اعتقال رئيس الاتحاد البيروفي لكرة القدم للاشتباه في ارتباطه بمنظمة إجرامية    سكان المغرب.. ارتفاع معدل النمو السنوي إلى 0,85 في المائة بين 2014 و2024    توقيف 08 منظمين مغاربة للهجرة السرية و175 مرشحا من جنسيات مختلفة بطانطان وسيدي إفني    تأجيل مناقشة ميزانية مندوبية السجون بسبب غياب الحكومة يثير غضب التامك ويصرخ: "شعرت بإهانة لم أشعر بها في حياتي وفكرت نحط استقالتي"    المهرجان الدولي للسينما والهجرة بأكادير في دورته العشرين    «كلنا نغني».. جولة عربية وأوروبية للعرض الذي يعيد إحياء الأغاني الخالدة    المجلس الحكومي يلتقط الإشارات الملكية    عودة دياز وماسينا وعطية الله وغياب زياش .. الركراكي يستدعي "أسود الأطلس"    ياسين بونو يجاور كبار متحف أساطير كرة القدم في مدريد    بايتاس: توحيد أنظمة التأمين الإجباري عن المرض "ليس اختراعا حكوميا"    التنسيق النقابي الوطني يهدد وزارة الصحة بالانخراط في "برنامج تصعيدي"    2024 يتفوق على 2023 ليصبح العام الأكثر سخونة في التاريخ    المنصوري تكشف حصيلة برنامج "دعم السكن" ومحاربة دور الصفيح بالمغرب    في أول كلمة له بعد هزيمة هاريس.. بايدن يتعهد ب"انتقال سلمي" للسلطة مع ترامب    "أجيال" يحتفي بالعام المغربي القطري        بايتاس: أكثر من 63 ألف أسرة استفادت من المساعدات الشهرية لضحايا زلزال الحوز    حموشي يرأس وفد المملكة المغربية المشارك في الدورة 92 للجمعية العامة للأنتربول بإسكتلندا    مجلس جهة كلميم واد نون يطلق مشاريع تنموية كبرى بالجهة    ليلى كيلاني رئيسة للجنة تحكيم مهرجان تطوان الدولي لمعاهد السينما في تطوان    انطلاق الدورة الرابعة من أيام الفنيدق المسرحية    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    صَخرَة سيزيف الجَاثِمَة على كوَاهِلَنا !    ما هي انعكاسات عودة ترامب للبيت الأبيض على قضية الصحراء؟        في بلاغ للمكتب السياسي .. وضوح رؤية جلالة الملك في قضية الصحراء مكَّن بلادنا من تأمين مضامين سوسيواقتصادية للسيادة على التراب    التنسيق النقابي للأطر الصحية يتوعد الحكومة بالتصعيد احتجاجاً على خرق اتفاق يوليوز    انتخاب السيدة نزهة بدوان بالإجماع نائبة أولى لرئيسة الكونفدرالية الإفريقية للرياضة للجميع …    ندوة وطنية بمدينة الصويرة حول الصحراء المغربية    البنيات التحتية الأمنية بالحسيمة تتعز بافتتاح مقر الدائرة الثانية للشرطة    مؤشرات إيجابية نحو إنهاء أزمة طلبة الطب واستئناف الدراسة    استعدادات المنتخب الوطني: الركراكي يعقد ندوة صحفية وحصة تدريبية مفتوحة للإعلام    بنسعيد يزور مواقع ثقافية بإقليمي العيون وطرفاية    ضبط عملية احتيال بنكي بقيمة تتجاوز 131 مليون دولار بالسعودية    بوجمعة موجي ل"رسالة24″ : يجب تعزيز الرقابة وحماية المستهلك من المضاربين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    قانون إسرائيلي يتيح طرد فلسطينيين    نجم منتخب أوروغواي السابق دييغو فورلان يحترف التنس    جدري: القطاعات التصديرية المغربية كلها تحقق قفزة مهمة        تظاهرات واشتباكات مع الشرطة احتجاجا على فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية    سفير أستراليا في واشنطن يحذف منشورات منتقدة لترامب    وزارة الصحة تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    محكمة تونسية تقضي بالسجن أربع سنوات ونصف على صانعة محتوى بتهمة "التجاهر بالفاحشة"    بعد رفعه لدعوى قضائية.. القضاء يمنح ميندي معظم مستحقاته لدى مانشستر سيتي    أولمبيك مارسيليا يحدد سعر بيع أمين حارث في الميركاتو الشتوي    التّمويل والصّيانة تحديات تحاصر أجرأة مشاريع برنامج التنمية الحضرية لأكادير    إحصاء 2024 يكشف عن عدد السكان الحقيقي ويعكس الديناميكيات الديموغرافية في المملكة    مزور: المغرب منصة اقتصادية موثوقة وتنافسية ومبتكرة لألمانيا    إعطاء انطلاقة خدمات مركز جديد لتصفية الدم بالدار البيضاء    دراسة: أحماض أوميغا 3 و 6 تساهم في الوقاية من السرطان    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قرارات لا تربوية تجهز على مادة الفلسفة
نشر في لكم يوم 21 - 09 - 2011

سأل أحد طلبة شعبة علم الاجتماع الأستاذ عبد الصمد ديالمي قائلا: " هل هناك قراءة ماركسية للظاهرة الحمدوشية؟ ". فأجابه الأستاذ: " بل هناك قراءة حمدوشية للماركسية".
وسياق هذه الحكاية أن الحمدوشية ظاهرة تطبع قرارات قطاع التربية والتعليم،الأمر يتعلق بما يسمى ب" المنهجية الاستعجاليه" التي تسابق الزمن والمسافات، فالمذكرة رقم 60 ومعها "دليل تحضير وإجراء الدخول المدرسي 2008- 2009 " صفحة 12. تبشران بنظرية جديدة تحمل اسم " المواد المتقاربة.
وبموجب هذا الإبداع، أضحت مادة الفلسفة حقل معرفي غير محروس وقابل للإجهاز على خصوصيته من خارج التخصص. وبسبب هذا التسيب الاستعجالي فالحديث عن تعلمات التلميذ، تبقى دون الإدراك الحقيقي لأبعاد الدرس الفلسفي، من حيث مجاله الإشكالي وآلياته المنهجية وأفقه النقدي...لينصهر التلميذ في صور العبث من خارج التخصص يستقبل معلبات لا لون لها تقتل فيه عشق النص الفلسفي وحرقة أسئلته.
وهذا الإجهاز على الفلسفة بمعوال " المواد المتقاربة"أو"تآخي المواد" إنما يعكس حالة الاستنفار للقائمين على الحقل التعليمي ببلادنا، قصد تعبئة مواردهم المعرفية والمهارتية والسلوكية، لتحقيق كفاية القتل للدرس الفلسفي. أما وأن القتل صاحبه تشويه للجسد/ النص الفلسفي كلحظة سادية، فإن الأمر مجرد استعادة تاريخية للاشعور الجمعي المناوئ للفلسفة. ألم تحرق مخطوطات ابن رشد أمام أعينه؟!!
وإذا كنا نتحدث عن إرادة القتل للفلسفة فلقد تعددت الآليات، منها استحداث داخل الفضاء الجامعي شعب للرفع من منسوب الصراع الاديولوجي وتأثيث فضاءاته بنعوثات تغذي نظرية الحقد على الفلسفة ومحبيها ك :الزنادقة والملاحدة والعلمانيون...وهي تهم ساهمت بقدر كبير في الاعتداءات الجسدية المفضية أحيانا إلى الموت المادي، لكن إرادة المقاومة كانت تنتعش من سياقها العام سياق حاملي الفكر التنويري كالخطيبي والجابري وحسين مروة والطيب التزيني والعروي...وهذا الزخم كان يقابله إصرار الطالب الجديد على التسجيل في شعبة الفلسفة كاختيار نضالي. فالسياق التاريخي عموما كانت تتجاذبه لحظة سياسية أمنية تستهدف كرامة وحرية الإنسان. ولحظة التمرد على كل الأصفاد المكبلة للتفكير العاشق للترحال ونشدان العقلانية.
ما هي وضعية الفلسفة في سياق ما يعرف بمنظومة الإصلاح؟
عندما تبلغ الأزمة التعليمية مبلغا حادا، يتحول الواقع بسخرية مساراته متجاوزا سخرية الخيال. لقد لجأت النيابة الإقليمية لكل من تطوان والعرائش...،وهو إجراء ينقصه العمق الاستراتيجي في التفكير لكونه يحمل آليات الدمار لكل القيم الجمالية والأخلاقية والمعرفية والتربوية...التي يزخر بها الدرس الفلسفة، إلى إسناد تدريس مادة الفلسفة إلى التخصصات التالية:أصول الدين، الدراسات الاسلامية،اللغة العربية،القانون... ضدا على مصلحة التلميذ للرفع من منسوب الفقر الفكري، وهي عملية تساهم فيها الادارة بشكل مخجل يدعو إلى التساؤل حول القيم الاخلاقية والتربوية التي تقبع داخل هذا "المنطق"، منطق سد الخصاص من خلال تنصيب حراس يحرسون فقط التلاميذ.(فهل تشابه عليهم البقر؟!!!).
يبدو أن هذه المرارة التي تتسرب عارا داخل ثنايا المسؤولية الأخلاقية، يجب أن تدفع المجتمع المدني بكل مكوناته :النقابية وجمعية أباء وأولياء التلاميذ وجمعية مدرسي الفلسفة ...وكذلك الأطر التربوية ومفتشو الفلسفة ، للتصدي لما يشكل خطرا على أوضاعنا التعليمية لإيقاف هذا النزيف،خصوصا وأن المردودية يجب تقييمها من خلال النقاش الذي يثار خلال السنة الدراسية لمن ينتحل مهنة تدريس الفلسفة خارج التخصص مثل: هل كان كانط مسلما؟...
وبما أن القطاع التعليمي فضاء منتج للنخب و الفعاليات المجتمعية...نتصور على المدى القريب مدى قتامة المشهد الاجتماعي والسياسي التعليمي...خصوصا وأن الاجهاز على كل الأركان الفاعلة والحية في المجتمع وقيمه، مفعولاتها تتمظهر في كل المناحي وعبر كل المستويات من التفكير والفعل، وطبيعي أن يغذي هذا الاختلال في نظام الأشياء مفاهيم مثل الكفاءة، التأهيل، الحكامة الجيدة، التدبير العقلاني...للحصول على منسوب عال في درجة اليأس الاجتماعي .
إن إنتاج لوحة سريالية تحمل توقيع " المواد المتقاربة" أنتجت معها سكيزوفرينيا رهيبة، من مظاهرها أن بعض حاملي الشهادات العليا في موضوع " المضمضة" أو "شروط النكاح" أو " زواج القاصرات"...يتسلمون تعيينات، وهم في حالة ذهول، لتدريس الفلسفة. ومنهم من هو في سباق محموم لتدريسها، مهرولا نحو تغيير الإطار. ماذا حدث ألم يكن خصما للتفكير الفلسفي ومحبيه، ألم يعاد الفلسفة إيديولوجيا، ألم يستهدف روادها ومفكريها في إطار ردود متهافتة، ألم يستهدف قيمها الديمقراطية والحداثية؟!!! ثم فوق هذا وذاك، هل باتت الفلسفة هدفا لتخريب أسسها ومفاهيمها ؟؟!!
إن غياب العمق الاستراتيجي في التفكير يجعل تدبير الأزمة مرحليا دون تقدير مخاطر كبرى اجتماعيا. ولعل التوظيف الماكر للمفاهيم مثل سد الخصاص عبر آلية الترقيع... إنما يندرج في إطار بناء واقع تعليمي من قبل " حكام التدبير التربوي" محكوم بمنطق الخراب.
إن التراجع في مستوى حركة الإبداع للنص الفلسفي ، والإجهاز على مادة الفلسفة إنما هو نسق منظم لتدمير كل القيم التاريخية التي تشكل قوام الحداثة المأمولة كعقلانية ابن رشد. وإذا كانت نبوءة (جيل دولوز) الفيلسوف الفرنسي ترى أن أمريكا اللاتينية كمحتضن مستقبلي للفكر الفلسفي فلأن مقاومة جماعية تبلورت من أجل الديمقراطية والفكر التنويري، ساهمت في حماية الانبعاث والمسار الفلسفي.
إن الدفاع عن المكتسبات العقلانية يجب أن يقدح زند شرارتها النخب المعنية قبل أن تتحول إلى دينامية اجتماعية تأخذ شكلا منظما. فالجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة معنية بخلق آليات دفاعية لتحصين مجالها العقلاني. كان من الطبيعي أن يحتضن المغرب الفكر الفلسفي كدورة تاريخية تمد جسور التواصل بين الأمس واليوم، من زاوية النظر إلى الحركة الفلسفية التي شهدتها بلادنا على يد رواد وضعوا اللمسات الأولى لتأسيس مدارس للفكر الفلسفي . إلا أن حركة الهدم للحقول المعرفية والفلسفية والسياسية... تشتغل بإستراتيجية حمدوشية، وهي مقاربة تدمج معها - للأسف- حتى حراس الممانعة.
وبمثل ما افتتحنا به هذه المقالة سنختمها على إيقاع حكاية تأتي في سياق توالد مفاهيم كتعبيرات عن منظومة أزمة الإصلاح للحقل التعليمي، كسد الخصاص، الضم ، إعادة الانتشار، ترشيد الفائض...وفي هذا الباب، سأل أحد المدرسين عن المقصود بالإزاحة؟ فكان الجواب:" في بداية كل موسم دراسي يتم وضع تنظيم تربوي جديد يحافظ على أقدمية المدرس في التباري على الفرعيات حسب الأفضلية داخل الوحدة المدرسية، وتتم عملية الإزاحة كسلسلة قد تشمل مجموعة من المدرسين وفق مذكرة الإطار". ويبدو أن هذا التوضيح خلق تشويشا للسائل، مما دفعه إلى أن يستوضح من جديد قائلا: " وإذا كانت العملية تخص فقط مدرسين اثنين وليست سلسلة، ماذا نسمي ذلك ؟" أجابه أحد الظرفاء: " تلك العملية تسمى( تنقيزة )". ويبدو أن الجمع بين الحكايتين لاستنكاه دلالتهما، فإن أبعادهما ترمي إلى أن المقاربة السليمة لإصلاح منظومة التعليم ببلادنا، يجب تبدأ بممارسة تنقيزة كنقد وتجاوز للعقلية الحمدوشية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.