هل يمكن لأخصائي الطب الرياضي مناقشة فعالية الكلوروكين؟ هل يعقل استضافة دكتور في جراحة التجميل ليعطي معلومات عن فيروس كوفيد-19، وعن أعراضه، وعن كيفية انتشاره، وعن سبل الوقاية منه؟ هل يتصور لمحلل متخصص في مجال آخر غير الاقتصاد الحديث عن عواقب الفيروس على الاقتصاد الوطني وتقييم القرارات الاقتصادية التي اتخذتها وتتخذها الحكومة خلال الجائحة؟ في زمن الحجر الصحي، الكل صار محللا، فحيث ما وليت وجهك سواء صوب صحف مكتوبة أو قنوات تلفزية أو إذاعية تجد الكل يدلي بدلوه ويساهم بطريقته الخاصة في التوعية لمنع انتشار الوباء ونجاح الحجر الصحي. بعضهم سلط سهامه على الحلقة الأضعف في المجتمع وهي ساكنة الأحياء الشعبية، وساهموا بطريقتهم في تحميل هذه الفئة مسؤولية تطور الحالة الوبائية في المغرب. حتى بعض المنشطين الإذاعيين تجرؤوا على وصف الذين لا يرتدون الكمامات الطبية والقفازات بأبشع النعوت ويدعون السلطات لاستخدام القوة لتطبيق الحجر. ثم فجأة، تغيرت لهجة الخطاب من التشديد والتهويل إلى دعوة الحكومة لتخفيف إجراءات الحجر بل ولرفعه ومساعدة القطاعات المتضررة لإنقاذ الاقتصاد الوطني. في زمن الجائحة، لاحظنا ظهور فئة من المثقفين تحب الركمجة على الأحداث المستجدة ولا تفوت أبدا أي فرصة لإظهار مواهبها، حتى في تحليل مواضيع غير مرتبطة تماما بمجال اختصاصاتها. لقد سمعت الكثير من المختصين في مجال بعيد عن المال والاقتصاد يشيدون بالقرارات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة خلال الجائحة. آخرون ارتدوا البذلة البيضاء، تقمصوا دور أخصائي الأوبئة وأصبحوا يطالبون المواطنين بوضع الكمامات الطبية والقفازات لحماية أنفسهم وغيرهم من الوباء، يشرحون ويستفيضون في إعطاء معلومات عن الفيروس، بل ويفسرون كيف يهاجم الفيروس الرئة ويضعفها. مع اقتراب نهاية الجائحة ورفع الحجر، تحولوا إلى اقتصاديين يحللون الأوضاع الاقتصادية ويقترحون حلولا للتعامل مع العواقب الاقتصادية والاجتماعية المحتملة للفيروس. تعددت تداعيات كوفيد-19 الصحية، الاقتصادية والاجتماعية، فهل سنشهد تداعياته على الحقل الثقافي والمعرفي كذلك بتدخل محللين في تخصصات ليسوا مؤهلين للخوض فيها؟ وهل ستتحول هذه الموضة لتصير متلازمة تحتاج من علماء النفس والاجتماع التعاون لدراستها؟ *باحث في علوم التدبير