يخبر محمد الورياغلي الحياة السياسية ببروكسيل منذ ربع قرن وأكثر، متدرجا في مواقع تدبيرية عديدة على امتداد هذه السنوات، مفلحا في البصم على أداء يلقى تثمين مختلف الفرقاء الحزبيين ببرلمان العاصمة البلجيكية. يفاخر الورياغي بما حققه استنادا إلى ثنائية الانتماء التي يتملكها، رافضا الأصوات التي تصف من هم في وضعه بالمنحدرين من "أصول صعبة"؛ رادا على هذا التوجه بالدعوة إلى الاطلاع على الإغناء الذي قدمته هذه الفئة من البلجيكيين. ازدياد في "أسيلت" وفد محمد الورياغلي على الحياة سنة 1967 بمدينة "أسيلت" البلجيكية، متعرفا على الدنيا من خلال عيون أسرة مغربية مهاجرة إلى هذه البلاد الأوروبية من مدينة طنجة، ومن لسانها خبر التواصل بالعربية بطلاقة يحافظ عليها. يقول محمد إن أباه خبر التنقل خارج بيئته الأصلية مبكرا بعدما غادر منطقة الريف إلى مدينة طنجة طفلا، ثلاثينيات القرن العشرين، وبالمدينة الدولية خبر التعامل مع جنسيات مختلفة قبل أن يتنقل شابا صوب مملكة بلجيكا. ويضيف الورياغلي: "جاء والدي إلى هنا مطلع الستينيات من الألفية الماضية، ثم التحقت به أمي في العام نفسه الذي ولدت فيه، وقد حظيت بالعناية البالغة التي حرصا على إعطائها ل4 ذكور هم أبناؤهما". ثنائية الانتماء يعتبر محمد الورياغلي أن الاشتغال على الذات لاعتبار امتلاك ازدواجية ثقافية ثراء يبقى أمرا جيدا، خصوصا أن ذلك يعد إضافة نوعية للمجتمع فعلا، لكن مسارات عديدة صادفت عراقيل بسبب عدم معرفة كيفية التعامل مع هذا المعطى. ويفسر المتحدث نفسه فكرته بالتنصيص على أن البعض ينسب أبناء المهاجرين إلى "أصول صعبة"، ولا يمكن للشريحة المحصّلة على ثنائية الانتماء أن تخفي التعرض لمثبطات كثيرة في الماضي، وبعض هذه الممارسات باق رغم تغير العقليات. آمن الورياغلي الأب بأن أسرته ستعود يوما ما إلى المغرب، وبحلول سنة 1973 حركها من "أسيلت" إلى العاصمة بروكسيل، نائيا عن المنطقة الفلامانية ببلجيكا من أجل إعطاء محمد فرصة لتعلم الفرنسية؛ اللغة الأجنبية التي يحتاجونها بالوطن الأم. دواليب السياسة ولج محمد الورياغلي العمل السياسي بطريقة بعيدة عن التخطيط، فهو الحاصل على تكوين تقني جعله مهندسا إلكترونيا، ولا علاقة له بالتدبير أو العلوم السياسية بشكل مباشر، لكنه أضحى لاحقا واحدا من الأسماء البارزة انتخابيا في بروكسيل. "الانطلاقة كانت من الاعتناء بدار للشباب، بمعية أصدقاء في الحي الذي أسكنه، ومر وقت قبل أن تتم دعوتي لتمثيل هذه الفئة انتخابيا، ووجدت نفسي في هذا المضمار بعد أحداث عنف وقعت سنة 1991، المحطة التي أقنعتني بضرورة الاستثمار في الحياة السياسية"، يقول المغربي نفسه. التحقت الورياغلي بالحزب الاشتراكي في بروكسيل، مصطفا وسط خلية تقدمية داخل أجهزته، بينما جني ثمار هذا الحضور السياسي لم يتأخر كثيرا، ففي سنة 1994 تقدم محمد إلى الانتخابات المحلية ليتمكن من اكتساب صفة مستشار بلدي بالعاصمة البلجيكية. تطورات متلاحقة يرى محمد الورياغلي أن الخيط الناظم لمساره السياسي يتصل بقطاع السكن، إذ عمل في بناء المنازل ضمن القطاع الخاص، ومن مهامه الانتدابية كانت رئاسة شركة كبرى للسكن الاجتماعي في بروكسيل، ليصير عمدة مجموعة جماعات، ممسكا بهذا النوع من التعمير حتى 2018. في الوقت الحالي، يبقى الورياغلي منتخبا على مستوى جهة بروكسيل، يتتبع الأداء المنوط بلجنة السكنى والتعمير في هذا الإطار التدبيري، وزيادة على ذلك صار رئيس لجنة جهوية مشرفة على كل التدابير المنصبة على قضايا الإعاقات والتربية بالحيز الفرانكفوني. المتأصل من الريف المغربي، أيضا، واحد من البرلمانيين الفرانكفونيين، وهو برلمان يضم منطقتَي بروكسيل ووالونيا، كما يحوز عضوية برلمان بينيلوكس؛ الذي يعقد ما بين 3 و4 جلسات عامة سنويا ويلوح بمثابة غرفة توصيات تعمل على ملفات عابرة للحدود. اعتزاز بالأصل يجاهر محمد الورياغلي بالفخر الذي يعتريه حين يستحضر مساره، بتركيز على الشق السياسي، مرجعا ذلك إلى كونه من بين أوائل المتأصلين من المغرب الذين جرى انتخابهم على صعيد بروكسيل، والأول على الإطلاق في اكتساب صفة عضو المجلس البلدي لعاصمة بلجيكا. ويسترسل المتحدث نفسه: "سارت بي ثقة الناس إلى أن أغدو أول مغربي يدخل بلدية بروكسيل رغم أن تاريخ مجلسها يعود إلى القرن السادس عشر، كما أن مبعث اعتزازي، زيادة على أصلي المغربي، أني محاط بأناس طيبين لا يبخلون علي بتشجيعهم على الدوام كي أستمر في ما أقوم به". يرفض الورياغلي أن يعتبر المعارك الإنسانية محسومة نهائيا، مؤكدا أن التدافع بين البشر قد يسفر عن انتكاسات تكون لها عواقب وخيمة، بينما أمام المهاجرين والأجيال المنحدرة منهم خطوط إضافية ينبغي تحريكها؛ ولا يمكن أن ينجح هذا مستقبلا إلا بإعداد من سيحملون المشعل ليواصلوا الطريق. الإنسانية والرقمنة يضع محمد الورياغلي الفورة الرقمية التي نعيشها اليوم في مرتبة عالية لاعتبارها مقربة بين الناس ومختصرة للوقت في تحقيق التواصل، لكنه يعتبر أن الدينامية التكنولوجية نفسها تخلف آثارا جسيمة لا يستشعرها الجميع؛ خصوصا ما يرتبط بهدم العلاقات الإنسانية. يشرح البرلماني بقوله: "على الجيل الصاعد أن يحسن الإصغاء لمن سبقوه، لا أن ينساق بلا وعي وراء مواقع التواصل الاجتماعي خالطا بين السرعة والتسرع، ومظهرا معرفة مستعجلة.. أساس البناء الاجتماعي يقوم على إيلاء العلاقات الإنسانية ما تستحقه من اهتمام". "أعرف الكثيرين ممن حاولوا حرق المراحل دون الفلاح في الحصول على أي نتيجة إيجابية، بينما عاشرت آخرين ركزوا على التشبيكات بالعمل ميدانيا كي يضعوا دعامات للنجاح الذي صادفوه.. الحلول الجاهزة ليست أينما كنا في هذا العالم، وينبغي الاجتهاد للوصول إليها"، ينهي محمد الورياغلي حديثه.