ما زالت "التويزة"، التي تعد من العادات المرتبطة بالموروث الحضاري الأمازيغي، تقاوم البقاء بمناطق عديدة بجبال الأطلس والريف، كفعل تضامني يعكس صور التعاون والتكافل من أجل مصلحة فرد ما أو مصلحة جماعة. تحضر "التويزة" كخاصية تميز نمط عيش الأمازيغ بأعالي الجبال، خلال حرث الأرض وحصادها أو تنظيم عرس وبناء بيت أو مسجد أو نسج الزرابي وغسل الصوف، وفي المواسم الدينية. فهل ما زالت هذه الظاهرة حاضرة بقوة لدى الأمازيغ؟ وكيف ينظر إليها شباب اليوم؟ وبأي معنى يمكن الحديث عنها كشكل يقوم على سواعد السكان وطاقاتهم في العمل للرفع من إنتاجية حقولهم؟ للوقوف على حقيقة هذه الظاهرة، انتقل طاقم هسبريس إلى جماعة تيدلي الجبلية بإقليم الحوز، لتغطية عملية حصاد جماعية لأراضي فلاحية، بجبال "وايركو" بأيت زياد مسفيوة. "التوزيرة" أمازيغية عبد الرحيم بوزيان، فاعل جمعوي بدوار "تدوارت"، قال: "استثمرنا وجود شباب المنطقة خلال فترة الحصاد لنحيي تقليدا له امتداد في التاريخ الأمازيغي، كفعل تطوعي يعكس قيم التعاون التي تدفع إلى تقديم يد العون بحسب قدرة وخبرة كل واحد". وعلى صدى أنغام أمازيغية تردده جبال "وايركو"، واصل الفاعل الجمعوي، في تصريح لهسبريس، قائلا: "في موسم الحصاد تحضر "التويزة" بكل معانيها، فتنطلق في الصباح ب"تصبحيت"، وفي المساء يختم ب" تعشويت".. وخلال الفترتين، نجد الحقل يعج بالرجال والأطفال من مختلف الأعمار؛ فمنهم من يحصد السنابل، ومنهم من يجمعها ويربط الحزم، التي ينقلها آخرون إلى أماكن خصصت لها، في جو تؤثث فضاءه ترنيمات وأغان وأهازيج تحث على العمل والنشاط وتدعو إلى التضامن وتذكر نعمة الحمد والشكر لله"، حسب تعبير المتحدث ذاته. لوجه الله "تتطلب عملية الحصاد أدوات عديدة كالمنجل و"ترزا" لحماية الرأس من أشعة الشمس، و"تبندا" لحماية أصابعنا من أسنان المنجل"، يشرح علي إمجي الذي غزا الشيب رأسه، مؤكدا "أن التوزيرة عمل تضامني بدون أجر ولا طمع، وهو عمل يحضر في مناسبات عديدة في الأفراح أو الأتراح، ويكون لوجه الله". "الحصاد يستعمل يديه في تناغم محكم، فاليد اليسرى تجمع السنابل، واليمنى تقطع بالمنجل"، يورد إمجي في تصريحه لهسبريس، مشيرا إلى "أن للحصاد قواعد تجعل منه شكلا هندسيا تكامليا، يعكس التعاون بين المشاركين الذين يشتغلون في صفوف مرصوصة". إحياء الموروث "نشارك في "التويزة" بفرح وسرور؛ لأنها تذكرنا بعادات أجدادنا، ولأنها رأسمال ثقافي وآلية تساعد الكل لتحقيق أغراضهم، فمن كان في حاجة مثلا إلى شراء بقعة أرضية، ولا يملك ثمنها فالجماعة تساعده في تحقيق ذلك" يكشف حميد أوبركة، ابن دوار "تادورت". وزاد أوبركة قائلا وهو يبتسم: "تنتظرنا، بعد الانتهاء من الحصاد، وجبة دسمة بعد صلاة العشاء، بمنزل صاحب الأرض الفلاحية، ترافقها أهازيج وأداء مقاطع من أحواش ومستملحات، تجعل اللحظة بهيجة، تنسينا المجهود العضلي الذي بذل". للنساء نصيب إذا كان الحقل فضاء لظاهرة "التويزة" بالنسبة لذكور القرية، فالنساء يعتنين بإعداد الوجبات الغذائية بشكل جماعي، ويتعاون على غسل الصوف في صباح باكر بضفاف الوادي أو بالقرب من البئر أو السواقي، على نغمات الغناء التراثي الأصيل. أما صاحبة البيت التي تطلب يد المساعدة، التي قد تدوم يومين أو أكثر، فتقوم بإعداد وجبات الفطور والغذاء للمتطوعات، خصيصا في فترة الراحة ثم يرجعن بعدها إلى العمل"، يختم عبد الرحيم أبو زيان.