يقترب الصراع المحتدم بين أرباب مؤسسات التعليم الخصوصي وآباء وأمهات التلاميذ من الانعطاف نحو طريق القضاء، إذ بدأت بعض الأسر ترتّب الإجراءات الضرورية لرفع دعاوى قضائية ضدّ مؤسسات التعليم الخصوصي التي ترفض أن تسلّم للتلاميذ شهادة المغادرة من أجل الانتقال إلى الدراسة في التعليم العمومي. وقرر عدد من الآباء والأمهات تحويل أبنائهم المتمدرسين في التعليم الخصوصي إلى التعليم العمومي، إما كرد فعل احتجاجي على تمسّك أرباب المدارس الخاصة باستخلاص واجبات التمدرس خلال فترة الحجر الصحي التي توقفت فيها الدروس الحضورية، أو بسبب عدم قدرتهم على سداد هذه الواجبات مستقبلا، بسبب تضررهم من الجائحة. في هذا الإطار قال "يونس.ر"، وهو صاحب مقاولة توقف نشاطها جراء تداعيات جائحة كورونا: "أنا وقفت نهائيا، وكون ماشي خوتي اللي تضامنو معايا ماديا ما كنتش غادي لقا باش نوكل ولادي"، مضيفا: "ما بقاش عندي باش نقريهم فالتعليم الخصوصي وباغي نحوّلهم للتعليم العمومي، وهذا حق دستوري". وفيما يسعى بعض الآباء والأمهات إلى تحويل أبنائهم إلى التعليم العمومي، ترفض المدارس الخاصة تسليمهم "شهادة المغادرة" إلا بعد أن يؤدوا واجبات التمدرس لشهور أبريل وماي ويونيو، وهو ما يرفضونه ويعتبرون أنه شرط "غير قانوني"، بداعي أن أبناءهم لم يستفيدوا من كل الخدمات التي تتضمنها العقود المبرمة بين الطرفين. محمد ألمو، المحامي بهيئة الرباط، الذي يحضّر لرفع دعاوى قضائية نيابة عن أسرٍ تريد نقل أبنائها إلى التعليم العمومي، قال إن مسألة أداء واجبات التمدرس تقوم على قاعدة "كل التزام يقابله واجب بين الأطراف المتعاقدة"، أي إن التزام الأسر بأداء هذه الواجبات يجب أن يقابله قيام المدارس الخاصة بواجبها كاملا تجاه التلاميذ. وأوضح المحامي ألمو في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية أن توقيف الدراسة فرضته حالة الطوارئ الصحية، لكن ليس هناك، من الناحية القانونية، ما يُلزم أسَر التلاميذ المتمدرسين في التعليم الخصوصي بأن تقتني لأبنائها الأجهزة الكفيلة بتتبعهم للدراسة عن بعد، مثل الحواسيب والألواح الإلكترونية، وتوفير أنترنيت بصبيب عال. وتابع المتحدث ذاته: "نحن إذن أمام تعطيل التمدرس لأسباب قاهرة، وبالتالي فإن الواجبات التي تؤدّيها الأسر لقاء تمدرس أبنائها في مدارس التعليم الخصوصية تؤدّى مقابل الخدمات المقدمة لهم، وليس فقط مقابل الحصص الدراسية، مثل الاستفادة من مرافق المؤسسات التعليمية، وتجهيزاتها، ووسائل النقل، والأنشطة المختلفة التي تقوم بها...". وحسب إفادة المحامي ألمو فإن "المدارس الخاصة لا يمكن أن تجبر آباء وأمهات التلاميذ على أداء واجبات التمدرس خلال الشهور التي توقفت فيها الدراسة الحضورية، لأن الطرف الأوّل لم يُوف بكل الالتزامات المتبادلة، ثم إن التعليم عن بعد في حد ذاته لا يرقى إلى مستوى التعليم الحضوري، وبالتالي لا يمكن للمؤسسات أن تطالب باستخلاص واجبات التمدرس كاملة". السقف الذي حدّده آباء وأمهات التلاميذ المتمدرسين في التعليم الخصوصي هو أداء نسبة خمسين في المائة من واجبات التمدرس خلال شهور أبريل، ماي ويونيو، بينما أصبح خيار السماح بنقل التلاميذ إلى التعليم العمومي غير واضح، بعد أن لمح وزير التربية الوطنية، سعيد أمزازي، إلى استحالة هذه العملية، بداعي أن المدارس العمومية غير مؤهلة لاستقبال المتمدرسين في التعليم الخصوصي. وانتقد محمد النحيلي، منسق "اتحاد آباء وأولياء تلاميذ مؤسسات التعليم الخاص بالمغرب"، وهو مجموعة تأسست في موقع "فيسبوك" وتضم أكثر من 47 ألف عضو، تصريحات وزير التربية الوطنية، ذاهبا إلى القول إنه "يترامى على اختصاصات القضاء، لأنه الجهة الوحيدة التي لها الحق في الفصل في هذا النزاع". وأضاف النحيلي، في تصريح لهسبريس، أن الدولة هي الراعية والضامنة للمصلحة الفضلى للطفل، ومنها التعليم المجاني، تفعيلا لمقتضيات دستور المملكة"، وتابع: "عندما يقول الوزير إن التعليم العمومي غير مستعد لاستقبال تلاميذ التعليم الخصوصي فالهدف هو تنفير الناس من المدرسة العمومية، وإبقاؤهم في المدارس الخاصة، حماية للمصالح المالية لهذا القطاع الذي يراكم الأرباح الطائلة كل سنة". من جهته قال "يونس.ر"، الذي ينشط ضمن مجموعة تضم آباء وأمهات تلاميذ متمدرسين في التعليم الخصوصي بمدينة سلا: "قدمنا مجموعة من الشكايات للمديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية، والأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين، والسلطات، من أجل التدخل لإنصافنا، وإذا لم تتدخل هذه الجهات وتفسح لنا المجال لنقل أبنائنا إلى التعليم العمومي فإننا سنلجأ إلى القضاء". وأضاف المتحدث ذاته: "الدستور والمواثيق الدولية لحماية حقوق الطفل التي صادق عليها المغرب تكفل للتلاميذ حقهم في التمدرس، وأرباب المدارس الخاصة ضربوا مقتضيات كل هذه النصوص عرض الحائط"، لافتا إلى أن الآباء والأمهات لا يريدون أن يصل الملف إلى القضاء، "ولكن إذا لم يكن أمامنا غير هذا الخيار فإننا سنلجأ إلى القضاء الاستعجالي"، يزيد مستدركا.