رئيس كولومبيا يتخبط أمام ترامب    حريق جزئي في بناية 'دار النيابة' التاريخية بطنجة بسبب تماس كهربائي    انفجار نفق بسد المختار السوسي بضواحي تارودانت.. بعد مرور أكثر من 12 ساعة من الحادث لا زال 5 عمال مفقودين    نشرة إنذارية: هبات رياح محليا قوية من 70 إلى 95 كلم/س بعدد من أقاليم الشمال    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    تأني الفتح يغلب استعجال الرجاء    نادي الشارقة الإماراتي يعلن تعاقده مع اللاعب المغربي عادل تاعرابت    السنغال تبدأ تنفيذ مشروع أنبوب الغاز الرابط بين المغرب ونيجيريا    العيون تُعلن عاصمة للمجتمع المدني المغربي لسنة 2025    الكاف: أكثر من 90 بلدا سيتابعون قرعة كأس أمم إفريقيا بالمغرب    جريمة تهز وزان: مقتل سيدة وإصابة شقيقتها في اعتداء دموي بالسلاح الأبيض    الشرقاوي حبوب: تفكيك خلية إرهابية بمنطقة حد السوالم يندرج في إطار الجهود المبذولة للتصدي للخطر الإرهابي    الدورة 35 لماراطون مراكش الدولي: العداء الكيني ألفونس كيغين كيبووت والإثيوبية تيرفي تسيغاي يفوزان باللقب    المغرب يحقق سابقة تاريخية في كأس إفريقيا.. معسكرات تدريبية فاخرة لكل منتخب مشارك    وزارة التربية الوطنية تكشف خلاصات لقاءات العمل المشترك مع النقابات التعليمية    إحباط تهريب 200 كيلوغرام من الحشيش بميناء سبتة المحتلة    الملك محمد السادس يهنئ الحاكمة العامة لكومنولث أستراليا بمناسبة العيد الوطني لبلادها    تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية ومرفوضة فلسطينيا وعربيا.. ترامب يقترح ترحيل الفلسطينيين من غزة إلى الدول العربية المجاورة    تراجع للدرهم أمام الأورو.. و4% نمو سنوي في الاحتياطيات    هذه خطة المغرب لتعزيز شراكته الاقتصادية مع الصين وتقليص العجز التجاري    المفوضية الأوروبية: الاتفاقيات الجوية بين المغرب والاتحاد الأوروبي لا تشمل الصحراء    تقرير: المغرب يواجه عام 2025 بتطلعات متفائلة مدعومة بالتعاون الاقتصادي مع الخليج وأوروبا    الشرقاوي: تفكيك الخلية الإرهابية بحد السوالم يندرج في إطار التصدي للخطر الإرهابي    غرق بحار ونجاة أربعة آخرين بعد انقلاب قارب صيد بساحل العرائش    وزارة الصحة تعلن عن الإجراءات الصحية الجديدة لأداء مناسك العمرة    15 قتيلا بنيران إسرائيل بجنوب لبنان    "كاف": الركراكي مطالب بالتتويج    ريدوان وحاتم عمور وجيمس طاقم تنشيط حفل قرعة كأس أمم إفريقيا    بعد نجاحه مع نشيد ريال مدريد.. ريدوان يستعد لإطلاق أغنية خاصة ب"أسود الأطلس"    تفكيك "شبكة حريڭ" باستخدام عقود عمل مزورة    كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم: الكشف عن الشعار الرسمي للبطولة    تفشي مرض الحصبة في المغرب.. الوضع يتفاقم والسلطات تتحرك لمواجهة اتساع رقعة انتشاره    وزارة التجهيز والماء تطلق ورشات تشاورية لتثمين الملك العمومي البحري    تدشين وإطلاق عدة مشاريع للتنمية الفلاحية والقروية بإقليم شفشاون    الطماطم المغربية تغزو الأسواق الأوروبية أمام تراجع إسبانيا وهولندا    جمعوية: الكلاب المتخلى عنها الأخطر على المواطنين مقارنة بالضالة    أساتذة "الزنزانة 10" يحتجون بالرباط‬    المغرب حاضر بقوة في المعرض الدولي للسياحة في مدريد    رحلة مؤثر بريطاني شهير اكتشف سحر المغرب وأعلن إسلامه    شبكة صحية تنتقد الفشل في التصدي ل"بوحمرون" وتدعو لإعلان حالة طوارئ صحية    المحكمة الكورية ترفض طلب تمديد اعتقال الرئيس المعزول    الجزائر تتجه نحو "القطيعة" مع الفرنسية.. مشروع قانون لإلغائها من الجريدة الرسمية    الصين: ارتفاع الإيرادات المالية بنسبة 1,3 بالمائة في 2024    أخنوش أصبح يتحرك في المجالات الملكية مستبقا انتخابات 2026.. (صور)    معرض القاهرة الدولي للكتاب .. حضور وازن للشاعر والإعلامي المغربي سعيد كوبريت في أمسية شعرية دولية    لقاء ينبش في ذاكرة ابن الموقت    الولايات المتحدة.. طائرات عسكرية لنقل المهاجرين المرحلين    الخارجية الأمريكية تقرر حظر رفع علم المثليين في السفارات والمباني الحكومية    القنصلية العامة للمملكة بمدريد تحتفل برأس السنة الامازيغية    هوية بصرية جديدة و برنامج ثقافي و فني لشهر فبراير 2025    وزارة الصحة تعلن عن الإجراءات الصحية الجديدة لأداء مناسك العمرة    من العروي إلى مصر :كتاب "العناد" في معرض القاهرة الدولي    فعاليات فنية وثقافية في بني عمارت تحتفل بمناسبة السنة الأمازيغية 2975    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسارات تحقيقِ المواطنةِ الحاضنةِ للتنوُّعِ
نشر في هسبريس يوم 17 - 08 - 2020

هل يمكن تكييفُ العدالةِ الانتقاليةِ لقيامِ مصالحاتٍ تاريخيةٍ، لإنهاءِ الصراعاتِ التي عانَى منها بعضُ المجتمعاتِ العربيةِ على أساسِ الهُويةِ بُغيةَ تحقيقِ المواطنةِ الحاضنةِ للتَّنوعِ؟
ساهمت بداية الأسبوع الجاري بمعية خمسين من الكفاءات الاكاديمية والسياسية والحقوقية والاقتصادية في مؤتمر "المواطنة الحاضنة للتنوع في المجال العربي: الإشكالية والحل"، الذي نظمه منتدى الفكر العربي عبر الاتصال المرئي على مدى ثلاثة أيام.
وقد كان عنوان مداخلتي التي شكل مضمونها إحدى أهم توصيات ما أصبح يعرف ب"إعلان عمان" هو المصالحةُ/ المصالحاتُ التاريخيةُ مبتدأُ تحقيقِ المواطنةِ الحاضنةِ للتنوُّعِ. أو هل يمكن تكييفُ العدالةِ الانتقاليةِ لقيامِ مصالحاتٍ تاريخيةٍ لإنهاءِ الصراعاتِ التي عانَى منها بعضُ المجتمعاتِ العربيةِ على أساسِ الهُويةِ بُغيةَ تحقيقِ المواطنةِ الحاضنةِ للتَّنوعِ؟
ومما جاء في مداخلتي ما يلي:
غني عن القول أن أيةَ رغبةٍ لَبلورةِ رؤيةٍ واضحةٍ لمستقبلِ المشرقِ العربيِّ قائمٌ على أُسُسِ ومبادئِ المواطنةِ الحاضنةِ للتنوّعِ، والكرامةِ الإنسانيةِ وأخلاقياتِ التضامنِ الإنسانيِّ، وحفظِ حقوقِ المجموعاتِ الثقافيةِ والمكوّناتِ المجتمعيةِ على مختلفِ المستوياتِ، وتعزيزِ الحوارِ بينها والمشتركاتِ الحضاريةِ، والبحثِ عنْ إثراءِ نقاطِ التلاقِي والالتقاءِ خدمةً لاستشرافِ الحُلولِ للتحدّياتِ، يستوجبُ، وبالضرورةِ، التفكيرَ العميقَ لإبداعِ خطةٍ / منهجيةٍ سياسيةٍ حقوقيةٍ ترسمُ الطريقَ الدائمَ والمستديمَ لإنهاءِ الصراعاتِ التي عانتْ، وما زالت تُعانِي منها كثيرٌ من مجتمعاتِ المشرقِ العربيِّ على أساسِ الهويةِ، وهي صراعاتٌ – كما جاء في الورقةِ التقديميةِ - أنتجتْ مظاهرَ متعددةَ الأَشكالِ من العنفِ والتطرفِ، مما يُهددُ المستقبلَ بِمزيدٍ من التفَتتِ والانقسَاماتِ. ويُشتِّتُ الطاقاتِ الضروريةَ لبناءِ هذا المستقبلِ بأيدي أبناءِ الأمةِ ومقدراتها.
إنّ الوصولَ إلى تحقيقِ هُويةٍ وطنيةٍ جامعةٍ تُمثِّلُ الانتماءَ الحقيقيَّ للمجموعِ الوطنيِ، الذي يَكفُلُ الحقوقَ المدنيةَ السياسيةَ والاجتماعيةَ والثقافيةَ والاقتصاديةَ، ويعترفُ بجميعِ المواطنينَ ضمنَ مُكوّناتهِ، تترتبُ عليهم واجباتٌ ومسؤولياتٌ تُجاهَ الصالحِ العامِّ، وتكونُ مُواطَنَتُهُم بموجبِ التشريعاتِ مكفولةَ الحقوقِ. هو سيرورةٌ طويلةٌ وصَعبةٌ وعّقدةٌ، لكنَّهَا غيرُ مستحيلةٍ، بل هي بالعكسِ، سهلةٌ، خاصةً عندما نتسلحُ بالذَّكاءِ الجمَاعِيِّ وبرغبةِ جُلِّ الأطْرافِ، خاصةً المؤثرةَ منها والتي لاَ يَسكُنها الوهمُ، ونُوفِّرُ منهجيةً حقوقيةً – سياسيةً أي رزنامة من التدابيرِ السياسيةِ والحقوقيةِ والاجتماعيةِ لتحقيقِ الاِنتقالِ إلى عالَمٍ يتسعُ للجميعِ.
لذا فإن الإِسْهامَ في بَلْوَرَةِ رؤيةٍ واضحةٍ لمستقبلِ المَشرقِ العربيِّ بالخصوصِ، يَقومُ على المواطنةِ الحاضنةِ للتنوّعِ، وعلى أساسٍ من الكرامةِ الإنسانيةِ، وأخلاقياتِ التضامنِ الإنسانيِّ، وحِفظِ حُقوقِ المجموعاتِ الثقافيةِ وسائرِ أشكالِ التنوّعِ، وتعزيزِ الحوارِ بينها بتعزيزِ الحُرياتِ والتركيزِ على المُشتركاتِ الحضاريةِ، يتطلبُ إقناعُ الفاعلينَ السياسيينَ والحقوقيينَ والنقابيينَ والأكاديميينَ في دُولِ المنطقةِ المؤهَّلةِ، لِيَخْتارُوا في ما بينهم صِيغَ مَنهجيةِ الانتقالِ، وهي متعددةٌ، لكنْ وفي اعتقادنَا أنَّ أَجْودَ منهجيةٍ أَبْدَعَتْهَا الإنسانيةَ إلى اليومِ في مجالِ المصالحاتِ هيَ مَنهجيةُ العدالةِ الانتقاليةِ. التِّي خاضَتْهَا أكثرُ منْ دولةٍ في شمالِ إفريقيا، ونجحتْ فيهَا، ولاَ سِيمَا بلدي وبلدُكُم الثاني المغرب والتي ينتظرها عملٌ طويلٌ خاصةً وأنَّ العدالةَ الانتقاليةَ هي صيرورةٌ طويلةٌ. ذلك أنَّهُ مِنَ المستحيلِ – خاصةً في المشرقِ- المرورُ إلى دولةِ الحقِّ، دُونَ الاِحتكامِ – وبالضرورةِ بحثاً عن الاستدامةِ وعدمِ تَكْرَاِر الِانْتِهاكاتِ والعودةِ إلى نقطةِ الصِّفرِ - إلى العدالةِ الانتقاليةِ التي هي مَسارٌ مُتكاملٌ مِنَ الآلياتِ والوَسائلِ، المعتمَدَةِ لِفهمِ ومُعالجةِ مَاضِي انتهاكاتِ حُقوقِ الإنسانِ، بِكشفِ حَقيقتِهَا وَمُحاسبةِ المسؤولينَ عنها وجَبْرِ ضَرَرِ الضَّحايَا وردِّ الاِعْتِبَارِ لهم، بما يُحقّقُ المصالحةَ الوطنيةَ ويحفظَ الذاكرةَ الجماعيةَ ويوثقَهَا ويرسي ضَماناتِ عدم ِالتَّكرارِ والانتقالِ من حالةِ الاستبدادِ إلى نظامٍ ديمقراطيٍّ يُساهمُ في تكريسِ المواطنةِ الحاضنةِ للتنوعِ ويعملَ على تعميمِ منظومةِ حقوقِ الإِنْسانِ وثقافتهَا.
وبما أن الصراعاتِ التي عانتْ منها بعضُ المجتمعاتِ العربيةِ على أساسِ الهويةِ في المشرقِ بالخصوصِ تَجاوزتِ الحدودَ الوطنيةَ، وأصبحتْ تَكْتَسِي طابعَ ملفاتٍ عالقةٍ بين أكثر من دولةٍ وأَنتجتْ بدورها انتهاكاتٍ جسيمةً لحقوقِ الإنسانِ، وأوقفتْ مسارَ تقدمِ دول المنطقةِ إلى مصافِّ الدولِ المواطنةِ الحاضنةِ للتنوعِ، فإن الأمرَ سيُحِيلُنَا هنا مباشرةً إلى الاجتهادِ الذي قمنا به في مركزِ الذاكرةِ المشتركةِ من أجلِ الديمقراطيةِ و السِّلمِ، والمُعَنْوَنِ بميثاقُ المركزِ: العدالةُ الانتقاليةُ بينَ الدولِ – مقاربةٌ منهَجيةٌ.
وبناءً على المحورِ الذي حَددتُم تَنَاُوَلَهُ من قَبْلِنَا، سأُفصِّلُ الكلامَ في ما سبق قولُهُ في هذه الورقة، وسأقدمُ الخطوطَ العريضةَ لميثاقِ المركز: العدالةُ الانتقاليةُ بين الدولُ – مقاربةٌ منهجيةٌ قصدَ مُناقشتِه، والتفكيرِ في ما إذا كان صالحاً لمعالجةِ القضايا الحقوقيةِ الخاصةِ بمواطنينَ ينتمونَ إلى نفسِ المجموعةِ العِرْقيةِ والثقافيةِ واللغويةِ والعاداتِ والتقاليدِ وهم مُوَزَّعُونَ على أكثر من دولة.
وبما أن الممارسة السياسية فعل تراكمي تستحضر كل الأفكار الإيجابية التي بنيت من خلال اعتماد الذكاء الجماعي، فمن الضروري جدا استحضار هنا تجربتنا في المغرب الأمازيغي – العربي، وهي التجربة التي كثفها خطاب جلالة الملك محمدنا السادس في خطاب اجدير التاريخي خطاب أجدير التاريخي الذي ألقاه جلالته بتاريخ 17 بتاريخ أكتوبر2001 ، والذي اعتبر تصورا جديدا بخصوص الهوية المغربية، حيث وضح جلالته أن الأمازيغية تشكل مكونا أساسيا من مكونات الثقافة المغربية، وأن النهوض بالأمازيغية يعد مسؤولية وطنية، وأن النهوض بالثقافة واللغة الأمازيغيتين مسؤولية جماعية وذلك من خلال اعتبار الأمازيغية ملكا لكل المغاربة.
عود على بدء: نظّم مركزُ الذاكرةِ المشتركةِ من أجلِ الديمقراطيةِ والسلم يومي 18و19 فبراير 2011 بمدينة طنجة، ندوةً حقوقيةً سياسيةً، حضَرها مجموعةٌ من الأكاديميينَ والباحثينَ مُتَعَدِّدِي التخصصاتِ، ومن الفاعلينَ الحقوقيينَ والجمعويينَ، ومن الشخصياتِ الفكريةِ والسياسيةِ، للتداولِ في مشروعِ ميثاقٍ أعدَّهُ المركزُ بناءً على تجربةِ أكثر من أربعِ سنواتٍ، لِتَكْييفِ وتأصيلِ فلسفةِ وروح ِالعدالةِ الانتقاليةِ، مفهوماً وتنظيراً وممارسةً، لتطبيقها بين الدولِ التي لها تاريخٌ مُشتَرَكٌ ما زالت بعضُ قضاياهُ عالقةً، تُؤزمُ العلاقاتِ في ما بينها، وتَرهَنُ مصلحةَ شعوبِهَا المشتركةِ، وتَحُولُ دون بناءِ علاقاتٍ خاليةٍ من النزاعاتِ وبُؤرِ التوترِ، وتُعرقلُ وتيرةَ تنميةِ قيمِ الحريةِ والديمقراطيةِ والسلمِ وحقوقِ الإنسانِ .
وبعد نقاشٍ عميقٍ بين المدعوينَ وأعضاءِ المكتبِ الإداريِ للمركزِ ولجنتهِ العلميةِ، تمَّ الإجماعُ على ضرورة تبنِّي مركزِ الذاكرةِ المشتركةِ لهذه المنهجيةِ الإجرائيةِ، الأولى من نوعها في المغرب وفي العالم، لمعالجةِ العلاقاتِ بين الدولِ التي لها تاريخٌ مشتركٌ ومشحونٌ بالصراعِ، وتحويلِها إلى أداةٍ ذاتِ بُعدٍ حقوقيٍ وإنسانيٍ وحضاريٍ من أدوات الحكامةِ الدوليةِ في التدبيرِ الأمثلِ للخلافاتِ، مع الاعترافِ بالأخطاءِ وفهمها، والعملِ الجماعيِ على رفعِ الحيفِ وجبرِ الضررِ، خدمةً للبناءِ الديمقراطيِ وتوطيدِ دولةِ الحقِ و القانونِ، باعتبارها:
1- تنطلق، في واقع الأمرِ، من ديناميةِ ما راكمتهُ الحركةُ الحقوقيةُ بالمغربِ عبر نضالاتِها لإِعمالِ العدالةِ الانتقاليةِ، وعبرَ المكاسبِ التي حَقَقْتهَا، والمتجليةُ في توصياتِ هيأةِ الإنصافِ والمصالحةِ، لتنقلَ روحَ وفلسفةَ هذه ِالدِينَاميةِ، إلى معالجةِ القضايا العالقةِ بين الدولِ التي تعاني من إرثٍ تاريخيٍّ مُتأزِّم، يُؤثرُ سلباً على علاقاتِها الراهنَةِ، خاصةً علاقاتِ المغربِ بدول محيطهِ الجيوسياسي، أي فرنسا وإسبانيا اللتين استعمرتاه، والجزائر وموريتانيا التي تأثرت علاقاتهما بالمغرب نتيجةَ الإرثِ الاستعماري.
2 - تنطلق من سؤال ضمني بسيطٍ خاصٍ بالشعوبِ المعنيةِ مُؤدَّاه: ما ذنبُ الشعبَينِ الإسباني والمغربي، مثلا، في تَحَمُّلِ وزْرِ إرثٍ استعماريٍ، أو حتى من الماضي ما قبلَ الاستعمار، لم يكن لهما يدٌ فيه، خاصةً وأنهُما اليومَ في أَمَسِّ الحاجةِ إلى نزعِ فتيلِ التوتُّراتِ لبناءِ علاقاتٍ ديمقراطيةٍ سليمةٍ، متكافئةٍ ومتضامنةٍ، تخدُمُ مصالحهُمَا المشتركَة، وتُحِلُّ السَّلامَ والأمنَ في منطقةٍ استراتيجيةٍ من حوضِ الأبيضِ المتوسطِ؟. وما ذنبُ الشَّعْبَينِ الجزائري والمغربي، وهما إخوةٌ أشِقَّاء، لتحمُّلِ وزرِ إرثٍ استعماريٍّ لا ذنبَ لهما فيه، وهُمْ في أَمَسِّ الحاجةِ إلى تكثيفِ جُهودِهِمَا لِرفْعِ رِهاناتِ التَّحديثِ والدمقرطة وللعملِ لانطلاقِ مسلسلِ البناءِ المغاربي المُعطَّل؟
3- تعِي أن المعالجةَ التي تتمُّ بها العلاقاتُ بين الدولِ التي تعاني من أثرِ الماضي الذي لا يريد أن يمضي، وهو تعريفُ المركزِ لمفهومِ الذاكرةِ المشتركةِ، بما في ذلك علاقاتُ المغربِ بدولِ محيطِهِ الجيوسياسي، خاصةً العلاقاتِ المغربيةَ - الإسبانية والمغربية - الجزائرية، تتم ضمنَ مقاربةٍ أمنيةٍ وجزئيةٍ، وضمنَ ردودِ أفعالٍ ظرفيةٍ، غالبا ما تكون مُتَشَنِّجَةً، وهي في واقع الأمرِ، وليدةُ هذا "الماضي الذي لا يريد أن يمضي" تنتعشُ منه وتُغذِّيه في آن.
4- تعتمد، على العكس من ذلك، على مقاربةٍ جديدةٍ شموليةٍ ومندمجةٍ تُمَوْقِعُ التعاملَ مع العلاقاتِ بين الدول، التي لها ذاكرةٌ مشتركةٌ، في أُفُقِ إحْلالِ السِّلم، ونزعِ فَتيلِ التَّوتُّرِ، وعدمِ الاستقرارِ، ومُراعاةِ مصلحةِ الشعوبِ أولا وأخيرا. فهي تفتح مشروعا كبيرا وَطَمُوحا، يكون الفاعلون فيه، ليس الحكوماتِ وحدها، وإنما مجموعُ مُكوِّناتِ المجتمعاتِ المَعنيةِ، من حكوماتٍ وأحزابٍ ونقاباتٍ ومفكرينَ وأكاديميينَ وفاعلينَ حقوقيينَ ونشطاء جمعويينَ واقتصاديين...
5- تجيب بشكل نظريٍّ وعمليٍّ على ما أصبح يُتداولُ اليومَ بالمغربِ حول الدبلوماسية المُوازيةِ، وَتُفنِّدُ بالملموسِ التصوُّرَ الاختزاليَّ السائدَ حول هذا المصطلحِ الذي يَجمعُ في شكلٍ مِيكانيكيٍّ بين الدبلوماسية الرسميةِ والدبلوماسية الموازية، في غيابِ أَيٍّ تصورٍ شُموليٍ مندمِجٍ لمعالجةِ علاقاتِ المغربِ بدولِ محيطهِ الجيوسياسي.
6- تضع أمام شعوبِ دول البحرِ المتوسطِ خاصةً شعوبَ ضِفتهِ الجَنوبيةِ، التي استفاقت لتتحكم في مصيرها في إطار أنظمةٍ مدنيةٍ وديمقراطيةٍ، مقاربةً لبناءِ علاقاتٍ جديدةٍ متساويةٍ ومتضامنةٍ تؤمن أمنها واستقرارها وتؤمن السلام في هذا الفضاء الاستراتيجي.
وانطلاقا من تقييم أوليٍ لعملِ مركزِ الذاكرةِ المشتركةِ والمستقبلِ منذ تأسيسه.
ختاما نعتقد أن بإمكاننا تَكْييفَ هذا المقترح ِللاشتغالِ عليه قصدَ أن يصبحَ المواطنُ مشاركا في العمليةِ السياسيةِ، ويمارسَ حُريّاتِه بوعيٍ ومسؤوليةٍ بوصفهِ جزءا من المجتمعِ، وهذا التكييفُ سيتطلب بطبيعةِ الحالِ مجهوداتٍ فكريةً وتنظيريةً منا جميعا خاصةً من الحالمينَ بعالَمٍ يتسع للجميع، ونضعُ المركزَ وجميعَ اجتهاداتِهِ رَهْنَ إشارَتِكُم لتعميقِ النظرِ في ما تَفضَّلْنا بقوله.
*رئيس مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.