مازالت أخبارُ الموتِ تفجعُ أسرة الأطبّاء المغاربة في معركتهم الطّويلة ضدّ وباء "كورونا"؛ إذ لم يعد الرّهانُ يقتصر على الحفاظ على الصّحة العامّة وإنقاذ أرواحِ المرضى والمصابين، وإنما أصبح الهاجسُ الرّئيس لأصحاب "البذلة" البيضاء هو الافلاتُ من شبحِ الموتِ والتحوّل إلى رقمٍ جديدٍ ينضافُ إلى عدّاد موتى "كورونا". ومازالت الأطر الطّبية تتواجد في الصّفوف الأمامية لمواجهة وباء "كورونا" على الرّغم من أجواء الموتِ المحيطة بها في غرفِ الانعاش وداخل مراكز الاستشفاء؛ إذ لم تعد هذه الأخبار تهمّ مواطنين عاديين أصيبوا بعدوى الفيروس ففتكَ بحياتهم، بل أصبحَ الأمر يتعلّق بأطبّاء قضوا وهم في قلبِ المعركة ضد "كورونا". ولا يتعلّق الأمر بأطباء يعملون في القطاعين العام والخاص فحسب، بل بكفاءات علمية وأساتذة طب وباحثين عرّضوا حياتهم للخطر ووجدوا أنفسهم في لحظة فارقة في مواجهة الموت، فمنهم من نجا بجلدهِ وخرج منتصراً من معركة "كورونا"، ومنهم من قضى وهو في سرير العلاج. الدّكتور العلوي.. طبيبُ جرادة ظلّ زملاؤه في العمل ينتظرون بفارغ الصّبر أخباراً إيجابية عنه، وهو الذي يُعرف بالصّبر والابتسامة السّاطعة التي لا تغيب عن محيّاه، وبالتّالي لا يمكن لأيّ مرضٍ مهما اشتدّت خطورته أن يتغلّب عليه، غير أنّ الفيروس كان أقوى من صلابتهِ واستطاعَ هزمه. هو الدكتور مصطفى العلوي طبيب جرادة الإنساني، الذي توفّي أول أمس بسبب إصابته بفيروس "كورونا". وعرف "طبيب جرادة" بنشاطه الجمعوي وتضحياتهِ في عمله، وهو ما جعلهُ يحظى باحترام سكان الجهة الشّرقية. وكان الطّبيب المتوفّى قد خضع لفحوصات طبية متقدّمة أثبتت إصابته بفيروس كورونا ليتمّ نقله إلى المستشفى، قبل أن يفارق الحياة أياما بعد إصابته. الدخيسي.. الطّبيب الإنساني ظلّ يصارعُ المرض إلى أن خارت قواه. هو الطّبيب محمد الدّخيسي، المعروف في الجهة الشّرقية للمملكة بحسن أخلاقهِ وسيرته المهنية. وإلى جانب مهنته في الطّب، ظلّ الدّكتور خريج كلية الطب والصيدلة بالرباط طوالَ حياتهِ يحاضر ويقدّم دروساً للطّلبة الأطباء، كما تخرّج على يديه أجيال من الأطبّاء المتمرّسين. اشتغلَ بالمركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد بالدارالبيضاء، ثم أصبح أستاذا مساعدا، قبل أن يصبح أستاذا جامعيا في مجال جراحة العظام والمفاصل. توفّي متأثرا بإصابته بفيروس كورونا. البروفيسور مومن.. هو أستاذ الجراحة العامّة ورئيس المصلحة المختصة في مستشفى ابن رشد بالدّار البيضاء، توفّي هو الآخر متأثّراً بإصابته بفيروس "كورونا". وكتب الدكتور عبد اللطيف ياسي، طبيب أخصائي بطب المستعجلات والتسممات بالمستشفى الجهوي الحسن الثاني بأكادير، تدوينة مؤثرة ينعى فيها زميله بالقول: "مرة أخرى يفجع الأطباء في وفاة زميل لهم وأستاذهم البروفيسور محمد مومن (بروفيسور أخصائي في الجراحة العامة) بسبب فيروس كورونا، اللهم ارحمه واغفر له والهم ذويه الصبر والسلوان وتعازينا الحارة لزوجته البروفيسور المنصوري (أخصائية في التوليد وأمراض النساء) وأبنائه...إنا لله وإنا إليه راجعون". نزيف مستمر.. ومازال الأطبّاء يواجهون خطر الموت في غرف الانعاشِ والاستشفاء الخاصّة بفيروس "كورونا"، بحيث فقد المغرب مؤخرا ثلاثة أطباء وأساتذة بكلية الطب بمدينة الدارالبيضاء. ويتعلق الأمر بالبروفيسور فاضمة عبي، أول امرأة جراحة بالمغرب أستاذة علم التشريح سابقا بكلية الطب والصيدلة بالدارالبيضاء، والبروفيسور بنزاكور، أستاذ جراحة العظام والمفاصل، والدكتور الحمداني، أستاذ سابق في أمراض الجهاز الهضمي بكلية الطب والصيدلة بالبيضاء.