دعي الجزائريون إلى التصويت الأحد على تعديل دستوري يفترض أن يؤسس ل"جمهورية جديدة" في استفتاء شعبي يسعى من خلاله الرئيس عبد المجيد تبون إلى طي صفحة انتخابه الذي رفضه "الحراك الشعبي" المعارض لكل تركيبة النظام. واختتمت الأربعاء حملة انتخابية لم تثر حماسة الجزائريين في الأسابيع الثلاثة الماضية. وبالتالي، قد يجد تبون نفسه أمام نتيجة للاستفتاء من دون مشاركة كبيرة، ما يعني استمرار الجدل حول سياساته. بالإضافة إلى ذلك، سيحصل الاستفتاء الشعبي الذي دعي إليه 25 مليون ناخب، في غيابه، إذ إن الرئاسة الجزائرية أعلنت مساء الأربعاء أن تبون (74 عاما) نقل إلى ألمانيا لإجراء "فحوص طبية معمقة"، بعد أن كان أدخل قبل يومين إلى مستشفى عسكري في الجزائر إثر إصابة عدد من المحيطين به بفيروس كورونا المستجد؛ ولم يذكر أي تفصيل عن وضعه الصحي، سوى أنه "مستقر". ومنذ تسلمه السلطة في 19 ديسمبر 2019، غداة انتخابات اتسمت بمقاطعة قياسية، تعهد تبون بإصلاح الدستور الصادر في العام 1996، ومدّ يده إلى الحراك. لكن الحراك رفض "بالشكل والمضمون" نصا رأى فيه "تغييرا شكليا"، فيما يطالب الشارع ب"تغيير النظام". ودعا الناشطون في الحراك إلى مقاطعة الاستفتاء. ويقول المحلل السياسي المتخصص في الجزائر والعالم العربي حسني عبيدي: "الرئيس تبون في وضع حساس بسبب تداعيات طريقة انتخابه"، ويضيف: "حتى لو كان يسعى للحصول على شرعية من خلال صناديق الاقتراع فهامش تحركه محدود"، لأن الجيش "تعلّم دروسا" من رئاسة عبد العزيز بوتفليقة الذي حكم بين 1999 و2019، واستقال تحت ضغط الشارع، وبعد أن تخلى عنه الجيش، ويتابع بأن الجيش "أصبح الطرف الحقيقي الذي يمسك بالسلطة". ويتزامن الأول من نوفمبر، الذي اختير موعدا للاستفتاء، مع ذكرى انطلاق حرب الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي (1954-1962). وقد لا يكون ذلك مجرد صدفة، بل رغبة في استغلال هذا التاريخ الرمزي لتحريك مشاعر الناخبين. وقد جاء في أحد شعارات الحملة الانتخابية: "1954 التحرير، 2020: التغيير". ويفترض أن يرد الناخبون الجزائريون على سؤال "هل أنتم موافقون على مشروع تعديل الدستور المقترح؟". بين الطبقة السياسية، أنصار "النعم" هم أعضاء الحكومة وأحزاب الائتلاف الحاكم القديم، مثل جبهة التحرير الوطني، أبرز داعمي حكم بوتفليقة الذي استقال في أبريل 2019؛ وقد قاموا بحملة ركزوا خلالها على أن المشروع يضع أسسا ل"جمهورية جديدة". وحث وزير الاتصال عمار بلحيمر، الناطق الرسمي باسم الحكومة، الأربعاء، الجميع "على أداء واجب المواطنة بالمشاركة في الاستفتاء"، معبرا عن تفاؤله "بوعي الشعب وقناعته بالتوجه إلى صناديق الاقتراع بكثافة للمشاركة في وضع لبنة جديدة في مسار البناء الوطني الشامل وتفويت الفرصة على أعداء الجزائر". ويركز القانون الأساسي الجديد على سلسلة حقوق وحريات تلبي تطلعات "الحراكيين"، لكنه يبقي على مجمل عناصر النظام الرئاسي كما هي. أية مشاركة؟ يأتي الاستفتاء وسط أجواء من القمع في البلاد. ويندّد المعارضون، من الإسلاميين إلى أقصى اليسار مرورا بالمدافعين عن حقوق الإنسان، بمشروع يهدف إلى دفن الحراك بالنسبة للبعض، و"دسترة" العلمنة بالنسبة إلى البعض الآخر. ويقول عبيدي: "السلطة مدركة أن الصلة مع الشعب قطعت تماما". وبعد حوالي عشرين شهرا على بدء حركة الاحتجاج التي اتخذت حجما غير مسبوق وبدأت ردا على نية بوتفليقة الترشح لولاية خامسة آنذاك، واستمرت للمطالبة برحيل كل أركان النظام، يعتبر الاستفتاء بمثابة اختبار للحراك الذي ضعف كثيرا نتيجة القمع اليومي والتوقف القسري للتظاهرات بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد. وتقول الأستاذة في العلوم السياسية في جامعة الجزائر لويزة آيت حمدوش إنه سيحكم على قوة الحراك انطلاقا من نسبة المقاطعة واستمرار الطابع السلمي المدني للاحتجاجات؛ وهي تعتبر أن "الاستفتاء لن يحمل تغييرا حقيقيا في السياسة أو في طريقة الحكم"، في المقابل، "يرتدي أهمية كبرى في ما يتعلق بتمتين السلطة، لكن هذا يتوقف بالدرجة الأولى على نسبة المشاركة". وقرّرت حركة مجتمع السلم، أبرز حزب إسلامي، المشاركة في الاستفتاء، مع التصويت ب"لا". ويلفت عبيدي الانتباه إلى أن نسبة المشاركة "هي المؤشر الرئيسي على اندماج الناخبين"، متخوفا في الوقت نفسه من حصول "التضخيم العادي للأرقام في مثل هذه الظروف"، ويقول: "في حال حصول ذلك، تكون الجزائر فوتت فرصة غير مسبوقة للانخراط في عملية صادقة للانتقال الديمقراطي".