ثمة معان عديدة للديمقراطية وسبب هذا الاختلاف ، تعدد القناعات الفلسفية والإيديولوجية عند البعض ، واستعمال البوليميك السياسي والكذب عند البعض الآخر ، وبالرغم من انه في طوية نفسه لا مكان بتاتا للديمقراطية . "" في التعريف الكلاسيكي تعني الديمقراطية حكم الشعب بواسطة الشعب ، وفي التعريف الماركسي تعني الديمقراطية سيادة سلطة الطبقة السائدة(دكتاتورية الطبقة العاملة ) أو ( دكتاتورية العمال والفلاحين )،وفي العالم الإسلامي يبقى النسق المرجعي العام للممارسة الديمقراطية الإسلام، رغم ان هذا في مرجعيه الأساسيين القران والسنة النبوية الشريفة ، لم يذكر لنا شيئا عن نظم الحكم ، وترك هذا الأمر لأمور الدنيا،يباشره المسلمون وفقا لظروفهم . في التعريف المعاصر تعني الديمقراطية تمليك السلطة للشعب ومباشرته إياها من خلال مؤسسات التعبير والتقرير والرقابة والمحاسبة . إن ابرز هذه المؤسسات البرلمانات ،الأحزاب السياسية ، الصحافة وجمعيات المجتمع المدني الحقيقية وليس المفبركة قصد الحصول على المساعدات والهبات الخارجية ، وتسهيل مسطرة الحصول على التأشيرات من السفارات والقنصليات، ثم الحظوة برضا أمريكا ، فرنسا والغرب الأخلاقي العنصري . الم يصرح الرئيس الفرنسي ساركوزي انه لن يصافح كل من لم يعترف بإسرائيل وبحقها في الوجود؟. ونطرح عليه بدورنا سؤالأ هل تستطيع الآ تصافح حكام المملكة العربية السعودية وحكام الخليج الذين يتوفرون على أموال البترودولار، أم أن المقصود سورية الحلقة الأضعف في المعادلة الشرق أوسطية؟ إنها الأخلاق الفرنسية الحقيقية التي يتحلى بها السيد ساركوزي الذي أبان عن فشله التام في تدبير أمور الجمهورية ، وتخليه عن الوعود الكاذبة التي ربح بها الانتخابات. وهو مايعني ان ما يعرف بالديمقراطية الغربية أضحت بدورها مشكوكا في صحتها ، نظرا لاعتمادها على الأساليب غير الشريفة كالكذب ، البوليميك واستعمال المال كما جرى على نطاق واسع في الحملة الانتخابية للرئاسة الأمريكية ، وكما يجري به العمل في العديد من الدول الأروبية. ادن استعمال المال الحرام في التأثير في مجرى الأحداث ، أو في التأثير على الرأي العام ،أو لشراء الأصوات لم تبق ظاهرة عالم ثالثية فقط، بل أضحت ومنذ أمد بعيد تشترك فيها حتى الدول التي توصف كذبا " ديمقراطية ". وهو ما يطرح استفهاما حول المغزى من وجود الديمقراطية ، إذا كانت قواعد اللعبة الديمقراطية منتفية أصلا ، بل إن من يسمون بالديمقراطيين تطبع ممارساتهم الأساليب اللاديمقراطية مثل وجود العبيد والخدم والحشم ، وتركيز الثروة في يد أقلية قابضة ، وتفقير الأغلبية القاعدية التي تكون العامة. إن سبب هذا التعثر الذي ينتاب الممارسات الديمقراطية ، ربما أن الديمقراطية كظاهرة هي حديثة جدا في تاريخ البشرية الطويل ،إذ لم تكتمل بالشكل الذي نراه في الغرب إلا في النصف الثاني من القرن العشرين ، مع أن المسعى الديمقراطي بدا قبل 400 سنة . إن أهمية هذه الفكرة الأساس ، انه من العبث أن نستمد أصولا تاريخية لتصور ديمقراطي جاهز .أوروبا قامت بهذه التمثيلية ابتداء من القرن السادس عشر ، حين ابتعدت عن إيديولوجيات العصور الوسطى ، وانتسبت إلى ما أسموه الديمقراطية الأثينية ، فكان هذا النسق المرجعي الذي استند إليه المفكرون في دعوتهم من اجل الديمقراطية ، ونحن نعلم جميعا أن ديمقراطية أثينا كانت أوليغاركية في الواقع ، لان الذين كانوا يحكمون ويجتمعون في المجامع كانوا المواطنين الأحرار ، وتعريف المواطن الحر هو من يملك أرضا وعبيدا ، يضاف إلى ذلك أن ثقافة هؤلاء القوم كانت تحتقر العمل اليدوي . إن المواطن الاثيني الحر كان يقضي معظم وقته في تأمل أوضاع الكون ، وفي المناقشات الفلسفية التي خلفت لنا حوارات ممتازة تركها لنا أفلاطون ، والتي بانت مثلا في مدرسة المشائين . ولكن المعنى الآخر ، أن هذا المجتمع في حياته الإنتاجية ، كان يعتمد على مواطنين غير أحرار ، وبالتالي كان عددهم أكثر بكثير من المواطنين الأحرار ، وهو مايعني أن المجتمع الأثيني كان مجتمع عبودية مذلة ، وما كان يسمى بالديمقراطية الاثينية ، كانت في الأصل ممارسات استغلالية للعبيد الذين كانوا يقومون وحدهم بالإنتاج ، في حين يشتغل الأسياد بالفكر والأفكار.إن هذا يعني أن الديمقراطية الغربية التي تستند في عمومها إلى ديمقراطية اثينا ، إضافة إلى ما وصل إليه العقل الاروبي من أفكار تسببت في إحداث ثورات ، وتحالفات طبقية غيرت مجرى التاريخ والحكم ،لفائدة الطبقة أو التحالف الطبقي المصلحي ،تبقى ديمقراطية نخبوية وليست شعبية ، وان كانت صناديق الاقتراع هي العامل في الوصول إلى السلطة، لان الأساليب المستعملة ، والمواضيع المدرجة ، تفتقر إلى القيمة الإنسانية الخالصة ، المحددة لكل تصور ديمقراطي. إذا كان المدلول السياسي للديمقراطية ، يختلف من مؤسسة إلى أخرى ، ومن طبقة إلى أخرى كذلك ، أو من امة إلى أخرى، فان لها قواعد ومبادئ أساسية تمثل حدا أدنى لابد منها لإضفاء المصداقية على كل ممارسة ديمقراطية ، لأنه بدون توافر تلك القواعد أو المبادئ العامة يكون الحديث عن الديمقراطية إطناب واستهلاك داخلي وخارجي بهدف إنهاء أو إرجاء الهبات والانتفاضات ، وبهدف تبييض السمعة طمعا في الحصول على القروض والهبات والمساعدات ، وبهدف تجنب غضب أو انتقاد الغرب الااخلاقي الوصي على الديمقراطية والذي لايتوانى في استعمالها كسلاح لإحراج أنظمة الممانعة أو تلك التي تحرص على حقها في التمايز بفعل خصوصياتها الوطنية. 1 – إن أول مبادئ النظام الديمقراطي الحقيقي ، اعتبار الإنسان قيمة في ذاته ، مع احترام إنسانيته وإغنائها وتمكينها من الإبداع والخلق والمساهمة . إن هذا المعيار يعتبر أساسيا للحكم على صدقية المؤسسات أو فسادها . 2 – إن احترام حرية التعبير في إطار القوانين الوطنية ، وضمن إطار الموروث الإيديولوجي الذي يجسد الخصوصية الوطنية والمتميزة يبقى أساسيا وعمليا ،ذلك أن التنوع في نسيج المجتمع ، وممارسة حق الاختلاف بدون فرض رقابة أو وصاية قامعة ، يقودان إلى الإقرار بتعددية الآراء ، وبالتالي بتعددية التنظيمات الحزبية الحقيقية ، وليس تجار السياسة وممارسي نخاسة المبادئ والتهريج في سوق عكاظ. إن من يريد أن يحتكر لوحده الساحة رغم فشله المدوي على أكثر من صعيد، بغية الاستمرار في الحفاظ على مصالحه ، ضاربا عرض الحائط المصلحة العليا للوطن والمواطنين، ورفضه أي بديل قد يكون فيه خيرا للبلد وللمواطنين ..لا يمكن أن يكون ديمقراطيا ، بل شخص دكتاتوري يمارس الإرهاب الفكري سواء فطن لذلك أم لم يفطن. 3 – تصحيح ممارسات الحكم بجعله يمارس من طرف الأغلبية ولصالح الجميع مع التركيز على حق الأقلية في المعارضة ،مع حقها المشروع في التناوب إذا ربحت رهان صناديق الاقتراع وثقة المصوتين المقتنعين ببرامجها الانتخابية. كما يجب الرجوع إلى الشعب لاستشارته في جميع القضايا التي تهم المستقبل السياسي للدولة . فمثلا في المغرب وبالنظر إلى عقد البيعة الذي يربط المؤسسة الملكية بالشعب يتعين الرجوع إلى الأمة في جميع القضايا المصيرية التي تهم الملك ، الدولة والشعب مثل تعديل الدستور إذا كان الهدف منه التقليص من سلطات الملك لفائدة الأحزاب السياسية ، خاصة إذا كانت ضعيفة ولا تحظى بثقة الشعب الذي يكون قد لفظها في الاستحقاقات السياسية . إن مثل هذه القضايا الاستراتيجية يجب أن تعالج بواسطة الاستفتاءات الشعبية، وليس بمواثيق الشرف بين الدولة والأحزاب ،أو بالدعوة إلى إبرام تعاقد شعبي مع أحزاب ما يفرقها أكثر مما يجمعها. لقد قرأت في الجريدة الصباحية عدد:141 مقالة حول اعتزام حزبا الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية و معهما الحزب الاشتراكي الموحد ،التقدم بمذكرة إلى القصر قصد التعاقد حول المستقبل السياسي للدولة وتعديل الدستور. إن السؤال : من فوض لهذه الأحزاب التي لفظتها الجماهير في الانتخابات التشريعية الأخيرة ، أن تنوب عنها في التقدم إلى القصر بطلب إبرام هذا التعاقد وتعديل الدستور؟ إن الرضوخ لزعامات هذه الأحزاب بهدف خدمة مصالح زعمائها ، تنطوي على أخطار مستقبلية بالنسبة للدولة المغربية. إن السؤال الذي ينبغي طرحه في هذا الصدد : هل ستقبل مؤسسة الجيش التي تربطها علاقات خاصة تقليدية مع المؤسسة الملكية وبالضبط مع شخص الملك بان تراقب أعمالها أحزاب سياسية ضعيفة لا مصداقية لها من خلال اللجان البرلمانية ، واللجان الخاصة ، وهو ما يعني بداية انفراط العلاقة التاريخية بين الجيش وبين القصر ، كما يعني إمكانية التخندق إلى جانب بعض الأحزاب ، وهو ما يشكل خطرا على المستقبل السياسي للدولة ، وللنظام الملكي . إن الشيئ الذي يجب فهمه أن الجيش في المغرب ومعه وزارة الداخلية ومختلف القوات العمومية ورؤساء واعيان القبائل المغربية لن يقبلوا أبدا بملكية ضعيفة يحتفظ فيها الملك فقط بدور رمزي . كما أنهم لن يقبلوا أبدا بان تفرض عليهم وصاية أو رقابة الأحزاب الضعيفة التي تلهت وراء خدمة مصالح زعمائها. وكلنا يتذكر الظروف التي أنشأت الحركة الشعبية، كما يتذكر الأسباب الحقيقية التي أدت إلى الانقلاب العسكري في 1971 وانقلاب الطائرة في 1972 ومساهمة الجناح المسلح في حزب القوات الشعبية فيهما. كذلك الكل يتذكر الأسباب التي دفعت بالجنرال احمد الدليمي إلى التخطيط في بداية الثمانينات للاستيلاء على الحكم. 4 – ضمان حرية التعبير والنقد وحق المعارضة البنائة وليس الهدامة ،والرجوع إلى الاستفتاءات الدورية في القضايا المصيرية والهامة التي تهم الأمة والقضايا الاستراتيجية للدولة. إن الملكية ترتبط مع الشعب بعقد البيعة وليس مع الأحزاب . كما إن الملكية هي التي أنشأت الأحزاب وليس العكس . إن الملكية والشعب سابقان على الأحزاب التي تتقلب طبقا لما تمليه مصالح قياداتها وليس مصالح الشعب الذي يكذبون عليه في خطاباتهم .إن التحالف يجب أن يكون مع الشعب وليس مع ممارسي الوصاية السياسية الإجبارية على الآخرين والبيع والشراء في أرزاقهم. 5 – يجب ضمان التصحيح والارتقاء ، ذلك أن الكون قائم على التنوع والحركة والتغيير ، أي على جدلية التناقض المستمر . إن الجمود حالة منافية لطبيعة الكون المؤسس على هذه الجدلية ، وإذا كان الأمر كذلك فلا سبيل أن يتجمد المجتمع في حدود شروط معينة حتى ولو كان ذلك بقرار من الأغلبية ، ومن هنا تأتي ضرورة التصحيح والارتقاء . إنها فعلا مصالحة مع القانون الطبيعي يتماشى عليه الكون ،وهو قانون التناقض والتغيير . في هذا الإطار يجب مراجعة بعض الإجراءات في التعامل مع بعض الظواهر التي غزت العالم العربي منذ 11 شتنبر عن طريق إعادة القراءات وتصحيح المسارات وعقلنة الإجراءات ، وهو ما يعني إعادة طرح السؤال حول أسباب الأزمة بكل نزاهة وتجرد . 6 – يجب تطبيق دولة القانون وعدم الإفلات من العقاب . وطرح السؤال من أين لم هذا، فلا يعقل أن تخصص الدولة من ميزانيتها المليارات للإدارة العامة للأمن الوطني مثلا،دون أن تطالب بكشف الحساب في كيفية صرف تلك الأموال ، خاصة وان وضعية رجال الأمن لم تعرف جديدا بل في تدهور مستمر ، وعلى جميع الأصعدة . أجور ، تجهيزات ، تحفيزات ، وهو ما يتعين معه أن يطالب مدير الأمن الوطني بالسؤال : من أين لك بهذا؟ . إن إلقاء نظرة بسيطة على خريطة الوطن العربي من المحيط إلى الخليج تبين أن هذا الوطن يتوفر على أنظمة سياسية تحاول كل منها أن تظهر أمام الآخر بأنها حريصة على تطبيق الديمقراطية ، رغم أن كل نظام لا يأخذ من الديمقراطية فقط ما قد لا يزعجه أو يجعله محط مسائلة من قبل الغرب الوصي على الديمقراطية في العالم .هكذا سنجد أن المشهد في الوطن العربي قد اختلط وتشابك .فمن جهة قد تجد أصحاب الفكر الجبري ( الأمويون والمرجئة الجدد )، وقد تجد أصحاب مبدأ التفويض الإلهي ( بنو العباس الجدد )، وقد تجد من جهة أخرى الخوارج ، الأزارقة والقرامطة ودعاة التنوير الذين انفتحوا على الفكر الإنساني المختلف من هلليني ومشرقي إلى إسرائيلي ووثني إلى ..وهكذا نجد انه بعد أن داهمت الأزمة الاقتصادية والنمو الديمغرافي المهول والخطير وشح الأرض وعقم السماء ، والتحولات الاستراتيجية التي عرفها العالم ..الخ جميع الأنظمة السياسية ، فدفعتها هذه العوامل مجتمعة إلى تليين الخطاب والظهور بمن يتكيف مع الواقع المستجد على أكثر من صعيد، وبالاستجابة لمختلف التحولات المركزية والمحيطية عن طريق التلويح بما يسمى بالمشروعات العامة ، الوئام المدني ،المصالحة الوطنية مع الآخر ومع الذات ..نجد أن الأحزاب السياسية بعدما ناضلت وجاهدت وفشلت بان أعيتها السنوات العجاف ، وفشلت في حسم السلطة بالقوة ( الانقلابات الفوقية) أو بالثورة ( بلانكية أو شعبية )،أو حتى بأسلوب " ديمقراطي "مزيف بسبب تزييف وتزوير الإنتاخابات، وبالبيع والشراء في الذمم ... أصبحت تسلك سياسة التبرير ، وتتفنن في قلب الحقيقة ، وتمريغ الماضي بتلويك الشعارات بغرض استهلاك السياسة فقط من اجل الاستهلاك وليس من اجل الإصلاح أو البديل، ثم المساهمة في نشر التعتيم والتواطئ والعزف على وثر حب جلد الذات الذي ليس له من تبرير سوى الانغماس حتى الأذنين في مستنقع المازوشية السياسية ..هكذا سنجد أن الحالة قد تغيرت نحو المقلوب ، أي كلما كثر أحفاد الحجاج الجلاد ويزيد الفاسق والوليد السكير وأبو العباس السفاح والأمين الماجن..الخ كثر كذلك أحفاد المرجئة المنافقون الجدد ، وكثر أحفاد الخوارج والأزارقة والمعتزلة والشيعة بكل تياراتهم، فبقي الشيئ الضائع المواطن العربي البسيط المغلوب على أمره، والحلقة المفقودة الديمقراطية في حلتها الجديدة . ادن أين هؤلاء من أبي بكر بسابقته وعمر بعدله وعلي بفقهه ..لاشيئ . لقد تحول التاريخ العربي المعاصر إلى مكبوتات وعقد نفسية وأزمات فلسفية ،فساد العبث والامعقول على المعقول ، وانتشرت الزندقة السياسية وكثر عدد الزنادقة ونخاسو السياسة الذين باعوا الرث والسمين مقابل مزايا، مناصب وعمولات ، فبدأت تلوح في الأفق نتيجة هذا الوضع المأزوم، بوادر انهيار التاريخ السياسي العربي،حيث المسكنة والذل والهوان ، فأصبح الهم الرئيسي للأقلية المنتمية لما يسمى بالمشروع الحداثي التغريبي ،أو المنادين للدولة العصرية التي تجمع بين الأصالة وبين المعاصرة مع الاحتفاظ بالخصوصية الوطنية لكل دولة، أو الأكثرية المنتمية إلى المشروع الأصولي العربي .. هو ما السبب في ما آلت إليه الأوضاع العربية من ترد ونكوص ، حيث ما أن نخرج من هزيمة حتى ندخل في أخرى ، وكان تاريخنا كله غير الهزائم ، وان الله لم يخلقنا إلا للهزائم. ادن هل الإشكال يكمن في هويتنا ، في عقلنا ،في سلوكنا المتميز دائما بالغش والكذب ،في نظام تعليمنا ،في حكامنا أم في ديننا الذي يتعرض لحملة عنصرية ظالمة من دول الغرب المسيحي الصهيوني ؟. إنها نفس الأسئلة تطرح من الخليج إلى المحيط ، ونفس الإجابات كلها تركز على غياب الديمقراطية وعموم الظلم والطغيان إضافة إلى انتشار الفساد بكل تجالياته المختلفة. وشان الأحزاب السياسية التي كانت تتفرع أيام زمان ، إلى يمين، وسط ويسار ،تنقسم الأنظمة السياسية العربية إلى نوعين من الأنظمة تحكم لوحدها وفي غيبة المواطن العربي الذي لم يعد له ما يفقده سوى أغلاله ونفض الغبار عن أكتافه. يتكون النوع الأول من الأنظمة السياسية العربية ، من الأنظمة الرئاسية الجمهورية التي يوجد على رأسها حكام أصبحوا يتكلمون عن البيعة ، فتحولوا إلى ملوك يورثون الحكم لأبنائهم ، أو يفوتونه إلى أقربائهم أو زملائهم . هؤلاء يتربعون على راس الدولة مند ثلاث أو أربع فترات رئاسية ، وبواسطة انتخابات كانت عبارة عن مسرحيات هزلية ونكت تتداول في الغرب المسيحي ووسط الشارع العربي - لا أقول هنا الرأي العربي لأنه غير موجود أصلا -. هكذا فان من ابرز عيوب هذه الأنظمة التي حقيقتها دكتاتورية ، أن حكامها الذين ينتسبون إلى الجيش ، أضحوا خالدين في مناصب المسؤلية على راس الدولة إلى أن يلقوا حتفهم بموت طبيعي أو بتصفية جسدية أو بانقلاب عسكري ، ويكفي أن نعطي أمثلة عن هذه الأنظمة مثل مصر الحاكم بأمر الله حسني مبارك الذي يجهد في توريث الحكم إلى ابنه، سورية التي خلف فيها الابن أباه، العراق التي كان صدام حسين يهيئ احد أبنائه لخلافته ، ثم ليبيا ، اليمن ، السودان ، تونسوالجزائر التي تحضر لتعديل الدستور بما يمكن عبد العزيز بوتفليقة من ولاية ثالثة رغم إصابته بالمرض وتقدمه في السن. إن التعديل الدستوري الذي ستعرفه الجزائر سيقوي من اختصاصات رئيس الجمهورية على حساب السلطات الأخرى من برلمانية وقضائية. أي تقوية الدولة الجزائرية بما يسمح للرئيس من سرعة الحركة ، ويعطيه مجالات أكثر في إتخاذ القرارات لمواجهة الظروف الطارئة التي قد تحصل في آخر لحظة. ومما تجب الإشارة إليه أن الغرب يفضل التعامل مع هذه الأنظمة الدكتاتورية ، لأنها تنوب عنه في لجم أفواه حركات الرفض والممانعة ، التي تحمل برامج متصادمة مع الاختيارات التغريبية للدول الأروبية ولأمريكا، وان تجربة حماس الفلسطينية التي جاءت بواسطة الانتخابات ، قد جعلت هذا الغرب الأأخلاقي يغمض العين عن تجاوزات حقوق الإنسان في المنطقة العربية، لان الجماهير العربية بالنسبة ليه من الأفضل أن تعيش في ظل أنظمة دكتاتورية ، من أن تعيش في ظل أنظمة ديمقراطية ، فحسب الرؤية الغربية،إن العقلية العربية والديمقراطية شيئان متناقضان . يتكون النوع الثاني من الأنظمة العربية السياسية من الأنظمة الملكية ، وهذه بدورها تنقسم إلى قسمين رئيسيين: القسم الأول وتكونه الأنظمة السياسية الملكية العشائرية والأسرية التي تنتفي عندها كل شكل من أشكال الديمقراطية بشكل مطلق ،بل يسودها حكم مركزي مطلق يغلب عليه الطابع العشائري البحث .إن أساس العلاقة في هذه الأنظمة التي تجمع الحاكمين الفعليين والنخب الحاكمة صوريا ، ليس مبنيا على أسس موضوعية بقدر ما هي مبنية على الثقة العمياء والولاء الأعمى لأولي الأمر . للإشارة فان في هذا النوع من الملكيات تنعدم الديمقراطية بالكامل حيث لا وجود لبرلمانات أو مجالس تشريعية ، كما لاوجود لأحزاب سياسية أو نقابات أو جمعيات ما يسمى بالمجتمع المدني ، كما أن القوانين التي تطبق تكون غالبا غارقة في الرجعية وهي تطبق على المواطن العادي ، لكنها لا تطال علية القوم وأفراد الأسرة الحاكمة ، أو الأجانب من أمريكيين أو إنجليز القابضين الحقيقيين بزمام المبادرة في تلك البلدان . إن هذه الأنظمة طالما أنها تتوفر على بترول وغاز ودولار ، وطالما أنها تتخندق إلى جانب المشاريع الغربية ، فهي تبقى محبوبة ومفضلة ، ولايهم إن كانت تطبق الديمقراطية أو لاتطبقها . الأهم هنا بالنسبة للولايات المتحدةالأمريكية وبريطانيا ، الحفاظ على المصالح ليس إلا. أما النوع الثاني من الأنظمة الملكية ، فتتكون من تلك التي سمحت بتعددية سياسية في إطار القوانين الجارية ومشروعية السلطة المركزية ، وإذا كانت الساحة تعج بظواهر من ( اليمين ) إلى ( اليسار ) مع مجود تشكيلات إسلامية مختلفة ، فان المشهد لم يخلو في العديد من المرات من قيام الدولة بخلق أحزاب تابعة لها ، إما لمعاكسة أحزاب مناوئة، أو لتغطية ظرف زمني معين بغية اللعب على الوقت وليس كسبه. إن تلك الأحزاب الإدارية التي شكلت أغلبية برلمانية مصطنعة قد انتهى بها الأمر إلى درك كان متوقعا بمجرد نفاذ دورها ، ومن أمثلة تلك الأحزاب نذكر جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية، التجمع الوطني للأحرار ، الحزب الوطني الديمقراطي ، الاتحاد الدستوري ، الحزب الاشتراكي الديمقراطي ،جبهة القوى الديمقراطية،هذا دون أن ننسى مجموعة الثمانية التي خرجت وتمردت على المحجوبي أحرضان بتعليمات من إدريس البصري . وإذا كانت هذه الملكيات قد طبقت الديمقراطية في حدودها الأدنى بسبب تغليب الهاجس الأمني الضيق ، فان راديكالية الأحزاب والمنظمات السياسية الجذرية التي كانت تطرح مشكلة الحكم من منظار ثوري أو انقلابي ،والمحاولات الانقلابية العسكرية التي تعرضت لها تلك الأنظمة في السبعينات وبداية الثمانينات ، كان من الأسباب الرئيسية التي جعلت تلك الأنظمة تركز على الجانب الأمني أكثر في تعاملها مع مختلف الظواهر التي كانت تبدو غير عادية . إن هذا الصراع العقيم بين مختلف الأطراف المتصارعة قد أخر المغرب أربعين سنة ، لو استغلت في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لكانت وضعية المغرب أحسن مما هو عليه اليوم. منذ سنة 1959 وحتى سنة 1962 ، كان المغفور له الحسن الثاني رحمه الله يتوجه شخصيا وعلى قدميه من القصر الملكي بتواركة ، ليشارك طلبة المدرسة الإدارية احتفالات التخرج ونهاية السنة الدراسية ، وقبل المغادرة ودائما راجلا ، كان يقدم شيكا إلى الطلاب إضافة إلى هدايا للناجحين ، لكن الذي حصل في آخر سنة 1962 أن الملك عندما ولج رحاب المدرسة لمشاركة الطلاب احتفالاتهم ومشاركته أفراحهم، استقبله الطلبة بشعارات مستفزة : ( الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ) ( فلسطين عربية تسقط تسقط الرجعية ) وعندما أراد الملك الرجوع ، وبعد أن قدم للطلبة الشيك ، رفضوا قبوله ، وطلبوا منه أن يسلمه إلى الفلسطينيين لدعمهم في مواجهة إسرائيل . لقد خرج الملك غاضبا ، ومن يومها بدأت ترسم بوادر الأزمة التي عمرت أكثر من أربعين سنة. لقد عرفت الستينات و بالضبط سنة 1963أحداثا خطيرة كانت تستهدف في العمق حياة الملك واستقرار المملكة، تلاها مظاهرات 1965بالدارالبيضاء وبالعديد من المدن المغربية، الإضرابات في الكليات والمدارس العليا وبالمدارس الثانوية ، ظهور الجبهة الماركسية اللينينية المغربية ممثلة في منظمة إلى الأمام ومنظمة 23 مارس ، حركة لنخدم الشعب ، الانقلاب العسكري في سنة 1971 وانقلاب الطائرة في سنة1972 ، حركة 3 مارس 1973 ،لابد هنا ان نذكر بواقعة حصلت عندما سأل الكلونيل العربي الشلواطي الذي كان عاملا على مدينةوجدة الجنرال محمد افقير الذي كان وزيرا للداخلية قائلا له : " واش ما يمكنش انديرو انقلاب في هاذ لبلاد بالمخزن موبيل ؟.. إن السؤال الذي يتعين طرحه في خضم هذا الصراع : ماذا كان سيفعل كل حاكم أو شخص يتعرض للمؤامرات ولمختلف الأخطار التي كانت تطالب براس النظام ؟ ادن من كان السبب في تركيز المغرب أكثر على الجانب الأمني ؟. ثم الم يكن النظام يمارس حقه في الدفاع الشرعي عن النفس ؟ ما هو المصير الذي كان سيكون عليه المغرب ، فيما لو نجح الإنقلابيون ( الجنرال المدبوح ، الكلونيل عبابو ، الشلواطي ، بوكرين ، حبيبي ..) من إقامة جمهورية عسكرية دكتاتورية ؟. ماذا لو نجحت حركة 3 مارس في إقامة جمهورية على الطريقة العربية والبعثية ؟ كيف كان سيكون مصير الشعب المغربي والعائلة الملكية ؟ اعتقد أن الجواب لايحتاج إلى إرهاق العقل أو إلى تفكير كثير . كانت وضعية المغرب ستكون كارثية وبامتياز . هكذا ادن يتبين أن القاسم المشترك بين جل الأنظمة العربية هو تغييب الديمقراطية ، وان كانت أسباب ذلك تختلف من نظام إلى آخر، وان كان المظهر الغالب عند جميع الأنظمة هو الحيطة والحذر ، والتدرج رويدا رويدا نحو الانفتاح نحو الآخر الذي لا يزال يحمل عقلا انقلابيا أو بلانكيا أو يفكر في نظام العمامة . أي تقطير الشمع وإتباع سياسة الجرعات ، طالما أن الأوضاع والظرفية تقتضي ذلك .