بعد أن كان أحد أبرز الوجوه المحافظة في الإدارة الأمريكية الحالية، اختار مستشار الأمن القومي السابق، جون بولتون، تدوين تجربته في مذكراته، التي حملت انتقادات لاذعة للرئيس دونالد ترامب، وسلطت الضوء على جوانب من أحاديثه مع زعماء دول أجنبية. وفي الوقت الذي ينتظر أن تصدر فيه هذه المذكرات خلال الأسبوع المقبل، كشفت وسائل إعلام أمريكية بعض المعطيات التي وصفها ترامب ب"السرية"، كان أبرزها حديث بولتون عن طلب رئيسه من نظيره الصيني، تشي جي بين، مساعدته للفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة، التي ينتظر أن ينافس خلالها، المرشح الديمقراطي المفترض، جو بايدن. هذه المذكرات تضمنت تشريحا جوهريا وتعتبر الانتقاد الأكبر للرئيس ترامب من داخل إدارته، حسب الإعلام الأمريكي، ما يضع ترامب في مواجهة مباشرة مع واحد من أبرز المسؤولين السابقين في إدارته. وتمت إقالة بولتون من منصبه من طرف ترامب خلال سبتمبر الماضي، بسبب اختلاف مواقف الرجلين بشأن التعامل مع عدة ملفات خارجية، كان أبرزها ملف كوريا الشمالية وإيران. وكشف بولتون أنه كان يدون أحاديث ترامب بشكل كامل، وأنه كان يريد نشرها بالتعابير التي وردت به خلال هذه المحادثات، لكن المراجعات التي تقوم بها الأجهزة الحكومية منعته من القيام بذلك. وتقوم أجهزة استخباراتية بمراجعة الكتب التي ينشرها مسؤولون أمريكيون سابقون أو حتى موظفون في سلالم متدنية في الإدارات الأمريكية، وذلك من أجل الحيلولة دون نشر معطيات حساسة أو سرية. كواليس محادثات ترامب وذكرت جريدة "واشنطن بوسط" الأربعاء أن المذكرات المؤلفة من 592 صفحة، تضمنت انتقادات كثيرة لتدبير الرئيس ترامب لعدة ملفات، كما أنها عرضت سلسلة طويلة من المواجهات التي وصفتها ب"المقلقة" بين الرئيس وكبار مستشاريه، وكذا المحادثات التي جمعت بين ترامب وقادة دول أجنبية. وفي تفاصيل طلب ترامب المساعدة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، أورد المصدر ذاته أن بولتون كشف في كتابه أن هذا الطلب كان في الاجتماع الثنائي الذي جمعه مع الرئيس الصيني خلال قمة الدول العشرين، التي عقدت خلال يونيو العام الماضي، وشدد خلالها على مضاعفة الصين وارداتها الزراعية من الولاياتالمتحدة ما سيساعد في كسبه لأصوات الفلاحين الأمريكيين خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة. وخلال الاجتماع ذاته، ذكر بولتون، أن الرئيس الصيني اشتكى لترامب من الانتقادات التي يتعرض لها نظامه في الولاياتالمتحدة، فيما ربط الرئيس الأمريكي هذه الانتقادات ب"الديمقراطيين"، وحاول استمالة الجانب الصيني لصالحه. ومن الكواليس التي وردت في تسريبات مضامين الكتاب، كشف بولتون أن الرئيس ترامب "اقتنع إلى حد كبير"، برأي نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، حول الأزمة في فينزويلا، خلال مكالمة هاتفية جمعت بينهما، في ماي العام الماضي، وحينها قارن بوتين بين زعيم المعارضة الفنزويلية، خوان غوايدو، وهيلاري كلينتون، المرشحة الديمقراطية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية السابقة. وإلى جانب ذلك، ذكرت جريدة "وول ستريت جورنل"، أن الكتاب تضمن أيضا، كواليس محادثات جمعت بين الرئيس الأمريكي ونظيره التركي، رجب طيب أردوغان، وحينها وجه ترامب انتقادات لاذعة للمدعين الأمريكيين في نيويورك. تفاصيل هذا الموضوع، يقول بولتون، ترتبط بتسليم أردوغان لمذكرة تدعي براءة إحدى الشركات التركية التي كانت متابعة من قبل محققين في ولاية نيويورك، فيما كان جواب الرئيس الأمريكي بأنه "سيهتم بالموضوع، وأنه سيقوم باستبدال المسؤولين عن ذلك"، والذين تم تعيينهم من قبل الرئيس السابق، باراك أوباما. أما فيما يخص تعامل ترامب مع أوكرانيا، والذي كان سببا في تصويت مجلس النواب لعزله من منصبه، قال بولتون إنه "لم يوافق على قرار وقف المساعدات العسكرية الموجهة لأوكرانيا"، معتبرا بأنه "حاول مواجهة هذا القرار داخل الإدارة، وقام بإبلاغ وزير العدل ويليام بار بشأن ترامب وضغطه على الرئيس الأوكراني من أجل فتح تحقيق حول هانتر بايدن، نجل منافسه المحتمل في الانتخابات، جو بايدن". ترامب: عمل إجرامي رفضت الإدارة الأمريكية الحالية نشر هذا الكتاب، لدرجة توجه وزارة العدل، للقضاء من أجل إيقاف نشر الكتاب الذي ينتظر أن يكون متوفرا في الأسواق بداية من الأسبوع المقبل، إذ أعلنت الوزارة عن رفعها دعوى قضائية ضده، بحجة أنه يتضمن معطيات سرية. ووصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في حديث مع الصحفيين في البيت الأبيض هذا الكتاب ب"العمل الإجرامي"، معتبرا أنه "من غير المقبول أن يقوم بولتون بنشر هذا الكتاب". واعتبر الرئيس الأمريكي أن "أي محادثة أجراها هي معطيات سرية ولا ينبغي أن تنشر مضامينها"، مشددا على أن "بولتون يخرق القانون، ومعروف عنه أنه يكذب دائما"، وفق تعبيره. أما وزير العدل الأمريكي، ويليام بار، فقد أشار هو الآخر إلى أن "الأشخاص الذين يشتغلون لصالح الحكومة ويطلعون على معطيات حساسية، يوقعون على اتفاق يلزمهم بضرورة سلك واستكمال مجرى قانوني قبل نشر أي كتاب قد يتضمن بعض هذه المعطيات، وهذا ما لم يقم به بولتون"، موردا في تصريح له أن "ذلك يعد خرقا لهذا الاتفاق". خطوة متأخرة كان جون بولتون من أكثر المسؤولين المطلوبين في إدارة ترامب، لدى مجلس النواب الأمريكي، خلال جلسات عزل الرئيس التي جرت بين سبتمبر وديسمبر الماضيين للإدلاء بشهادتهم، وهو ما رفضه بولتون، قبل أن يرفض مجلس الشيوخ ذو الأغلبية الجمهورية، بدوره مناداة شهود إضافيين، وإغلاق ملف عزل ترامب. تسريبات الكتاب وما تضمنته، كانت ستعطي الشرعية للاتهامات التي كان يوجهها الديمقراطيون لترامب، بالسعي للحصول على مساعدة دول أجنبية من أجل الفوز في الانتخابات، وهو ما كان سيخدمهم إلى حد كبير خلال جلسات عزل الرئيس، في حالة ما كان بولتون الاستجابة لمجلس النواب، لكنه اختار عدم الإدلاء بشهادته في المجلس، ونشر كواليس الإدارة الحالية عبر مذكراته. وتعد هذه المذكرات هي الأولى من نوعها لمسؤول بهذا الحجم، تنشر في وقت لم يكمل فيها رئيس أمريكي ولايته الأولى، وهذا ما دفع وزارة العدل للسعي لإيقاف نشر هذا الكتاب.