تعود إلى المكتبات العربية مجموعة من مؤلّفات الأكاديمية المغربية المصرية عصمت دندش، في طبعات جديدة صادرة عن منشورات دار الأمان - الرّباط، بعدما نفدت من السوق. ويتعلّق الأمر ب"دور المرابطين في نشر الإسلام في غرب إفريقيا 1038م - 1121م"، ودراسة وتحقيق عصمت دندش لمؤلّف أبي العباس بن العريف "مفتاح السّعادة وتحقيق طريق الإرادة"، و"الأندلس في نهاية المرابطين ومستهلّ الموحِّدين، عصر الطّوائف الثّاني 1116م 1151م - تاريخ سياسي وحضارة". "الأندلس في نهاية المرابطين ومستهلّ الموحّدين" في مقدّمة طبعة "الأندلس في نهاية المرابطين ومستهلّ الموحِّدين" الثّانيّة تكتب عصمت دندش، أستاذة التاريخ والحضارة الإسلامية، أنّ الأندلس كانت وما زالت "حقلا خصبا للتّأريخ الحضاريّ والإنسانيّ الذي استمرّ ثمانية قرون من التّعايش والانصهار العرقيّ بالتّزاوج"، وامتزجت فيه الدّماء العربيّة والأمازيغية والإيبريّة، "فكان الكلّ أندلسيّا". وتضيف الأكاديميّة، في مقدّمة الطّبعة الجديدة، "مرّت الأندلس بفترات وحدة وازدهار وانتكاسات وتفكّك لأسباب عديدة أدّت إلى النّهاية المحتومة لِما ساد العالَم في ذلك الوقت من تعصّب ديني". ثم تزيد أنها اعتبرت الفترة التي تناولها مؤلَّفها "عصر الطّوائف الثّاني الذي عاشَته الأندلس" الذي "كان يُنذر بتوالي دُوَيلات وتقسيمات في الأمّة الإسلامية أدّى إلى تشتيتها واستباحة أراضيها بالاستقواء بالآخر إلى يومنا هذا". وتوضيحا لمقصد عدم تضمين كتابها مجموعة من المستجدّات بعد ظهور مخطوطات لم تكن متوفّرة في زمن كتابته، تقول عصمت دندش: "لا شكّ أنّه بعد مرور أكثر من ثلاثين عاما على طبع الكتاب تظهر أبحاث جديدة، وتتغيّر القراءات، وتتّسع دائرة المعارف، وهذا ما استدركتُه في الدّراسة الموسّعة التي صدّرت بها تحقيق كتاب سراج المريدين للقاضي أبي بكر بن العربي"، وفيها "نجد الكثير من الأحداث التي كانت تبدو غامضة ومحيِّرة للباحثين". وفي أبواب أربعة، يتناول هذا الكتاب الحياة السياسية للأندلس في الفترة المتراوحة بين 520 و546 للهجرة، باحثا في أسباب ضعف المرابطين وما قيل في ذلك من آراء، وكيفية تحوّل حركة المريدين إلى ثورة مسلّحة، وحال الموحّدين الأوائل في الأندلس، ونظام الحكم في الأندلس. كما يتطرّق إلى الحياة الاقتصادية بالأندلس، وكذا الحياة الاجتماعية بها، والحياة الثقافية بالتّعرّض لتيّارات الفكر، الفقهية والكلامية والصوفية، ومراكز الثقافة ومعاهد العلم، وأساتذته، ومناهج تدريسه، والعلوم الدينية ونشاط علم الكلام، والعلوم العقلية، والآداب بالأندلس. "مفتاح السعادة" في مقدّمة الطّبعة الجديدة لدراستها وتحقيقها لكتاب "مفتاح السّعادة وتحقيق طريق الإرادة" لأبي العبّاس بن العريف، الذي جمعه أبو بكر عتيق بن مؤمن، تكتب الأكاديميّة عصمت دندش أنّ هذه الرّسائل التي وجّهها ابن العريف إلى مريديه وأصحابه من المتصوِّفَة "مِن الوثائق المهمّة التي تُعنى بفترة من أصعب الفترات التي مرّت فيها دولة المرابطين، والتي تشبه إلى حدّ بعيد ما يدور في عالمنا الإسلاميّ اليوم". ومع أنّ هذا الكتاب "في السّلوك والوصول إلى طريق الإرادة"، فهو يضمّ في ثناياه، وَفق محقّقته، "ما أصاب الأندلس من مخاطر أدّت إلى إضعافه وتفكّك وحدته". وتزيد عصمت دندش: "ارتأيت عدم إضافة ما توصّلت إليه من معلومات جديدة حتى لا أشوِّش على قارئ مفتاح السّعادة". كما تنبّه إلى تحقيقها ودراستها الحديثة لكتاب القاضي أبي بكر بن العربي "سراج المريدين"، الذي تبيّن من خلاله "مدى العلاقة التي كانت تربط القاضي أبي بكر بن العربي بجماعة المتصوّفة المعتدلة من المريدين، وصداقته لابن برجان وابن العربي"، وهو ما يعكس "ما كان يربط هؤلاء العلماء من الاحترام والعِلم". وتذكر الأكاديمية في دراستها لكتاب "مفتاح السّعادة وتحقيق طريق الإرادة" أنّ "دراسة رسائل ابن العريف مفيدة لكلّ من يريد أن يتعلّم ويقِف مباشرة على ما كان يدور بين هؤلاء المتصوّفة من أسئلة، ويتبيّن الطّريقة التي يحاولون الوصول بها إلى طريق الإرادة، والتّقرّب إلى المولى عزّ وجلّ، والصّعوبات التي يلاقونها، والأزمات والصّراعات النّفسيّة التي يمرّون بها قبل الوصول إلى بُغيتهم والظّفر بالمُشاهدات الوجدانيّة". وتكتب عصمت دندش أنّ أهمية هذه الرّسائل تظهر، أيضا، في "معرفة آداب الشيخ مع مريديه، وكيفية تعامله معهم، وطريقة إرشادهم للطّريق، والموضوعات التي كانت محلّ بحث، ومثار مناقشة وحوار بين المريدين، وبينهم وبين شيخِهم، أو العكس"، إضافة إلى ما تُبيِّنه مِن "علاقة هؤلاء المتصوّفة بأقرانهم". "دور المرابطين في نشر الإسلام في غرب إفريقيا" في مقدّمة الطّبعة الثانية لأولَى ثمرات إنجازاتها العلمية "دور المرابطين في نشر الإسلام في غرب إفريقيا 1038 – 1121 م"، تتذكّر عصمت دندش الاهتمام الكبير الذي حظي به هذا الكتاب عند نشره "نظرا لمجال الدّراسة التي كانت في ذلك الوقت تعدّ من الصّعوبة بما كان، لقلّة المادّة العلميّة، وصعوبة الحصول عليها، سواء بالتّردّد على المكتبات، أو التّنقّل، أو الاتّصال بالجامعات الإفريقية التي كانت حديثة عهد في ذلك الوقت، وقلّة، بل وندرة، الدّراسات التي كانت تُنشَر عن هذا الموضوع". وفي خمسة فصول، تدرس الأكاديميّة عصمت دندش قبائل الملثّمين التي قامت على أكتافها دولة المرابطين، شارحة كيف وصل الإسلام إليها، مع دراسة قبائل غرب إفريقيا، والأوضاع الاقتصادية والسياسية في المنطقة قبل ظهور المرابطين. كما يتطرّق الكتاب إلى صاحب دعوة المرابطين عبد الله بن ياسين، وظروف إنشاء الرّباط، وجهود ابن ياسين في نشر الإسلام بالسودان والمغرب. كما يتناول جهود الأمير أبي بكر بن عمر السياسية والعسكريّة في أوّل الدّعوة، ثم جهود يوسف بن تاشفين بعده، وفترة حكم الأمير علي بن يوسف، وانشغاله بجبهة الأندلس وظهور الموحِّدين عن استمرار التّقدّم في بلاد السّودان. ويتطرّق هذا المنشور، أيضا، إلى جهود المرابطين في نشر الثّقافة العربيّة والإسلامية، وجهود الدّعاة والتّجّار من المرابطين في السودان الغربيّ. وقد خصّصت الأكاديمية دندش ملحق هذا الكتاب لنشر وتحقيق رسائل القاضي أبي بكر المعافري الأندلسي. ومن بين نتائج هذه الدّراسة "إبراز دور المرابِطين الذي لا ينكَر في نشر الثقافة العربية الإسلاميّة في السّودان الغربيّ، فضلا عن نقل المؤثّرات الأندلسيّة والمغربيّة إلى منطقة غرب إفريقيا"، فكان أهل السّودان "يكتبون على طريقة المغاربة في الخطّ وإعجام الحروف وترتيبها، فكانت مدارسهم تكاد تكون مغربيّة صرفة، تدرس فيها نفس المناهج والكتب التي تُعنى بالمذهب المالكيّ على الخصوص، وظهر تأثّرهم بتعاليم ابن ياسين في التّشدّد في أداء فروض الشّريعة، وفي تربية أطفالهم". وتضبط الأكاديميّة مصطلح "المغرب"، قائلة إنّها تقصد به "المغرب بمفهومه الواسع القديم الذي يشمل الشّمال الإفريقيّ"، لأنّه "(...) كان لكلّ جزء منه دوره الفعّال في الجهاد، ونشر الإسلام، والمحافظَة على العقيدة، والمذهب، واللّغة". وفي خاتمة عملها، تنبّه الأكاديميّة عصمت دندش إلى ما طال المخطوطات الموجودة في بلاد السّودان من "محاولات الإقلال من الشّأن أو الإخفاء" حتى يفرض "نوع من الغموض على تواصل المغرب بجذوره، ودوره الفعّال في نشر الثّقافة العربيّة الإسلاميّة"، مع محاولة "إبراز فترات القطيعة والتّركيز على بعض التّجاوزات العسكريّة".