمات ولا عن ولاء للون السياسي وتنظيمي، الحديث هنا من مع الحراك وتطعيمه وتمتينه ودعمه والانخراط فيه ومن هو ضده أو مترددا في الانضمام إليه وينتظر نتيجته؛ • من قال بأن حركة 20 فبراير أنها تراجعت فليأتنا بالبديل عنها لاستمرار الحراك الشعبي، ومن يكتفي فقط بتوجيه سهامه النقدية إلى حركة 20 فبراير دون أن يقدم بديلا حتى لا يتم إخلاء الشارع، فهو واهم، ويريد ان يساعد المستبدين كي تقوم لهم قائمة من جديد بوعي منه أو بغير وعي... • "اعلم لو قال كل الناس أن هذه الحجرة ياقوتة مازاد في قيمتها من شيء، ولو قال كل الناس أن هذه الياقوتة حجرة ما نقص في قيمتها من شيء"، الحقيقة تظل حقيقة بالتحليل الملموس للواقع الملموس الذي يقود إلى أن ثمة استبداد في بلادنا وثمة فساد عمومي في بلادنا وثمة ضحايا وضحايا من شعب بلادنا لهذا الاستبداد والفساد، وثمة طريق واحد أثبت جدارته بقوة سياق ربيع الثورات للقطع الجدري مع هذه العلل الكبرى لمآسي شعب بلادنا الاجتماعية، إنه الشارع وتزخيم الحراك الشعبي والصمود على الصمود في ساحة النضال، أما الرهان على مؤسسات من داخل النسق فهو رهان ليس فقط لا يجدي بل لا يناسب متطلبات المرحلة التي تدعو إلى أن يبني الشعب تعاقده ومؤسساته التي من خلالها سيراهن على الإصلاح والتقويم والتداول والمحاسبة من داخل نسق سليم ومعافى... 4. في النقد الذاتي: من أجل استمرار الطبيعة الشعبية للحراك أحيانا تلتبس لدى بعض القوى المناضلة والحية أحلامها الوردية والإيديولوجية مع متطلبات النضال المشترك والواقع العنيد والتحليل الملموس للواقع الملموس، ولأن الحرص شديد على أن تظل رافعات النضال ومدعماته قائمة وقوية ومسهمة في تزخيم الحراك الشعبي، آثرنا أن نتقدم بهذه الأفكار توضيحا وإسهاما في التوجيه المنشود للمطلوب سياسيا ونضاليا. مقدمات توجيهية وتأسيسية هذه المقدمات هي بمثاية توجيهات عامة درءا للانحراف الذي قد يطال واقع النضال المشترك وآفاقه وأهدافه ومطالبه، ونجملها في: المقدمة الأولى: التركيز على المجمل في المطالب والأهداف والمبادئ لأن المجمل يجمع والمفصل يفرق، والمجمل يترك فرصة للتأويل كل حسب موقعه لكن يجمع الجميع على عناوين عامة في النضال وغاية ذلك تركيز المشترك النضالي، وحشد الجهود حوله وحماية الهوية الوحدوية لهذا النضال المشترك من الفرقة والتشتت، إننا حينما نقول المجمل فهذا يتنافى مع التفصيل في الحديث عن الحقوق الفردية والجماعية ونوعية النظام الديمقراطي وشكل تجسيد الإرادة الشعبية وتخصيص مجال المساواة والحريات، ذلك لأن الإطار الجامع لهذا الحراك الشعبي وقواه الداعمة له ليس إطارا سياسيا ولا إيديولوجيا يقتضي التوضيح الهوياتي والمرجعي بقدر ما هو إطار نضالي مشترك يلتقط كل التقاطعات الكبرى ليبوتقها على شكل مطالب عامة تحشد الجهود وتركزها حول مناهضة الاستبداد والفساد. المقدمة الثانية: التناقض الرئيسي هو مع المخزن وسياساته اللاشعبية واللاديمقراطية ومقتضاه التركيز في الحشد والتعبئة على هذا التناقض الرئيسي والحيلولة دون انحراف وجهته، فالمخزن هو مركز الاستبداد ومنتجه، ونقصد بالمخزن كل المؤسسات الرسمية للنظام الحاكم اللاديمقراطي والتي تسهم في صياغة قراره الرسمي اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا ورياضيا ودينيا ومجتمعيا عموما. المقدمة الثالثة : عدم الإعلاء من شأن التناقضات الثانوية لأن هذا الإعلاء يبدد الجهود ويصنع أعداء وهميين، ويخلط بين العلة والمعلول في السياسة، ويسهم فقط في الانتشاء بتفجير المكبوتات السياسية اتجاه أطراف معينة، ويجعل من الايدولوجيا عاملا محددا في تحديد خارطة الخصوم والحلفاء. في المؤشرات السلبية التي ينبغي تجاوزها ثمة بعض المؤشرات السلبية التي ينبغي تفاديها لأنها تضر بالمشترك النضالي، ويكن إجمالها في: المؤشر الأول: الميل نحو اصطباغ الحراك الشعبي بلون أيديولوجي واحد حيث التفصيل والتخصيص في نوعية الحقوق الفردية والجماعية التي ينبغي الدفاع عنها واحترامها، في حين أن المجمل يقتضي الاكتفاء بالعنوان العام العريض الذي هو احترام الحقوق الفردية والجماعية، وحيث التخصيص في مبدأ المساواة الذي هو مبدأ عام يعني كل المواطنين والمواطنات، وكأن المساواة بين المواطنين عموما قد تحققت ولم يبق منها إلا التخصيص فيها... نعم تحطم جدار الخوف لدى الشعب مع هبات ربيع الثورات، لكن حذار من بناء "جدار برلين جديد" يفصل الحراك عن عمقه الشعبي... المؤشر الثاني: تغليب الذات عن الموضوع إن أكبر عائق فكري وسياسي لتزخيم الحراك الشعبي هو وجود عقلية تتعامل معه بمنطق " ماذا استفدت أنا من الحراك؟" وليس بمنطق "ماذا استفاد الحراك مني؟"، الذات دائما لدى هذه العقلية هي الأولى أما الحراك فهو تابع لها اقتضاء لا ابتداء... المؤشر الثالث: الخلط بين مطالب الهدم لمناهضة الاستبداد وبين مطالب البناء المحتاجة إلى أجواء ديمقراطية سليمة فمطالب الهدم تقتضي مناهضة الاستبداد السياسي والفساد الناتج عنه، وتركيز الجهود النضالية والتعبوية على ذلك من أجل القطع الجدري معهما، ومطالب البناء تقتضي التركيز على بناء صرح الديمقراطية ومؤسساتها وتهيئ الأجواء السليمة لتجسيد الإرادة الشعبية ولسموها، وحين يتم الخلط في المطالب بين مقتضيات هذه المناهضة للاستبداد الراهنة وبين مقتضيات بناء الصرح الديمقراطي -في فروعه وتجلياته- نقع في معارك وسجالات عقيمة تشوش على عملية المناهضة ذاتها. [email protected]