هي سلسلة حلقات ستنشر تباعا، حول وضع بوليساريو وتفكك الجبهة الانفصالية ومأزقها الدولي، بعد النجاح العسكري والدبلوماسي الذي حققه المغرب وفق الإستراتيجية الجديدة للعاهل المغربي، وإبراز علاقات بوليساريو الملتبسة في منطقة تعج بكل إشكال المحرمات: إرهاب، مخدرات وتهريب البشر والسلع.. -1- بسقوط معمر القذافي، فقدت بوليساريو أحد داعميها الرئيسيين، ففي عام 2013 أوضح عبد السلام جلود، رئيس الوزراء السابق لمعمر القذافي (1972-1977)، كيف قدمت ليبيا أسلحة إلى بوليساريو، وكشف بالمناسبة سرا معروفا لدى الكل*(*استخدم الكاتب عبارة مجازية للإشارة إلى ما فاه به عبد السلام جلود Un secret de Polichinelle والمقصود به السر المعروف من قبل الجميع ولكن لا يتم تقاسم هذه المعرفة. إنه يتميز عن السر الحقيقي بكون أن أصحاب سر Polichinelle لا يعبرون بحرية عن المعرفة التي لديهم، لأنهم يعتقدون أنه من الأفضل لهم أو للآخرين، أن لا يتكلموا سوى مع أشخاص موثوق بهم أو أن يصمتوا مطلقا. المترجم)، لأنه يحس بدون شك بأنه مدين لرئيس بوليساريو السابق محمد عبد العزيز الذي سارع إلى محاولة نجدة عرّابه، لكن بدون جدوى. فبعد انتصارهم السريع على قوات القذافي في طرابلس، أعلن المتمردون الليبيون في المجلس الوطني الانتقالي القبض على الآلاف من أنصار القذافي، بمن فيهم مئات المرتزقة الأفارقة و556 مرتزق من جبهة بوليساريو.. بالنسبة للعديد من الخبراء، فإن سقوط الزعيم الليبي سرّع من وتيرة تراجع الحركة الانفصالية. نجحت بوليساريو بصعوبة في إقامة مؤتمرها في دجنبر 2015، وبسبب المرض الذي أنهكه، عانى محمد عبد العزيز من أجل إرساء سلطته، لقد تضررت صورته بسبب اختلاس الأموال والفساد الذي تعاني منه منظمته، وتوسل من أجل إقناع ساكنة المخيمات بالبقاء والحلم مرة أخرى، فيما صعّد الشباب الصحراوي من لهجتهم ضد زعيم جبهة بوليساريو والمقربين من حرسه. وألقوا باللوم على إدارته الكارثية للفيضانات التي أسفرت عن مقتل العشرات.. نظم الشباب الغاضب احتجاجات عنيفة غير مسبوقة. لذلك تم تغيير مكان انعقاد المؤتمر في اللحظة الأخيرة. بعد أن كان من المقرر عقده في تيفاريتي، التي تقع في المنطقة العازلة. لينقل إلى ولاية الداخلة، وهو مخيم يقع جنوب غرب تندوف. ويشهد هذا التغيير في الدقائق الأخيرة على هشاشة جبهة بوليساريو. فقدت الحركة الانفصالية أيضا الكثير على المستوى الدولي.. قبل خمسة وعشرين عاما، اعترف حوالي 80 بلدا ببوليساريو. لقد غير العديد منهم اليوم موقفه. يؤكد لورنس عمور في تحليل للصراع الصحراوي نشرته مجلة Research Papers من كلية الدفاع لحلف الناتو: "هناك علامات ملموسة، تدل على انخفاض القدرة التفاوضية لبوليساريو، وعلى تراجعها السياسي واستيائها". بالنسبة للمؤلف، فإن "واقع الضعف المتواصل للحركة يمكن، مع مرور الوقت، أن يؤدي إلى تحلل بنيتها وانهيار كامل لقاعدتها، وسيتم إبطال مفعول حركتها بشكل كلي، وهو ما سيجعلها تختفي من الساحة السياسية ومعها ستختفي عقبة إيجاد مخرج لأزمة الصحراء". مع فقدانها دعم مناصريها ومسانديها في فترة الحرب الباردة، أصبحت جبهة بوليساريو الحلقة الأضعف في إعادة التوازن الإقليمي والدولي الذي يضع على رأس أولوياته تحقيق الاستقرار الدائم وتعميق التعاون في المجال الأمني خاصة في المغرب الكبير. لقد دخل نزاع الصحراء الغربية تدريجيا في حلقة مفرغة. خارج سياق العصر، وأصبح عالقا في شرك وضع الستاتيكو الذي اتضح أنه أقل الحلول سوءا لجميع الأطراف. صراع متجمد، واجهه المجتمع الدولي بالصدود وأصبح مع مرور الوقت نسيا منسيا. وهكذا تغير معنى ومنحى هذا النزاع تبعا لتقلبات تاريخه الطويل. تم تعيين إبراهيم غالي خلفا لمحمد عبد العزيز بعد وفاته، ستثبت الوقائع بسرعة أنه كان خيارا سيئا. إذ لم تمض سوى أسابيع قليلة على وصوله، حتى أصبح الرئيس الجديد للجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية محاصرا بماضيه.. أعلنت المحكمة الوطنية، أعلى سلطة جنائية في إسبانيا، من خلال دعوى منظمة غير حكومية، عن إعادة فتح ملف المتابعة الجنائية بسبب "الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية" التي استهدفت زعيم الانفصاليين، قبل يوم من رحلته إلى الديار الإسبانية. واستدعاه القاضي خوسيه دي لا ماتا للمثول أمام المحكمة في 19 نونبر 2016. مما دفع إبراهيم غالي للتخلي عن رحلته. وقد سبق في عام 2008، عندما كان ممثلا لبوليساريو في مدريد، أن غادر العاصمة الإسبانية على عجل بعد شكوى رُفعت ضده من قبل المراهقة الصحراوية سلطانة بنت بلال، الطفلة التي عانت في السابق من العبودية في المخيمات، وأيضا نتيجة لإجراءات اتخذها معتقلون سابقون تتهمه بالتعذيب والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان. مع مرور الوقت، تعرضت صورة بوليساريو للتشوه.. فالحجة التي تطورت مع النخب الأكاديمية والسياسية لدعم مشروع الانفصال لم تعد تلقى نفس الترحيب. وأصبحت النخب المفكرة ومراكز البحوث تتخذ بشكل متزايد مواقف تسير في اتجاه الحل المغربي. لقد تغير الزمن ولم تعد الميول الانفصالية تثير حركات الانخراط والدعم كما كانت في الماضي. وتأتي الكارثة السورية لتعلن الدخول إلى حقبة جديدة حيث يصبح الاستقرار والأمن ذا أولوية قصوى. إنها عقيدة جديدة لا تخدم مصالح بوليساريو. اعتبرت وثيقة صادرة عن معهد إلكانو، أحد أرقى مراكز التحليل الاستراتيجي الذي يوجد مقره بإسبانيا، أن استقلال الصحراء الغربية مشروع غير قابل للتحقق، وأضافت أن إنشاء دويلة صغيرة تتألف من عشرات الآلاف من السكان من شأنه أن يعرض أمن المنطقة بأسرها وما يجاورها للخطر، وأوصى رئيس المعهد "إميلو لامو دي إسبينوسا"، بخيار الحكم الذاتي في الصحراء الغربية، مع وجود صلاحيات واسعة للحكم المحلي تحت السيادة المغربية. ويعتقد المعهد أنه من واجب المجتمع الدولي اليوم العمل من أجل تحقيق تقارب بين الجزائر والمغرب. ويصر "إميلو لامو دي إسبينوزا" على أن "هذا هو المفتاح للوصول إلى تسوية نهائية للنزاع. إن الأمر يتعلق هنا بالأولوية القصوى للسياسة الخارجية الإسبانية".