غادرنا قبل أيام إلى دار الخلد والبقاء الفنان العزيز محمد بسطاوي تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جناته .. وقد خلفت وفاته المفاجئة حزنا كبيرا في قلوب سائر المغاربة الذين أحبوا محمد بسطاوي وتمتعوا لحد الشغف بمختلف الأدوار التي أداها مجسدا شخصيات متباينة تأرجحت بين التراجيدي والكوميدي وما بينهما، في المسرح والتلفزون كما في السينما .. وذلك منذ تألقه في بداية مشواره مع فرقة "مسرح الشمس" التي تحولت إلى "مسرح اليوم" مع ثريا جبران، حيث لمع محمد بسطاوي بالخصوص في مسرحية (بوغابة) في ثلاثة أدوار مختلفة كل الاختلاف ولكنه كان فيها قمة في الإقناع والإبداع .. وهنا اكتشفت محمد بسطاوي وأعجبت بأدائه لحد الانبهار - وهي حالة أعترف - أنها نادرا ما حصلت معي تجاه ممثل مغربي آخر، حيث لعب المرحوم دور فلاح عروبي (مكاري) ثم دور عامل ثوري (الحمري) فدور فلاحة عروبية (مكارية ) أيضا سميت ب"برنية" وهذا هو الدور الذي أبهرني حقا .. وبدون مبالغة لو حدث أن دخلت لمشاهدة مسرحية (بوغابة) هذه في منتصفها مثلا وكان المشهد الذي دخلت عليه يضم "برنية" هذه، وربي ما كنت أعتقد أن الذي يؤدي دورها رجل .. رحمك الله يا بسطاوي، فحقا شعرنا بسمو قيمتك الفنية وأنت حي .. ولكن موتك جعلنا نشعر بفداحة خسارة قيمتك الفنية والإنسانية على السواء والتي لا ولن تعوض. مسرحية (بوغابة) كتبها محمد قاوتي عن (السيد بونتيلا وتابعه) لبروتولد بريخت .. أخرجها عبد الواحد عوزري وقدمت لأول مرة في عرضين متتالين - أيام عز المسرح المغربي - الأول في المركب الثقافي المعاريف بالدارالبيضاء ، الذي تحول اسمه حاليا إلى "المركب الثقافي محمد زفزاف" يوم الإثنين: 6 مارس 1989 .. والثاني يوم: الأربعاء 8 مارس 1989 بمسرح محمد الخامس بالرباط .. وبعد ثلاثة أيام من العرض الثاني نشرت مقالة نقدية (*) عن هذه المسرحية بالصفحة الفنية لجريدة العلم حيث ركزت على أهم عنصر حمل العرض المسرحي على عاتقه وشدني للمسرحية ألا وهو "الثمثيل " إذ جازف عبد الواحد عوزري بإسناد أدوار مركبة ومختلفة لأكثر من ممثل واحد .. وتجسدت أهم مجازفة لديه في إسناد دور رجل لامرأة: (ثريا جبران/بوغابة ) !! ثم دور امرأة لرجل: (محمد بسطاوي/برنية) !!فكان الممثلان معا مقنعين لحد الإبهار كما أسلفت. عن دور بسطاوي بالذات كتبت وأنا لا أعرفه عن قرب ولم يسبق لي أن التقيته أو جالسته من قبل إلى أن اكتشفته رفقة السد بوغابة ..كتبت وبالحرف في ذلك المقال المنشور بجريدة "العلم" تحت عنوان: ( بوغابة الممثل) يوم الأحد: 12 مارس1989مايلي: ((محمد بسطاوي كان: فلاحا بدويا (مكاريا) ثم فلاحة (مكارية) فعامل ثوري (الحمري) وكان أداؤه لشخصية برنية الأكثر تأثيرا في مسار المسرحية .. تلك الفلاحة الساذجة التي عاشت طوال عمرها مع البقر إلى درجة أنها تتمنى الموت مع البقر والبعث في جنته ! بسطاوي باختصار ودون مراء كان مقنعا كامرأة لعب دورها رجل !! )) بعد سنة من العرض الأول للمسرحية، واعترافا مني بجودة ذلك الدور وقوة تلك الشخصية الافتراضية على الركح، نشرت قصة قصيرة في الملحق الثقافي لجريدة "البيان" تحت عنوان ((معزوفة غيث)) بتاريخ: 9 أبريل 1990 تروي حكاية أسرة بدوية تنتظر هطول المطر بعد مرحلة جفاف قاسية .. وفي نفس الوقت تسعى بكامل أفرادها - لا سيما النساء - إلى مساعدة بقرة حامل عسرت عملية وضعها لرضيعها حتى كادت تنفق .. لكن وبمجهود خرافي لؤلئك النسوة، لا سيما طامو التي امتزج على جسدها التراب بالعرق ببراز البقرة فقطرات الغيث الأولى التي انهمرت قربا طوفانية بمجرد ما انفجرت "سقية" البقرة وهي ترمي بجنينها على الأرض. وهكذا حل الخير دفعة واحدة .. ثم ديلت القصة بالعبارة التالية: "الإهداء: إلى كل فلاح ينتظر بلا يأس وإلى برنية " قرأ الراحل القصة وطبعا أعجب بها كما راقه الإهداء .. ومن ثم انطلقت علاقتنا الإنسانية والإبداعية بما سمحت به الظروف .. فوفاء مني لهده العلاقة الجميلة ولهذا الرجل الأجمل - وكذلك خدمة لأرملته الفنانة سعاد النجار وأولاده بصفة خاصة - ثم لمحبيه وعشاق فنه بصفة عامة، قررت إنجاز كتاب عن محمد بسطاوي يتضمن بالخصوص قراءات معمقة في إبداعه وشهادات وازنة في مسيرته الفنية والإنسانية ككل، سأطلب من زملائي النقاد والباحثين وكذلك من أصدقائه وزملائه الفنانين من ممثلين ومخرجين وتقنيين كتابتها .. كما إن هذه الدعوة مفتوحة في وجه كل من يجد في نفسه القدرة على النبش والكتابة في مسيرة الفنان المبدع محمد بسطاوي وليس بالضرورة أن يكون كاتبا أو ناقدا أو باحثا فنيا .. هذا مع علمي أن ثمة هيآت وأشخاص آخرين يسعون - مشكورين بدورهم - إلى إنجاز كتب عن الراحل ضمنهم الزميل والصديق حسن نرايس الذي لا يمكنني إلا أن أشد على يديه شاكرا مشجعا ومهنئا لنا جميعا، فمحمد بسطاوي يستحق أكثر من كتاب. وللإشارة - وأيا كانت الجهة التي ستنتج الكتاب الذي سأعمل على إنجازه ولو على نفقتي الخاصة - سيكون دخله المادي لعائلة بسطاوي الصغيرة .. أما مردوده المعنوي فسيكون لروحه الطاهرة ثم لسائر أفراد عائلته المغربية الكبيرة وضمنها ذووه ومقربوه بطبيعة الحال... هذه إذن دعوة لكل من لديه الرغبة والقدرة للمساهمة في هذا الكتاب سواء بمقالة تحليلية أو شهادة في حق الفنان الراحل محمد بسطاوي أو بخبر أو حادث طريف ومؤثر يتعلق به – شريطة الإثبات طبعا - أو على الأقل بصورة ناذرة أو متميزة لهذا الأخير، علما بأن الحقوق المعنوية محفوظة لكل مساهم بذكر اسمه وصفته إذا ما أراد ذلك .. وعليه ينبغي بعث مساهمته مشكورا لهذا العنوان: [email protected]