ترتبط صوريا دادي في بروكسيل بمهام تتعلق بالرعاية الذهنية، كما يتصل أداؤها الميداني بالتدريب الرياضي من المستوى العالي وتقديم الاستشارات الغذائية، زيادة على الالتزام الأصلي بالعمل في الشرطة الفيدرالية البلجيكية. تستجمع المنتمية إلى الجالية المغربية خبرة عقدين من الإقبال على العمل التطوعي أيضا، مفردة جهودا وازنة للتخفيف من معاناة غير المتوفرين على مأوى، وتعتبر ما تقوم به مشاركة بلبنة في بناء صرح التميز الملتصق بعموم مغاربة العالم. عناية مركزة ولدت صوريا دادي عام 1972 وسط أسرة مغربية مهاجرة من طنجة إلى بلجيكا، كبيرة 5 أبناء لهذه النواة الاجتماعية الوافدة على أوروبا، وحظيت برعاية أبوين يؤمنان بدور الثقافة والرياضة في التمكين من تربية سليمة. تقول دادي: "حظيت بعناية شديدة من أبي وأمي؛ إذ كانا يشجعاني على الانخراط في التداريب الرياضية خلال مرحلة الطفولة، كما لم يكونا يدخران جهدا في نقلي إلى مواقع ثقافية واجتماعية حددت ميولي المستقبلية". انقطعت صوريا عن الدراسة الجامعية أواسط عقد التسعينات من الألفية المنصرمة، مقبلة على تجربة زواج لم تدم طويلا، لكنها استجمعت قواها مجددا لقصد التعليم العالي كي تتخرج متخصصة في السيكولوجيا. معالجة الإدمان حرصت صوريا دادي على توسيع مداركها في العلوم النفسانية من خلال الإقبال على دراسة الأديان، مستجمعة فهما مقارنا بين اليهودية والمسيحية والإسلام، ثم عمدت إلى إطلاق مسارها المهني من مركز لمحاربة الإدمان. تذكر المغربية نفسها أن تكوينها الجامعي وانفتاحها على القراءة، زيادة على حرصها على المشاركة في سباقات الماراثون منذ ربيعها ال9، عوامل سمحت لها بالاقتراب من قبول الناس مثلما هم، واستغلت ذلك في مساعدة المدمنين على العلاج. تضحك دادي كثيرا حين تعتبر حرصها على القيام بنشاطاتها الرياضية نوعا من "الإدمان الحميد"، وتؤكد أن تفوقها في هذا الميدان جعلها تقبل على تقديم خدمات "كوتشينغ" منذ وصولها سن ال18، ليلازمها هذا إلى الآن. حضور الشرطة تقدمت صوريا دادي بطلب للاشتغال في الميدان الأمني ببلجيكا، وقد أفلحت في أن تصبح من عناصر الشرطة الفيدرالية لهذا البلد الأوروبي، لكنها تشدد على أن رغبتها في رعاية ابنها قد دفعتها إلى التشبث بمهام إدارية بحتة. "للاشتغال في سلك الشرطة طعم خاص، لكنني ابتغيت الالتزام بمهام أمنية تمنحني وقتا أوفر للتركيز في مهامي كأمّ، زيادة على ما يتيح لي ذلك من البقاء وفية لتحركات أخرى موازية تريحني وجدانيا"، تضيف دادي. بالموازاة مع عملها النظامي، خضعت صوريا لتكوين عال من أجل التحول إلى خبيرة في الأنظمة الغذائية، متخرجة بنجاح في هذا التخصص الذي يدعم عملها كمدربة رياضية، وبعدها أسست شركة خاصة تقدم الرعاية الذهنية أيضا. محنة التشرد ترأس صوريا دادي جمعية للعناية بالأشخاص دون مأوى في بروكسيل، متخذة المبادرة بناء على الحس التضامني الذي أسفرت عنه التربية الأسرية، زيادة على تجارب في العمل التطوعي ربطتها بتنظيمات مدنية ذات توجهات مماثلة. تقول البلجيكية ذات الجذور بطنجة: "حرصت من خلال هذه الجمعية على جمع لوازم وأغذية أوزعها على من يعيشون التشرد مرة كل أسبوعين، ثم تطور التعامل ليصير مرتين أسبوعيا ويرتبط بمئات الناس، كما اتسعت لائحة من يبادرون لدعم هذه الخطوة". "النشاط الأساسي للتنظيم الذي أرأسه يتمثل في توفير وجبات لمن لا مأوى لهم، يتم توزيعها عليهم بتنسيق مع عدد من المتبرعين بالمواد الغذائية. كما ننظم موعدا سنويا يجمع التبرعات لإسكان البعض من الشريحة المستهدفة"، تكشف دادي. في الوطن الأم تعتبر صوريا أن تطور الحياة الاجتماعية وسع الهوة بين الواقع والقيم، حتى أضحت التجارب الميدانية بمثابة تكوين مستمر وتتيح الوعي بوجود توالي لبدايات ونهايات، وتواتر حضور ثنائية السعادة والحزن، لذلك ينبغي التشبث بالابتسام والتفاؤل دوما. وتطمح صوريا دادي، على حد قولها، إلى المساهمة في أعمال خيرية تستهدف من يعانون الهشاشة في المغرب، مستفيدة في هذا المسعى من التجربة التي راكمتها على مر السنين ببلجيكا، وأن يكون المدخل "ماراثون دراجات" يجمع الدعم لمشاريع في هذا الإطار. "قلبي مع وطني الأم الذي يعرف تطورات متلاحقة، لكني أريد أن أساهم بجهد يحيط أطفال الشوارع والمسنين بعناية إضافية، والأهم أن أشارك في التذكير بأهمية التكافل وقدرة هذه الممارسة على الدفع بالمجتمع كله إلى الأمام"، تستطرد دادي. بين الأذهان والسواعد من منطلق الخبرة، تعلن صوريا دادي أن الحصول على السمعة والرفعة في الحياة يجب أن يبدأ من استحضار ذلك في الأذهان أولا ووسط القلوب ثانيا، وحين يفلح المرء في جمع الطموح الجارف بالمعرفة الواسعة تأتي ثمار عملية البناء بالسواعد. الأكيد أن النجاح يتواجد دوما على الجانب الآخر من النفق، تقول الأخصائية الرياضية والنفسانية عينها، والسير في المنحى الصحيح بطريقة سليمة، بمعية أناس ملائمين لهذا التحرك المؤثر، لا يمكن له إلا أن يفضي إلى التميز بشكل شديد الوضوح. "الوصول إلى مكانات رفيعة يعني الشخص المستفيد بشكل مباشر، لكنه يشكل أيضا لبنة صرح مجتمعي سليم. وبالنسبة للجالية المغربية المستقرة في بلجيكا، أقول إن كل الناجحين ما هم إلا أناس حرصوا على التقدم بإيقاع جيد وبساطة شديدة"، تختم صوريا دادي.