كلّ الدعوات بالرحمة والمغفرة والتعازي الافتراضية التي تُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي مباشرة بعد الإعلان عن خبر وفاة أحد الفنانين المغاربة تبقى التفاتة إنسانية جميلة، لكن للأسف لا يراها الراحلون بعد موتهم، ولا تُعرض عليهم كل تلك المنشورات التي كُتبت في ليلتهم الأولى كضيوف بقبورهم المتسعة برحمة الله كي يقرؤونها، سواء تلك التي يعرف جيدا من كتبها مسارهم الفني الحافل أو المنشورات الأخرى التي تُصنف فقط ك"ستاتوهات" موضة العزاء الافتراضي. ومن غرائب زمن "الرّقمنة" أن يتم تداول أسماء أولئك الفنانين من خلال آلاف المنشورات التي تُذكر بإنسانيتهم وابداعاتهم في وقت قياسي أقل من نصف ساعة ويمتلئ ال"فيسبوك" بصورهم مكتوب عليها عبارات تذكرُ مناقبهم، في حين وهُم أحياء بالكاد يتم تذكرهم إلا في بعض المناسبات الباهتة من حين إلى آخر، أو ذكرهم بسوء حينما يتعرضون لحادث أو مرورهم بضائقة مالية أو فضح حياتهم الخاصة من طرف بعض هواة الصيد في الماء العكر، حيث تبرزُ أسماؤهم من جديد على "الطوندونس" المغربي ويعاودون الظهور بشكل لا يليق بهم. المرحومة ثريا جبران كانت آخر الراحلين عنا، وموتها كان من بين أسباب كتابة هذه المقالة، وقبلها كتبت مئات المقالات و"بورتريهات" أخرى نادى أصحابها بالاهتمام بالفنان والافتخار به وهو حي يُبدع ونشر أعماله على "فايسبوك" و"أنستغرام"، والتعريف بها أكثر وتقاسمها مع الأجيال اللاحقة وتكريمه كلما سمحت الفرصة بذلك، حينها يكون وقع كل ما يكتب في حقه أكبر ويعيش تلك اللحظات التي يتقاسم فيها الجمهور حبهم له، قبل لزومه فراش الموت وتسابق بعض المواقع "الكهربائية" لأخذ تصريح باهت له يحمل في طياته الكثير من الشفقة وتسويق صورة لا تليق به. ليس "اعتراف ما بعد الموت" هو المطلوب منا لأن الفنان يحيا ويموت بإبداعاته، ودوره في التنوير والتثقيف والتربية لا يقل أهمية عن دور الفاعل السياسي والحكومي وغيرهم من الفاعلين في المجتمع.