كثيرة هي المنعطفات التاريخية التي تخرس، وتدعوك في المقابل، إلى التأمل غير الغافل في تشكل الحدث وما يعتمل وراءه. مناسبة هذه الفكرة هو ما يجري اللحظة في العالم تحت تأثير فيروس كورونا الذي وحد العالم في الألم أو صفة المرض وطرق الوقاية، بل امتد ذلك إلى بعض السلوكيات والهواجس كأن الأمر يتعلق بشكل عولمي آخر، مما يدل على أن الأمر يتعلق بمصير الإنسان ومفهوم الحياة الخاضع لتقلبات الطبيعة وبعض نتائج التطور العلمي الخاضع بدوره لما هو ايديولوجي. لهذا، هناك أوضاع متأزمة في ظل الوباء اقتصاديا واجتماعيا... فامتد ذلك لتمثلات ثابتة حول الأشياء ضمن اشتراطات اليومي، والطب والعلم... لكن هل العالم في هيكلته يمكن أن يتغير ويتحول بعد هذه الجائحة المتطورة أكثر من العالم؟ وهل سيمتد التحول إلى الثقافة كتمثل وتوصيف والكتابة كحالة ورؤية؟ يغلب ظني أن العالم لا يتحول إلا في ظل تكتلات وموازين، لأن المصالح متهيكلة اقتصاديا وسياسيا. وبالتالي فإصرار وجنون الحكم على الهندسات لا يقهر إلا بالحركات القوية بإرادة الشعوب. لكن يمكن أن يتحقق التحول على مستوى التجارب الفردية الحرة، وبالأخص منها ذات النفس التأملي، من ذلك الإبداع في أشكاله المختلفة، أي أن يتحقق التحول الجمالي والفكري معا؛ فلا يمكن تحقيق التحول الجمالي دون فهم ما يجري، بناء على إحاطة وجهد في محاولة فهم ما يحدث واستيعابه. بخلاف ذلك، نلاحظ طغيان التسجيل والوصف البارد، فيكون الإبداع ضحية ذلك دون عمق. في هذا السياق، يغلب ظني أن الأدب العربي في مجمله لا يؤسس لمنعطفات جمالية إلا بشكل بطيء. لأنه يبقى مجروفا وخاضعا لما يجري من تسطيح نفعي، مسنود بسطوة الخطابات. فيسود الاجترار والتكرار القاتل. وبالتالي التشابه الذي يراوح مكانه، لأن المبدع لا يتأمل، لا يأخذ مسافة بينه وبين الأجداث، متسرعا في بناء الأحكام دون تحليل، فضلا عن ضحالة المرجعية. فامتلأت الساحة بالركام عوض التراكم، ناهيك عن قفزات التجريب المتنطعة؛ فخضع الأدب للموجات التجارية والإيديولوجية، وأحيانا لنزوات ذاتوية. كما أن التأسيس المدعى يكون محاطا بالأوهام، لأن مدونة النقد معطوبة ومحكومة يالشخصنة. مما أدى إلى خضوع الأدب للأسماء دون مشتركات. أكيد أن حدث كورونا أدى إلى طرح سؤال الحصيلة والآفاق على الأفراد والجماعات، ضمن جدليات الواقع والحياة والوجود. في المقابل نتساءل: ما هي تحركات المجتمع السياسي والمدني الآن؟ في هذا الإطار، يبدو لي أن المجتمع السياسي في شقه الرسمي أو غير ذلك يصر أن لا يأتي المجتمع من الثقافة على الرغم من أن شرط الوعي ضروري في التواصل والبناء. وهو ما يؤكد إلى حد الأن أن المجتمع السياسي يسعى إلى أن يسوق الناس على المقاس، حفاظا على ما هو سائد، مهما كانت الأزمة. وبالتالي يمكن أن تنال الأوبئة من الاقتصادات، فتبرز الاختلالات الاجتماعية والتأثيرات النفسية. لكن السياسة في شكلها المؤسسي تخفي التأثر وتسير منتفخة إلى آخر رمق. أما ما يتعلق بالمجتمع المدني، فالثقافي منه يقيم في جحره دون فعالية تذكر، لأنه قبلا ظل يشتغل دون استراتيجيات كبرى تسعي إلى تثبيت الثقافي في المجتمع ودفع التفكير فيه كأولوية. لهذا فدور الجمعيات الثقافية لا يتمثل فقط في توقيعات الكتب والتكريمات الإخوانية، بل ينبغي النهوض بأدوار حقيقية غائبة أو متروكة لخبط الدولة والإطارات السياسية، الشيء الذي يؤكد انتهازية المبدع الذي يبحث عن تكتلات قبلية تجعل المشهد الثقافي مقزما ومذابا في تبعية مقنعة لأسماء أو إطارات. تنوعت إذن أخوات جائحة كورونا، لكن هذا لا ينفي حضور النبتات الجميلة التي تصر على العطر/المعنى ضمن تلوث زحف ويزحف دون قيم وأفق. فهناك في المحصلة من يلهث وراء النص، وآخر يلهث وراء مؤخرة العالم، بينما الطرف العريض يلهث فقط. وهلم لهاثا تجعله كورونا على محمل اللهاة. *شاعر وناقد مغربي