تنتمي نادية الشرادي إلى فريق من شخصين يساير المشاكل القانونية لإحدى التنظيمات النقابية المتواجدة في مدينة "مالين" البلجيكية، كما تمدد أداءها إلى نفس التعاطي مع قضايا المهاجرين بشكل تطوعي. لم تخبر الشرادي الانتقال من العمليات المحاسباتية إلى البحث عن حلول في منطوق القوانين فقط، بل عرفت طعم معاودة إطلاق الحياة دون الاستسلام أمام العثرات، وأحست بالسعادة الناجمة عن صيانة حقوق الضعفاء. ظروف ملائمة تنحدر نادية الشرادي من أسرة تطوانية مهاجرة إلى مدينة "مالين" في مملكة بلجيكا، وبالحاضرة ذاتها حظيت بالرعاية اللازمة كي تكبر وسط ظروف لا تتردد في اعتبارها ملائمة. تقول الشرادي إنها تتذكر ولوجها مبكرا إلى إحدى مدارس المنطقة، إذ كانت في ربيعها الثالث حين قصدت مدرسة "أورسولينا"، وهي مؤسسة تعليمية كاثوليكية بها أطر أكفاء. "قد لا أستحضر بوضوح بعض تفاصيل السنين الأولى هناك، لكنني مازلت أعي النظام الداخلي للمؤسسة الذي كان يلزمنا بزي موحد والتعامل باحترام، وفيها بقيت حتى سن ال18"، تردف نادية. دون عنصرية تعتصر نادية الشرادي ذاكرتها جيدا قبل أن تؤكد غياب تعرضها لأي معاملة عنصرية طيلة حياتها في البيئة البلجيكية، وتشدد على كون انتمائها إلى ثقافتين متباينتين لم يجعلها محط ميز سلبي. وتزيد ذات الأصل المغربي: "مرت أيام الطفولة بلا مشاكل تذكر، لم تشهد سوى بعض المناوشات العادية بين الصغار .. صحيح أنني أسمع محن البعض مع عنصريين لكنني لم أعش ذلك شخصيا". "أغلب معارفي بلجيكيون أصليون يعاملونني باحترام تام، وأتعاطى مع المجتمع من خلال إطار مدني دون أن أصادف أي تجريح، وسيري في الحياة لم ينظر فيه أبدا لأصلي"، تؤكد الشرادي. انطلاقة جديدة تخلت المزدادة في "مالين" عن دخول أي من المؤسسات الجامعية بعدما صارت متزوجة عقب التخرج من المؤسسة الثانوية، لكن التطورات أملت كسر هذه الرابطة الأسرية لتقبل على انطلاقة جديدة. ابتغت نادية الدخول إلى التعليم العالي بدراسة العلوم الاقتصادية، موجهة تركيزها بالكامل إلى التخصص في العمليات المحاسباتية قبل البحث عن عمل يساير هذا التوجه الذي تملكها بالكامل. بعد التخرج بدبلوم في المحاسبة؛ خبرت الشرادي الاشتغال في هذا الميدان مع إحدى الشركات، وقد لازمت هذه المحطة المهنية فترة زمنية تعادل 6 سنوات، ثم قررت الانحياز صوب مجال مغاير. النقابة والقانون ترددت نادية الشرادي كثيرا في قبول عرض عمل من إحدى النقابات المهنية، خصوصا أن الأداء المطلوب كان يستلزم توفير استشارات قانونية، لكنها أقبلت على ذلك بناء على صيغة توفيق بين العمل والتكوين المعرفي. عن هذا التطور تذكر الشرادي: "جاء ذلك سنة 2002؛ وقد كنت أمضي 4 أيام في مقر الاشتغال ثم أذهب لدراسة العلوم القانونية في جامعة أنفيرس .. ضبطت قانون الشغل والقانون الاجتماعي وتخرجت عام 2006". استبدلت نادية انجذابها إلى المحاسبة بعشقها لمجال الاستشارات القانونية، معلنة أنها تسعد حين تشارك في حل مشاكل الشغيلة التي تقصدها في النقابة التي تعمل لديها؛ خاصة حين تعفي التدخلات الودية عن التوجه نحو المحكمة. يد المساعدة تنتمي نادية الشرادي إلى تنظيم جمعوي في "مالين"، ضمن المنطقة الفلامانية بمملكة بلجيكا، وفي هذا الحيز الناطق أساسا باللغة الهولندية لا تتردد في تقديم يد المساعدة بشكل تطوعي لمن يحتاجون استشارات قانونية. "أركز على ما خبرته نظريا وميدانيا في محاولتي تقديم المساندة اللازمة لعدد كبير من المهاجرين الوافدين من دول عديدة، وبينهم عدد كبير من المغاربة المستقرين في مدينة مالين وجوارها، بكل فرح ودون تردد"، تعلن الشرادي. وترى نادية أنها تحاول مواكبة المستجدات القانونية والإجراءات المسطرية للوفاء بالتزاماتها المهنية والتطوعية، مقرة بالسعادة التي تغمرها كلما ساهمت في حل مشكل ما، بينما تعتبر هذا النهج مساهمة لفائدة الضعفاء في حماية حقوقهم من الضياع. رفض الاستسلام تتوج نادية الشرادي بالنصح إلى الجميع كي يعملوا على رفض الاستسلام ما داموا أحياء، مؤكدة أن تجربتها الخاصة جعلتها متأكدة تماما من فائدة البحث عن فرص لمعاودة الانطلاق، وإن أتى هذا بعد تلقي صدمات مؤثرة. تقول الخبيرة القانونية عينها إن إقبالها على الدراسة الجامعية في سن ال24 انبعث من رفض للفشل، وأن الفعل الصحيح لا يمكن أن يسفر إلاّ عن نتائج إيجابية حتى لو جاء في وقت متأخر؛ بينما الاستكانة تبقي الأحوال بلا تغيير. "الراغبون في التطور على التراب البلجيكي، وأيضا في أي مكان على وجه الأرض، عليهم الاستثمار في أحلامهم ومجاراة الفرص التي تبرز أمامهم .. من يريد شيئا سيصل إليه إن حضرت الثقة في القدرات"، تختم نادية الشرادي.