حينما يجد الجد ينكشف الصديق من العدو، وحينما يستعر حر الأحداث تبوح المواقف بخبايا النفوس. هكذا تجلى في أحداث الكركرات الأخيرة، بما لا يدع مجالا للشك، ما يحتله الوطن حقيقة في قلوب أتباع حزب الإسلام السياسي الذي يتربع على عرش الحكومة منذ قرابة عقد من الزمن. إذا استثنيا بعض البيانات الخجولة الصادرة عن حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح في موضوع الكركرات، وأهملنا بعض البلاغات المتواضعة التي صيغت على عجل، نجد أن السواد الأعظم من مسؤولي الحزب والحركة ومن مناضليهما والمتعاطفين معهما والناشطين في صفوفهما على مواقع التواصل والاجتماعي لا يولون الموضوع الحجم الذي يستحقه، ولا الأهمية التي يجب أن يحظى بها، وكأن الإشكال الحاصل لا يمس البلد الذي ينعمون بخيراته؛ أو بالأحرى يستنزفون خيراته. مما لا تخطئه عين ولا يغض الطرف عنه عاقل التضامن الشرس والمهووس لهؤلاء الأتباع، أو إذا شئنا قلنا هؤلاء التُّبع، مع الرئيس التركي أردوغان حينما يشعرون بأنه مستهدف من جهات عالمية متربصة، حتى إنك تجد أغلبهم غيّروا صور "بروفايلاتهم" في مواقع التواصل الاجتماعي بصور الزعيم، وانخرطوا أفرادا وزرافات في حملة دفاع شعواء لا تُبقي ولا تذر، وكأنهم في حرب مقدسة تحدد مصير وجودهم وليس فقط مستقبلهم السياسي؛ وهو ما لم نلحظ له أثرا في قضيتنا الوطنية الأولى وما لم نسمع له ركزا، وكأن هؤلاء النشطاء مواطنون أتراك وليسوا مواطنين مغاربة. من حق الجميع أن يتضامن في وقت الرخاء مع من شاء بالكيفية التي يشاء؛ لكن حينما يطلق الوطن صرخاته ويدق أجراسه ما كان لأحد أن يتأخر عن تلبية النداء، ولا كان من حقه أن ينشغل بحماية دار جاره عن حماية داره، فهذا ما لا يفعله إلا أحمق مخبول، أو حقود عاق لأهله وذويه، أو رجل اختلطت عليه مفاهيم الخلافة والإمامة مثلما حدث لجماعة العدل والإحسان التي لم تصدر حتى بلاغا محتشما في الموضوع. من كبائر الإسلام السياسي أنه لا يعترف بمفهوم الدولة في وجدانه ومشاعره وأولوياته، اللهم ذلك النزر اليسير المتناثر هنا وهناك في نصوص أدبياته ووثائقه وبياناته مما يسمح له بالاشتغال في ظل القوانين الجاري بها العمل، والذي لا يمكن اعتباره إلا ضرورة من ضرورات الفعل السياسي التي أُكره الإسلاميون على القيام به وقلوبهم مطمئنة بمفهوم الأمة على حساب مفهوم الدولة. *عضو الأمانة لحزب النهضة والفضيلة