1- سبحان الله. منذ أن تحسَّست جوارحي عوالم الكتابة بداية التسعينيات، وانخرطتُ في طقوسها ممارسة ومتابعة،، سمعتُ الكثير عن الجوائز التي تمنح هنا وهناك للأدباء والأديبات على تعددية الأجناس التي ينكتبون ضمنها، لم تغرين طبعا تلك الجوائز، ولم أملك من الحماس ما يكفي لأبعث بما أنكتبه، لأنه عندما آوتني الكتابة قطعت وعدا على ذاتي ألا أهين قدسيتها مهما كانت الظروف، لأن لا هبة تُمجّد خلود الكاتب، أو الشاعر، أو الروائي، أو الموسيقي، أو التشكيلي سوى هبة الكتابة و دماثة أخلاق المبدع، وجدية مشروعه الإبداعي، والدليل أنني أصدرت أضمومتي الشعرية الأولى * بعيدا قليلا* عن طريق الاستدانة من البنك، ولم أتقدم لحد الآن بطلب الحصول على عضوية إحدى المؤسسات الثقافية، لأنها لا تغن ولا تسمن من جوع، ولأن من سيمنحها إليَّ، سيجعلُ مني عبدا كلما انعقدت المؤتمرات الانتخابية بالرباط، وعُقدت الولائم الدسمة تحت يافطة الأدب أو الإبداع أو النقد في بني ملال، أو مراكش، أو مراكش، لأنني انحنيتُ وركعتُ في السّر ورضيت العبودية وطنا بدل الكتابة، وناشدته لكي يحشدَ مانحي العضوية، ويخرجوا « فيتواتهم »1 ، ويقنعوا الآخرين بالتزكية. 2- لكن هل تلك الهبة والدماثة يملكها الكثير من مبدعينا ومبدعاتنا، وهم يلهثون خلف الجوائز، وبكل الطرق، للآسف قلة قليلة من هؤلاء هي من تملك تلك الصفة، لأن الكثير داس على وردة الأخلاق، وانساق خلف جشعه، مستفيدا من شبكة العلائق الانتهازية التي فبركها بدهاء كبير، ثم هل هناك فعلا جائزة لها كل ضمانات و مقاييس التباري النزيه في المغرب؟ ثم ما جدوى جائزة للكتاب في مغرب تتضاعف فيه مساحات الفقر والأمية، والجريمة، والوضع الاعتباري للكاتب مغيب في وطننا مادام الكثير مات أو يموت في عزلة أو حياد عن هذا الوضع المقلق، ومن النماذج الصارخة التي تحضرني محمد الطوبي، و محمد ازريويل ومنير بولعيش واللائحة تطول!؟، ناهيك عن التطاحنات والتجاذبات،وهيمنة منطق، « نش على كبالتي أنش على كبالتك»2، و تعالي معيار الخبث وهيمنته، والدليل هو المسلسل الذي عاشه اتحاد كتاب المغرب، الذي حادت سكته عن خدمة الكتَّاب إلى خدمة الأصدقاء والتجاذبات الحزبية الضيقة، وتَراجعَ عن كل المكتسبات الرمزية التي راكمها منذ تأسيسه، والعودة إلى كتاب عمر أوكان الأسود «الفضيحة» تغنينا عن كل إسهاب. 3- من يُقرّر ويبث في تلك الجوائز؟، وماهي مقاييس التنافس بين الكتاب؟ ثم أي شروط علمية توضع لجائزة كجائزة المغرب للكتاب؟. أعتقد أن الأجوبة واضحة، مقاييس التنافس وشروط الجائزة هي الانتصار لمنطق الصداقة، و« نفخ فيَ انفخ فك»3، وليذهب المتبارون غير المكرسين إلى الجحيم، وهنا أعرف شاعرا مغربيا تسعينيا التقيته إبان عودتي من مقر عملي بالجنوب للعطلة، ووجدته يفور حماسا ويتأهب لإرسال ديوانه الشعري الثاني الباذخ في ثمان نسخ، وقبل أن يزج بها في مصلحة البريد طلب رأيي، فقلت له ابعث ما دمت مؤمنا بديوانك وبتجربتك، رغم أني أدرك تمام الإدراك أن الجائزة حتما ستمنح إما لفلان أو فلانة، أو مناصفة بين فلان وعلان في أسوء الاحتمالات، امتلكه تردد لكنه أحلامه العنيدة زجَّتْ بالنسخ في البريد، وتبخرتْ عند حاجز إعلان حجْب جائزة الشعر قبل أيامَ من افتتاح المعرض الدولي للكتاب. والمؤسف أن إلغاء الجائزة في بعض المرات ليس معناه رداءة الأعمال الشعرية المقدمة، بل التطاحنات بين أعضاء اللجنة التي تتأجج ألسنة ضراوتها، حين يهيمن ويُرجَّحُ منطق صاحبي وصاحبتي، وصاحبة صاحبي، وولد خالة جدتي، ويغيب التباري الشعري، والانتصار لمقومات الشعري والجمالي، وهو ما لم تستسغه الدكتورة فاطمة طحطح باعتبارها عضوة في لجنة الجائزة للسنة الماضية، وسرَّبت روائحه بعض المنابر الصحفية المغربية المهتمة، لحظات قبل الاتفاق على ايجاد صيغة توافقية، وتذويب الخلافات بين الأعضاء. 5- أحمل من الأسئلة أضعاف مضاعفة في ظل هذا الاهتراء، الذي عبَّرتُ عنه في مقالي هوامش البهلول المنشور بجريدة الزمان اللندنية، وتنامي الاستهتار بالقيم الجمالية، أعرف يقينا أنني كلما دققت في الأجوبة أجدني كالقابض على الجمر، فالأسماء الشعرية الجديرة بجائزة المغرب للكتاب، إما مستبعدة إذا تقدمت بمشاركتها، أو غيرُ مرحَّب بها إن هي شاركت، لأنها تدرك أن لا جدوى من المشاركة، مادامت النتائج محسومة و المقدمات محسومة، أتساءل وللسؤال هنا صفة الاستنكار، لماذا لم يتقدم محمد بنطلحة للجائزة ذاتها، وهو الذي نحت وينحث نصوصه وتجربته برؤية ووهج شعري آسرين بعيدا عن ضجيج القافلة، والمتحكمين في مساراتها ؟ وهل الشواعر والشعراء الذين منحوا الجائزة مؤخرا أكثر شعرية واشتغالا من الشعراء:محمد عرش ومصطفى ملح، وصباح الدبي، وأمينة المريني، ومصطفى الشليح، وأبو يكر متاقي؟. 5- الوضع الثقافي والشعري بالمغرب معقد وملتبس، الكل يزغرد مرددا مقولة قولوا« العام زين ألولاد»3، ولا أحد يملك جرأة السؤال، وفك شفرات الوضع، وفضح المسكوت عنه، لقد طفح الكيل، الكل صار يهيم بثدي المؤسسات الثقافية الرسمية ويستمتع بجودة حليبها، عبر النشر والطبع والنشر، ولا أحد يفضح، و عندما اجتهد وزير الثقافة الأسبق بنسالم حميش لاستئصال بعض أورام وضع منطق العشيرة، تكالب الكل ضده، وأشهروا السيوف وحروب الردة، لا لشيء سوى لأنه أراد أن يرسي مناخا ثقافيا وإبداعيا جديدين، يقطع صبيب المال الذي ظل مطمح أسماء بذاتها، والمفجع أن بعض الأصوات التسعينية روَّجت للوهم في بداية ظهورها، ثم تخلَّتْ عن أغنيتها فيما بعد، واتخذتْ من التملق والتسول ذريعتين، وخططتْ للوصول بأقل مجهود، غير عابئة بظلال صورتها البهية، التي حُفرت في ذاكرتنا ووعينا ذات لقاءات وملتقيات إبداعية تقاسمنا هواءها مرارا، فتعددتْ سفرياتها ووجهاتها ومسوغاتها، إما لأنهم يخططون لعمل إبداعي، أو يكتبون الشعر والقصة والنقد، وهم الأجدر بتمثيل المغرب في تظاهرات غذا أمر المُشارك أو المشارَكة فيها محسوما، لذلك أضحوا كصقور الوهم، يتحاشون الحديث معك عبر الموقع الاجتماعي « الفايس بوك » ، ويتهافتون على التقاط الصور مع الأعلام الإبداعية والفكرية والنقدية، والذين يملكون دورا للنشر ببيروت ودمشق ومصر، وأخذ هواتفهم النقالة، وعناوينهم، أملا في دعم مشروعهم «النفعي»، وتكريس مشروعهم الباهت، لأنهم أدركوا ألا جدوى من أن تملك ذواتهم روحها، ولم يعودوا ،في الحقيقة، يملكون رأسمالا أخلاقيا، ولأن الكتابة لا تخلد إلا الممتنون لأخلاقها واعتباراتها، فإن أدعياء صداقتها ذاهبون إلى الجحيم بتعبير سارتر. 6- تحية للقاص أحمد بوزفور الذي اعتذر عن تسلم جائزة المغرب للكتاب في سنة ماضية، وتحمل بضمير إبداعي خلاق تبعات الامتناع الشهير، لكن لا احد يستطيع أن يمنع عنه وعنا هواء الكتابة التي هي شرايين حياته وحياتنا، ووجوده الحقيقي ووجودنا، بينما الوجود التي تزكيه الجائزة أو الجوائز فمآله الزوال. هوامش: 1- نسبة إلى كلمة *الفيتو* المستعمل في السياسة 2- مثل عامي في اللهجة المغربية 3- مثل عامي يتداوله المغاربة *شاعر وكاتب من المغرب [email protected]