صعوبات الرصد وإشكالات الحماية تعد جهود التوعية والتحسيس من قبيل الحملة التوعوية التي تقوم بها جمعية أمان وشركاؤها حاليا إحدى سبل التصدي لازدياد حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال في المغرب، كما تشكل مجال عمل العديد من جمعيات المجتمع المدني العامل في مجال حماية الطفولة والتي تصبو في مجملها إلى تنمية الوعي عند الرأي العام المغربي حول خطر الاعتداءات الجنسية على الأطفال، غير أن كل هذه الجهود ما زالت محدودة الأثر حسب ما تظهره أحداث توالي هذه الاعتداء الوحشية، التي تتصدر الصفحات الأولى للإعلام. ويعتبر العديد من المهتمين والعاملين على العديد من الحوادث أن "النصوص القانونية ليست متشددة كفاية في موضوع الاعتداء الجنسي على الأطفال. وارتفعت في أوساطهم ولدى الرأي عامة أصوات تطالب الحكومة ب "قانون خاص بالاعتداءات الجنسية ضد الأطفال" علما أن التعديلات في القانون الجنائي المغربي في العام 2013 تضمنت عقوبات شديدة بالسجن تراوح بين 10 و20 و30 سنة، وغرامة قدرها 50 مليون سنتيم في حق كل من يعتدي جنسيا أو يحاول الاعتداء على قاصر يقل عمره عن 18 سنة، أو على عاجز أو معاق أو شخص معروف بضعف قواه العقلية، سواء كان ذكرا أو أنثى. فضلا عن مصادقة المغرب على البروتوكول الاختياري الثالث الملحق باتفاقية الطفل، والذي يمكن الأطفال من تقديم بلاغات وشكاوى عند حدوث انتهاكات لحقوقهم المنصوص عليها في اتفاقية حقوق الطفل أمام الهيئات الدولية، إضافة إلى البروتوكولين الاختياريين المتعلقين ببيع الأطفال وبغاء الأطفال واستغلالهم في المواد الإباحية وإشراكهم في النزاعات المسلحة. غير أن كل هذه الخطوات تظل محدودة الأثر أمام ما نشهده من توالي وتعدد هذه الاعتداءات الجنسية التي تظل من بين أخطر أنواع سوء المعاملة التي تتعرض لها الطفولة ومن بينها فئة الأطفال والفتيان والفتيات في وضعية إعاقة "خاصة الإعاقة الذهنية" التي تعتبر الأكثر عرضة باعتبارها الضحية الأسهل انقيادا. "تقول أم تعرضت ابنتها لاعتداء جنسي "إن الفتاة تخجل فقط من الغرباء. وأضافت: ابنتي على وجه الخصوص طفلة محبوبة، وإذا كانت تعرف شخصا ما جيدا وتحبه فإنها تحب أن تعانقه. لكن بسبب إعاقتها فهي ليست قادرة على تقييم هذا القرب كيفما كان". الأمر الذي جعلها ضحية اعتداء جنسي قام به شخص، استغل براءة الفتاة وطيبوبتها". وإذا كانت الإحصائيات ببلدنا لا تشير بشكل خاصة الى فئة الاطفال في وضعية إعاقة وإنما تشير إلى أن عدد حالات تعرض الأطفال عامة للاستغلال الجنسي، خلال السنة 2009، بلغ 306 حالات، بارتفاع 536 في المائة مقارنة مع العامين 2006 و2007. وانتقل عدد الأطفال المعتدى عليهم جنسيا، حسب التقرير الصدر عن جمعية "ماتقيش ولدي" (لا تلمس ابني)، من 20 في العام 2006 إلى 50 في العام 2007، ليصل إلى 306 حالات، فانه يمكن الاستدلال على حجم الاشكالية من جهة وعلى عالميها من جانب آخر بالإشارة إلى أن دولة في مستوى ألمانيا قد أسفرت فيها دراسة أجرتها وزارة شؤون الأسرة الألمانية وشملت أكثر من ألف وخمسمئة امرأة من مختلف الإعاقات الجسدية والذهنية بين عامي 2009 و2011، أسفرت نتائجها عن نتائج مهولة تشير إلى أن الفتيات والنساء ذوات الإعاقة عرضة للعنف الجنسي على الأقل من مرتين إلى ثلاث مرات أكثر مقارنة بالنساء غير المعاقات في المتوسط، حسبما جاء في موقع "شبيغل أونلاين" كما ذكر الباحثون أن عدد الحالات غير المبلغ عنها مرتفع، حيث لا يمكن في الغالب التواصل مع المعرضات للعنف الجنسي بشكل خاص، بسبب إعاقتهن الذهنية. وهناك أسباب عديدة تجعل الأطفال في وضعية إعاقة الذهنية معرضين بشكل خاص لخطر العنف الجنسي ويمكن ايراد بعضها في ما يلي: غالبا ما يحتاج الفتيان والفتيات من في وضعية إعاقة إلى المساعدة والرعاية الذاتية الحميمة، الشيء الذي يمكن أن يؤدي إلى مواقف يستغلها المعتدون. بما أن التجارب اليومية لهؤلاء الفتيان والفتيات في وضعية إعاقة تجعل آخرين يعتنون بهم وينظفونهم، فهذا يجعلهم لا يستطيعون تطوير شعور جسدي متوازن أو بالأحرى لا يعرفون أن "جسدي ملك ل ". يتلقى العديد من الفتيان والفتيات في وضعية إعاقة معرفة غير كافية عن أجسادهم من آبائهم ومساعديهم الشيء الذي يستغله بعض الجناة. شوق الفتيات والفتيان في وضعية إعاقة إلى الحنان يجعلهم معرضين بشدة للاعتداء الجنسي. وينطلقون المعتدين غالبا من حقيقة أن الأطفال والفتيان والفتيات ذوي الإعاقات الذهنية لا يستطيعون على وجه الخصوص التعبير عن أنفسهم بوضوح كاف أو أن مصداقيتهم أكثر عرضة للتشكيك عند إعلانهم عن أي اعتداء. كما أن المعتدين الذين يكونون أحيانا من الأقارب يستغلون الحكم المسبق بأن لا أحد "سيهاجم" هؤلاء الفتيان والفتيات لأنهم ليسوا على صفات ومُثُل الجمال المعتادة وبالتالي فهم أقل جاذبية. وينصح الأخصائيون بالاهتمام بالتربية الجنسية والحياة العاطفية للأطفال والفتيان والفتيات المعاقين ذهنيا، والتي تعد من بين الأساليب الوقائية التي يمكنها الإسهام في حماية هؤلاء الأشخاص من الاعتداءات الجنسية التي تؤثر بشكل كبير على حياتهم النفسية والاجتماعية. إلى جانب ضرورة انتباه الأسر إلى أطفالهم في وضعية إعاقة الذين يمكن أن تظهر عليهم علامات تشي بخطب ما، فعندما يعاني الطفل ذو الإعاقة فجأة من الاكتئاب والعدوانية واضطرابات النوم والأكل وكذلك السلوكيات المنحرفة، فمن المؤكد أنه يعاني من مشكلات، ربما تكون بينها مشكلة جنسية. وللأسف فإن هناك تقصيرا في هذا الجانب إن على صعيد الأسر، أو على صعيد الأخصائيين العاملين داخل بعض المؤسسات التأهيلية للأشخاص في وضعية إعاقة والذين وإن اعترف البعض منهم بوجود حالات اعتداء جنسي داخل بعض المؤسسات وكذلك حالات يتم الاعتداء عليها من جهة أسرهم يتم اكتشافها في حالة حضورهم للمؤسسة من أجل التعليم أو التدريب ولكن بسبب خوفهم من المشاكل أو فقدان وظائفهم، لا يبلغون في أحيان كثيرة عن هذه الحالات الشيء الذي ينتج عنه في بعض الأحيان مضعفات اجتماعية هدا ويجمع المختصون والمهتمون بحماية الطفولة على انه لا يمكن الحد من ظاهرة الاستغلال الجنسي ضد الأطفال في وضعية إعاقة ما لم يتم العمل على تدابير وإجراءات علمية هادفة على مستويات عدة. بدءا بتشجيع البرامج والمبادرات التي تحد من ظاهرة العنف والاستغلال، ومنها دمج الأشخاص في وضعية إعاقة في برامج الحماية من العنف والاستغلال المقدمة لكافة أفراد المجتمع وإشراكهم في البرامج المرافقة المخصصة لضحايا العنف والاستغلال، إلى جانب تكثيف حملات التوعية بقضايا العنف والاستغلال للأشخاص في وضعية إعاقة والتعريف بالمنظمات والمؤسسات التي تهتم بحماية هذه الفئة وقيام المؤسسات الحكومية ذات الصلة بكل ما يلزم لمتابعة قضايا العنف والاستغلال الجنسي لها للحد من انتشارها. ولن يتأتى ذلك طبعا إلا بالتكوين والتكوين المستمر لأطر هذه المؤسسات، إلى جانب تكوين العاملين مع الأشخاص في وضعية إعاقة في طرق كشف وتوثيق قضايا العنف والاستغلال والفحوصات الأولية التي يمكن إجراؤها للكشف عن هذه الممارسات خاصة في مؤسسات التربية والتكوين والخدمات التأهيلية لهذه الفئة، وإدماج بعد الإعاقة في كافة البرامج التي تهتم بظاهرة العنف والاستغلال الجنسي. كما أن تثقيف الأسر وتوعيتها للإبلاغ فورا عن أي حالة عنف أو استغلال يتعرض لها الشخص في وضعية إعاقة وعدم كتمان هذه الحالات وتبقى مسؤولية الجميع في تشكيل البيئة الحامية للطفولة جمعاء من أي استغلال أو اعتداءات أساسية وواجبة، وعلينا جميعا إذكاء الوعي بالقواعد التربوية اللازمة لمعاملة الأطفال، والعمل المكثف لتزويدهم بآليات الدفاع عن أنفسهم، حالة تعرضهم للخطر، وإكسابهم معارف التصرف مع مختلف المواقف الحياتية التي قد يتعرضون لها. *محاضر وناشط حقوقي في مجال الإعاقة