أن يتناهى إلى سمعك وأنت تمر في الشارع كلام نابي يخدش الحياء،أو تشاهد وتسمع أحدا يشهر سلاحه الأبيض يروم قتل أخيه،كل ذلك يكاد يقترب من المعتاد لكثرة تداوله في الصحف و قنوات الإعلام،بل يمكنك أن تتجرع بكثير من المرارة قراء ة خبر مفاده أن شخصا أقدم على الإجهاز على أحد الأصول للحصول على قليل من خز الدنيا(بفتح الخاء)،لكنك لن تجد تفسيرا لمعاقبة مدرسة من المدارس بالحرق بالنار،وحرمان أطفال صغار من حقهم في التعليم. كنت أتمنى طيلة حياتي أو ما تبقى من العمر ألا أسمع أو أقرأ مثل هذا الخبر المشين ،أو أقف بنفسي على أطلال مدرسة التهمت طاولاتها،وجدرانها،وأعمال أطفالها النيران،فأصبحت هشيما كأن لم يكن بها بالأمس فلذات أكباد المواطنين يشقون طريقهم نحو العلم والمعرفة. في خضم تساؤل المتسائلين المشدوهة عمن أقدم على إضرام النار في فرعية أولاد الرياحي الجديدة بجماعة اثنين سيدي اليمني إقليم طنجة أصيلة لم أملك سوى أن اعتبر الأمر قضاء وقدرا ،أو أحمل المسؤولية للشمس كما فعل ألبير كامو في إحدى رواياته،لأن تحميلها لأي شخص مهما كان سيجعلنا ندق نواقيس الخطر حول تطور الفعل الإجرامي الذي تجاوزكل الممكنات ليدخل مجال اللا معقول . لو سرقت المدرسة لقبلنا ذلك ولو على مضض لا سيما لو كانت تتوفر على أشياء مغرية ،لكن أن يصل الأمر إلى محاولة اجتثاث مدرسة ومحوها من الخريطة فأمر محير حقا. لن أدخل في التخمينات، ومن يمكن أن يتدنى ضميره إلى مستوى هابط من السفالة ليفرغ غضبه،أو هلوساته ضد مؤسسة تربوية بشكل فظيع أسال دموع الأساتذة والتلميذات والتلاميذ،لكن اعتقد أن سياسة إنشاء فرعيات بعيدة عن سكنى الناس كان خطأ كبيرا،بينما كان الواجب أن تنبت المدرسة وسط المدشر وتتعهد كما يتعهد المسجد لأنهما يشتركان معا في محاربة الأمية والجهل، ولهما نفس الغاية وهي الارتقاء بالحياة الاجتماعية إلى مراتب من الأخوة وحب العمل والانضباط. بعض الفرعيات التي أنبتت بعيدا عن المداشر،إضافة إلى دورها التربوي،تقوم بدور آخرنقيض في الليل حيث تتحول ملاذا للسكارى والمعربدين والمعربدات،لاطمئنانهم أن لاأحد يمكن أن يباغثهم غيرأن آثارهم تدل عليهم صباحا. إن الحل الناجع في نظري هو التفكير بسيدي اليمني في مدرسة جماعاتية تلم شتات الفرعيات ،وتضمن السلامة من الحرق ،وتنهي مشكلة المستويات المتعددة (المشتركة)،وتضمن الاستقرار الإداري إذ لامعنى أن يظل المدير متجولا بين الفرعيات،بينما تنتظره مهام تربوية أخرى أفيد من إضاعة الوقت في التأكد من مدى سير العمل التربوي بتلك الفرعيات التي عادة ما تكون بعيدة عن المدرسة المركزية،والتي لايمكنه مراقبتها يوميا. ولاننسى دور المجتمع المدني أساسي في تحبيب المدرسة إلى النفوس،خاصة أنها لم تبق حبيسة فضائها بل تسير وفق سياسة الانفتاح التي تنهجها الدولة بالتأكيد على ضرورة انفتاح المؤسسات التربوية على محيطها الاجتماعي ،وبالتالي لن يكون هناك أي مجال للحقد على المدرسة أو للرغبة في الانتقام منها. لابد من الإشارة إلى أنه حيال هذا الفعل غير العادي تجندت سلطات محلية ،ودرك ملكي،وسلطات تربوية ، ومنتخبون كل في مجال اختصاصه للعثور على الفاعل،ولإعادة التلميذات والتلاميذ إلى الدراسة في أقرب وقت ممكن.