في عام 2017 تولت الشابة المغربية كوثر بوغلالة رئاسة جمعية "كوديناف" للتعاون والتنمية في شمال إفريقيا، التي تعمل من أجل إدماج المهاجرين في المجتمع الإسباني، وذلك بعد مسار طويل قطعته بمثابرة وصبر في مجال العمل الجمعوي الميداني مكنها في النهاية من ترؤس هذه المنظمة غير الحكومية التي تحظى بتقدير كبير ومعترف بها من طرف السلطات الإسبانية. وكانت كوثر بوغلالة التي تنحدر من مدينة تطوان قد غادرت المغرب عام 1996، بعد حصولها على شهادة الباكالوريا بهدف متابعة دراستها بكلية الصيدلة بمدينة غرناطة (جنوب شرق إسبانيا)، لتكتشف داخل هذه المؤسسة الجامعية التي يؤمها العديد من الطلبة المغاربة حسها النضالي في مجال الدفاع عن حقوق المهاجرين، وتنخرط في العمل التطوعي ضمن جمعية "كوديناف" التي تأست في تلك الفترة بهدف رفع التحديات في مجال دعم ومساعدة المهاجرين على الاندماج في بلد الإقامة. كوثر بوغلالة قالت في تصريح صحافي: "لقد بدأ كل شيء مع تداعيات التعديلات التي أدخلت في عام 1993 على القانون الذي ينظم وضع الأجانب المقيمين في إسبانيا، وهي المراجعة التي أثرت بشدة على الطلبة الأجانب، لندرك كطلبة جامعيين أن الوقت قد حان للتعبئة للدفاع عن حقوقنا". وأضافت أنه في مقصف الكلية الأندلسية تم وضع معالم هذا الإطار الجمعوي لتخرج جمعية "كوديناف" إلى الوجود وتحظى مباشرة برعاية من إحدى النقابات الإسبانية التي وضعت مبانيها وملحقاتها رهن إشارة الناشطين الشباب في صفوف الجمعية ليتمكنوا من تنظيم أنشطتهم وتنفيذ مبادراتهم. وبعد ثلاث سنوات من التحصيل الجامعي بكلية الصيدلة، قررت كوثر التخلي عن مسارها الجامعي وتكريس حياتها لشغفها بالعمل التطوعي، بدأته بالاستفادة من تدريب في المجال الاجتماعي قبل أن تنطلق في مسار الدفاع عن حقوق المهاجرين ودعمهم وتحفيزهم على شق طريقهم في بلد الإقامة وتحقيق اندماجهم. وأوردت كوثر أنه "من خلال الأنشطة والمبادرات التي نقوم بها نركز بالخصوص على العلاقات والروابط القائمة بين الهجرة والتنمية"، مشيرة إلى أنه "بفضل هذه المقاربة التي تبنتها الجمعية نتوصل بدعم ومساعدات من مجموعة من الشركاء المغاربة والإسبان من أجل تمويل مشاريعنا". وأضافت أن منظمة "كوديناف" غير الحكومية تنشط بمجموع جهة الأندلس وأضحت مرجعا في مجال مصاحبة المهاجرين من خلال ست مندوبيات تابعة لها موزعة ما بين مدن إشبيلية، ومالقة، وهويلبا، وألميريا، بالإضافة إلى مندوبية أخرى تم افتتاحها مؤخرا بجهة كتالونيا. وأشارت إلى أن "كوديناف" هي إحدى الجمعيات الأوائل التي تم تأسيسها ويتم تسييرها من طرف مهاجرين من المغرب، وهي تقوم، حسب صحيفة "أوكي دياريو" الإسبانية في مقال نشرته حول الجمعية شهر مارس الماضي، "بمجهودات كبيرة وسط أفراد الجالية، خاصة بمنطقة أليخيدو". وتركز الجمعية تدخلاتها بالخصوص في المناطق التي تشهد كثافة مهمة لأفراد الجالية المغربية المقيمين بإسبانيا، وتعمل في إطار دعم ومساعدة المهاجرين على الاندماج السلس في بلد الإقامة، كما تقدم المساعدة القانونية والتكوين الاجتماعي والمهني والتوجيه الاجتماعي لأفراد الجالية، بالإضافة إلى تدخلاتها وأنشطتها بالمدارس والمؤسسات التعليمية التي يتابع فيها أطفال الجالية دراساتهم، فضلا عن قيامها بحملات تحسيسية والمساهمة في الرفع من المستوى التعليمي لهؤلاء التلاميذ ومكافحة الهدر المدرسي. كما لا تتردد كوثر بوغلالة في المشاركة في مختلف البرامج والتظاهرات التي يتم استدعاؤها إليها، سواء في القنوات التلفزية أو الإذاعية، من أجل الدفاع عن قناعاتها تجاه قضايا الهجرة بصفة عامة، ومشاكل وانتظارات المهاجرين بصفة خاصة، وبالتالي مواجهة الصور النمطية والأحكام الجاهزة حول هذه الفئة والدفاع عن مصالحها. وأكدت رئيسة جمعية "كوديناف" أن المشاريع التي يتم تنفيذها من طرف هذه المؤسسة تشكل آلية لمساعدة المهاجرين على تغيير طرق تفكيرهم بهدف تحسين مستوى عيشهم وتحقيق التحول الاجتماعي، مشيرة إلى أن هذه الأنشطة والمبادرات لا تكون نتائجها آنية وواضحة للعيان على المدى القصير ولكنها تظهر بجلاء على المدى الطويل، "كما أن النجاح الذي يحققه الأشخاص الذين ينالون دعمنا ومساعدتنا يشكل مصدر فخر لنا". وفيما يتعلق برؤيتها لتطور المجتمع الإسباني وصعود الخطاب المناهض للهجرة وكراهية الأجانب، قالت كوثر بوغلالة إن المجتمع الإسباني لم يصبح عنصريا، بل اتجه أكثر إلى نوع من المحافظة، موردة: "صحيح هناك عنصريون في كل مكان، لكن كمجتمع فالإسبان أصبحوا أكثر محافظة، إنها ظاهرة دولية وصلت مؤخرا إلى إسبانيا". وأضافت أن هذا المعطى الاجتماعي الجديد يجد تفسيره في الولوج الميسر وغير المحدود إلى المعلومة، خاصة الأخبار الزائفة والإشاعة، مما يؤدي في الغالب إلى التقوقع على النفس، مضيفة في هذا الصدد أن هناك العديد من الأمثلة والنماذج من وسائل الإعلام الإسبانية التي تستعيد أحيانا في تعاطيها مع قضايا الهجرة بعض التعبيرات من قبيل "الاقتحام أو الانقضاض أو غيرها من المصطلحات التي تثير في الحقيقة شبح الغزو وتغذي الخوف وعدم الثقة والحيطة والحذر من الآخر". وعبرت عن أملها في أن يستثمر الجيل الثاني من المهاجرين المغاربة في المجال السياسي والاقتصادي، وينخرط بشكل مباشرة في تحقيق التنمية ببلد الاستقبال، مع الالتزام بالعمل على ضمان الاندماج للمهاجرين بالتوازي مع توثيق الصلة والروابط مع الوطن الأم.