بعد ثلاثة أشهر من الجدل المستمر، يوشك كبير علماء الأوبئة في السويد على بدء إجازة. وذكرت وكالة "بلومبرغ" للأنباء أنه من غير المرجح أن يبتعد أندرس تيجنيل عن بلاده، بعد أن استبعدت معظم دول الاتحاد الأوروبي السويد من قوائم السفر الآمن. وقد تزامن قراره ضد الإغلاق الذي تفرضه السويد مع واحد من أعلى معدلات الوفيات الناتجة عن الإصابة بمرض "كوفيد-19"، الذي يسببه فيروس كورونا المستجد، في العالم؛ إلا أن تيجنيل يصر على أن إستراتيجية السويد مازالت تحظى بسوء فهم على نطاق واسع. وقد تصدر عالم الأوبئة عناوين الصحف، خلال الأسبوع الماضي، بسبب انتقاده منظمة الصحة العالمية، ووصفه الدول التي اختارت فرض إجراءات حظر صارمة بأنها "مخبولة". وفي أثناء كل ذلك، قال تيجنيل إن العالم يمر حاليا بالمرحلة الأولى فقط من التعامل مع معركة طويلة غير مؤكدة مع مرض "كوفيد-19". ويرى أن هذا هو السبب الذي يجعل من إستراتيجية السويد، القائمة على الإبقاء على أغلب قطاعات المجتمع مفتوحة، ولكن في ظل تدريب المواطنين على مراعاة المبادئ التوجيهية للتباعد، هي الطريقة الواقعية الوحيدة للتعامل في المعركة طويلة الأمد. وقد حقق تيجنيل فوزا عظيما مؤخرا في مواجهة منظمة الصحة العالمية، بعد أن انتقدها بسبب ارتكابها "خطأ كبيرا". وكانت منظمة الصحة العالمية قد وضعت السويد في البداية ضمن مجموعة مؤلفة من 11 دولة، حيث قالت إن "الانتقال السريع قد أدى إلى طفرة كبيرة للغاية (في أعداد الإصابات بالفيروس)، وهو إذ لم يتم وقفه، فإنه سيدفع بالنظم الصحية إلى الهاوية". إلا أن منظمة الصحة العالمية قامت فيما بعد بتعديل تقييمها، وقالت إن معدلات العدوى في السويد هي في الواقع "مستقرة". وربطت بين العدد الكبير من حالات الإصابة التي تم تسجيلها وبين زيادة أعداد الفحوصات التي تتم. وقال وليام هاناج، وهو أستاذ مساعد في علوم الأوبئة بكلية الصحة العامة في جامعة هارفارد في بوسطن، إن "سياسة السويد غير عادية من حيث أنها تتخذ نهجا أقل صرامة بصورة كبيرة... ولكن من المثير للاهتمام أنها قامت بتطبيق تلك الإجراءات في مرحلة مبكرة للغاية من تفشي الوباء، قبل حدوث انتشار كبير للفيروس في المجتمع". وحسب هاناج، "قد يكون نهج السويد مستداما بطرق لم تحققها دول أخرى". وقال: "تجدر الإشارة إلى أن إجراءات الإغلاق تأتي كرد فعل على الارتفاع الوشيك لدى (مرافق) الرعاية الصحية، وذلك بهدف إيقاف أكبر عدد ممكن من سلاسل نقل العدوى في أسرع وقت"، مشيرا إلى أن "المساءلة الكاملة لن تكون ممكنة إلا بعد انتهاء الوباء ". إلا أن نهج السويد كان له تكلفة عالية، حيث بلغت حصيلة الوفيات لديها الآن بين كل 100 ألف شخص، خمسة أضعاف ما هي عليه في دولة الدنمارك المجاورة، حسب بيانات جامعة "جونز هوبكنز". ويشار إلى أن مصدر قلق تيجنيل الرئيسي هو أن إجراءات الإغلاق الصارمة قد تؤدي إلى احتواء الفيروس بصورة مؤقتة، ولكنها لن تمنعه من العودة مجددا، حسب "بلومبرغ". كما يقول إن إجراءات الإغلاق تأتي بتكلفة يمكن تجنبها. وقال: "إن الاجراءات التي تتخذ ضد الوباء لها آثار سلبية، شأنها شأن الآثار الجانبية لجميع الأدوية". ومن جانبها، قالت منظمة الصحة العالمية في تعليق لها عبر البريد الإلكتروني مؤخرا: "هناك العديد من الاتجاهات الإيجابية للغاية في السويد، وبشكل ملحوظ، من حيث استمرار انخفاض حالات الإصابة الجديدة... إلى جانب الانخفاض التدريجي في أعداد المرضى الذين تم إيداعهم في وحدات العناية المركزة منذ شهر أبريل الماضي، بالإضافة إلى استمرار تراجع أعداد الوفيات الجديدة الناتجة عن الإصابة ب"كوفيد-19"". وقالت المنظمة إن "السويد أشركت المجتمع في الاستجابة، وقد تمكنت من الحفاظ على الانتقال إلى المستويات التي يمكن أن يديرها النظام الصحي السويدي". وفي النهاية، إنه من السابق لأوانه معرفة النموذج الأكثر ذكاء عند التعامل مع الوباء الحالي، وقال هاناج إن "نهج السويد تم تشويهه على نطاق واسع، ووصفه بأنه لا يقدم شيئا. بينما هو ليس كذلك". وقال هاناج إن "إستراتيجية السويد بهذا المعنى كانت أذكى من تلك الدول التي شجعت على انتقال العدوى حتى أصبحت إجراءات الإغلاق ضرورية". وأضاف: "ومع ذلك، فقد كان لها (الإستراتيجية) ثمن كبير من حيث الوفيات التي تم تسجيلها بين الفئات الضعيفة... كما يجب أن تكون مرنة ومتجاوبة، بحيث إنه إذا كانت هناك زيادة ملحوظة، فيجب أن تكون قادرة على اكتشافها ومعرفة ما سيتم لتفادي ذلك". وقال هاناج إن "(عنصر) الوقت هو الذي سيخبرنا بالنتيجة الإجمالية".