تخوض الأحزاب السياسية نقاشاً حاداً بينها بخصوص القاسم الانتخابي الذي سيُعتمد في الانتخابات المقبلة، حيث يدور الخلاف بين التنظيمات الداعية إلى الاعتماد على المسجلين في اللوائح الانتخابية، والمطالبة بالانطلاق من عدد الأصوات المعبر عنها في احتساب المقاعد البرلمانية. وفي خضم هذا الخلاف المحموم، يتلمّس عبد الكبير طبيح، المحامي بهيئة الدارالبيضاء، عبر هذه المقالة، تجليات علاقة القاسم الانتخابي للمسجلين بالدستور وعلاقته بمحاربة الريع ومحاربة الطائفة، خالصاً إلى أن "القاسم الانتخابي للمسجلين سيساعد على محاربة الطائفة، وسيرجع السيادة إلى أصحابها، وهي الأمة وفقا للفصل 2 من الدستور". إليكم المقالة: يُلاحظ، اليوم، أن الأحزاب السياسية، سواء منها المشاركة في الحكومة وفي البرلمان أو غير المشاركة فيهما، منشغلة بنقاش حول القاسم الانتخابي الذي سيطبق في الانتخابات المقبلة. ومن المعلوم أن القاسم الانتخابي هو الآلية التي توزع بناء عليها المقاعد بين الأحزاب والأفراد المشاركة في العمليات الانتخابية، بعد انتهاء عملية التصويت. والخلاف يدور بين من يريد أن ينطلق ذلك القاسم الانتخابي من عدد المصوتين، وبين من يريد أن ينطلق من عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية، أي المؤهلين قانونا للمشاركة في التصويت. حقا إن كلا من القاسمين ينتج عند عملية توزيع المقاعد خريطة حزبية مختلفة في المجالس المعنية بتلك الانتخابات. والسؤال الذي أثاره البعض هو: هل للقاسم الانتخابي للمسجلين في اللوائح الانتخابية شرعية دستورية أم أنه مخالف للدستور؟.. سنحاول تلمس تجليات علاقة القاسم الانتخابي للمسجلين بالدستور وعلاقته بمحاربة الريع ومحاربة الطائفة. القاسم الانتخابي وربط المسؤولية بالمحاسبة من أكثر الجمل التي يتداولها جميع الفئات، سواء كانوا فاعلين سياسيين أو فاعلين في المجتمع، هي جملة (ربط المسؤولية بالمحاسبة). ومن المفيد الإشارة إلى أن هذا المبدأ لا يقتصر فقط على الأفراد الذين يمارسون مسؤولية معينة، وإنما يخضع له كذلك الأحزاب السياسية. كيف ذلك؟ من المعلوم أن مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة أتى به الفصل الأول من الدستور الذي هو مخصص لتحديد نظام الحكم في المغرب، وجعل من مرتكزات ذلك الحكم مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، إذ تنص الفقرة الثانية منه على ما يلي: "يقوم النظام السياسي للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها والديمقراطية المواطنة والتشاركية وعلى مبادئ الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة". إن الالتزام الدستوري المتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة لا يقتصر على الأفراد المسندة لهم تحمل المسؤولية فقط؛ بل إنه يخص كذلك، وبالأولوية، الأحزاب السياسية، ذلك أن كل الدساتير التي عرفها المغرب منذ 1962 إلى 1996 لم تكن تعترف للأحزاب السياسية بأي وضع دستوري، بل إن شرعيتها كانت تستند إلى قانون الحريات العامة أول الأمر مثلها مثل جمعيات المجتمع المدني، ثم انتقلت إلى شرعية قانونية بسن قانون خاص بالأحزاب منفصل عن القوانين المنظمة للحريات العامة. بينما دستور 2011 بادر إلى دسترة وجود الأحزاب السياسية، وجعلها مكونا من مكونات مؤسسات الدولة الديمقراطية، عندما نص عليها في الفصل 7 منه. وبالرجوع إلى الفصل 7 من الدستور، نجده لم يقف عند إعطاء الأحزاب امتياز الاعتراف الدستوري بها؛ بل وضع على تلك الأحزاب التزامات وحمّلها مسؤوليات محددة حرص على النص عليها بكل وضوح في ذلك الفصل، إذ ورد فيه ما يلي: "تعمل الأحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية وتدبير الشأن العام. وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين والمشاركة في ممارسة السلطة على أساس التعددية والتناوب بالوسائل الديمقراطية وفي نطاق المؤسسات الدستورية". ويتبين من ذلك الفصل أن أهم مهمة كلف الدستور الأحزاب السياسية بها هي تعزيز انخراط المواطنات والمواطنات المواطنين في الحياة الوطنية وفي تدبير الشأن العام. ولا يتأتى انخراط المواطنة والمواطن في الحياة الوطنية وفي تدبير الشأن العام إلا بمشاركته الواسعة في الانتخابات الوطنية بانتخاب أعضاء البرلمان، والمحلية بانتخاب ممثليه في الجماعات المحلية؛ لأن عملية الانتخاب هي الآلية الدستورية التي تفوض بها المواطنة ويفوض بها المواطن ممارسة السيادة لممثليهم في البرلمان أو المجالس المحلية، طبقا للفصل 2 من الدستور. إن الدستور، إذن، يضع التزاما على الأحزاب السياسية يتمثل في تأطير المواطنات والمواطنين بقصد الانخراط في الحياة الوطنية وتدبير الشأن العام. وعندما نلاحظ ضعف المشاركة في الانتخابات فإن ذلك دليل على عدم انخراط المواطنة والمواطن في الحياة الوطنية وفي تدبير الشأن العام، أي حجة قوية على عدم تنفيذ الأحزاب للواجب الدستوري الذي حملهم به الفصل 7 من الدستور. إن عدم انخراط المواطنة والمواطن في الاستحقاقات الانتخابية هو سؤال كبير موضوع على الأحزاب السياسية حول مدى قيامها بمهمتها الدستورية المحددة في تعزيز انخراط المواطن في الحياة العامة وتدبير الشأن العام، علما أن الأحزاب تتقاضى اليوم مقابلا ماليا يصل إلى مليارات عديدة بالنسبة لبعض الأحزاب يؤدي من جيوب دافعي الضرائب. وبطبيعة الحال، فإن لا أحد يقول إن المشاركة يجب أن تكون مائة في المائة؛ لأن نظامنا الانتخابي لا يعاقب على عدم المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، كما هو الحال في بلدان أخرى. إن القاسم الانتخابي للمسجلين هو آلية محاسبة الأحزاب على مسؤوليتهم في القيام بمهمتهم في تعزيز انخراط المواطنين والمواطنات في الحياة العامة وفي تدبير الشأن العام؛ وهو بذلك يلزم توزيع المقاعد ليس أخذا في الاعتبار الذين صوتوا فقط، بل أخذا في الاعتبار من هو مؤهل للتصويت ولو لم يصوت. القاسم الانتخابي للمسجلين يجد مشروعيته الدستورية في كونه: 1 يرجع بالأحزاب إلى الجهة التي تملك السيادة؛ وهي الأمة، وفقا لما ينص عليها في الفصل 2 من الدستور، لكي يعتمد على عدد المكونين لها في توزيع المقاعد سواء كانت برلمانية أو محلية. 2 يرجع الأحزاب السياسية ليذكرها بمهمتها الدستورية المنصوص عليها في الفصل 7 من الدستور المتمثلة في تعزيز انخراط المواطنين والمواطنات في الحياة الوطنية وتدبير الشأن العام. فالقاسم الانتخابي للمسجلين يجد سنده الدستوري في الفصلين 7 و2 من الدستور، خلافا لما يردده البعض من كون إعماله هو إعمال مخالف للدستور. القاسم الانتخابي للمسجلين وظاهرة الريع الريع في تعريفه المتداول هو الحصول على منفعة عامة، إما مالية أو عينية، بدون مقابل سواء كان ذلك المقابل ماليا أو فكريا أو جسديا. ويتم الحصول على تلك المنفعة بناء على علاقات غير مشروعة قانونا أو غير مشروعة مجتمعيا أو الحصول على تلك المنفعة العامة بأقل من مقابلها المشروع. كما ينطبق هذا التعريف على عدد من المنافع العامة ينطبق على نتائج بعض العمليات الانتخابية، التي يتم بواسطتها اختيار من سيتكلف بالمناصب الكبرى التي تتخذ القرارات المتعلقة بالمعيش اليومي للمواطنات والمواطنين. إن العملية الانتخابية، كما هو عليه الأمر في الديمقراطيات الغربية، هي الآلية التي يتم بواسطتها تفويض ممارسة السيادة لفترة محددة من المواطنة والمواطن إلى من ينتخبونه بقصد تقديم وإنجاز الخدمات التي يكون المواطن والمواطنة في حاجة إليها. لكن عندما يختزل البعض العملية الانتخابية في الحصول على مقعد في الحكومة أو في البرلمان أو في أي مجلس محلي بالوسائل غير المشروعة، سواء كانت تلك الوسائل غير المشروعة هي استعمال المال أثناء العملية الانتخابية أو استعمال ما هو مشترك بين جميع المغاربة من ثوابت جامعة، فإن حصوله على ذلك المقعد في البرلمان أو الحكومة أو أي مجلس منتخب يعتبر هو كذلك ريعا، لأن المقابل غير مشروع. يؤدي عدم وفاء الأحزاب بالالتزامات المنصوص عليها في الفصل 7 من الدستور إلى اعتبار الانتفاع بأي مقعد حكومي أو برلماني أو محلي هو الانتفاع بالريع الانتخابي؛ فالقاسم الانتخابي للمسجلين هو آلية لتذكير كل حزب يعطيه المغاربة أكبر عدد من أصواتهم بأن الذي يملك ممارسة السيادة هي الأمة، وأنها هي من تفوض تلك السيادة إما مباشرة أو غير مباشرة وفقا للفصل 2 من الدستور الذي ينص على ما يلي: "السيادة للأمة تمارسها مباشرة بالاستفتاء أو بصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها". "تختار الأمة ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم" وتعني السيادة أن كل فرد متوفر فيه شرط الناخب هو يمارس جزءا من السيادة، وأن الدستور يعطيه الحق في المشاركة في اختيار من يمثله، بغض النظر هل مارس هذا الحق أم لا. وبالتالي، هو المعني الأول بتوزيع المقاعد بعد كل عملية اقتراع. وإن القول بخلاف ذلك هو الذي سيكون بدون سند دستوري؛ لأنه لا يوجد في الدستور وفي القوانين التنظيمية المتعلقة بالانتخابات بجميع أصنافها ما ينص على أن من لم يشارك في التصويت يفقد صفة الانتماء إلى الأمة. القاسم الانتخابي للمسجلين ومحاربة الطائفة لاحظ الذين شاركوا فعليا أو عاينوا فعليا العمليات الانتخابية التي عرفها المغرب منذ 1975 أن بعض الأحزاب أو الأفراد شكلوا طائفة محصنة لا يمكن لغيرهم أن يصل إليها، ويعتبرونها خزانهم الانتخابي الذي لا يتغير. وهذه الطائفة قد توجد في موقع جغرافي معين، أو قد توجد متفرقة جغرافيا؛ لكنها موحدة حول المصدر الذي تنتفع منه ماليا بأي شكل من الأشكال أو تكون تابعة له بأي شكل من أشكال التبعية، وليس بناء على ما يحمله برنامجه الانتخابي. وهذه الطوائف المحصورة القليلة جدا بالمقارنة مع عدد المؤهلين للتصويت هي التي يعتمد عليها في توزيع المقاعد إذا ما اعتمد على القاسم الانتخابي للمصوتين، والذي يكون وراء تلك الطائفة يستعملونها مرتين: المرة الأول: عند إحضارها للتصويت عليه. المرة الثانية: عندما يعتمدون على عددها القليل، بالمقارنة مع المؤهلين للتصويت، في توزيع المقاعد. إن القاسم الانتخابي للمسجلين سيساعد على محاربة الطائفة، وسيرجع السيادة لأصحابها؛ وهي الأمة وفقا للفصل 2 من الدستور المشار إليه أعلاه. والخلاصة هي أن القاسم الانتخابي للمسجلين يجد سنده في الفصلين 2 و7 من الدستور، وليس العكس.