لا أفقه كثيرا في أدبيات الحقيبة الدبلوماسية وما توحيه وتحويه في العادة من الوثائق والتقارير العلنية أو السرية التي ترصد مذاهب البلدان الدبلوماسية وتوجهاتها الاستراتيجية وبرامجها التنموية وتستكشف المواقف المحتملة وتنقل ما يجري ويروج في دهاليز السياسة على ألسنة الرأي العام. غير أني من خلال تجربة دولية متواضعة في مجال إعداد وإنجاز التقارير والخبرات، ومن خلال ما راج في وسائل الاعلام وتدوينة السيدة السفيرة الفرنسية، هلين لغال (Hélène Le Gal)، بشأن لقائها مع السيد شكيب بن موسى، السفير رئيس اللجنة المكلفة بإعداد تقرير حول النموذج التنموي المغربي المرتقب، وتفاعل هذا الأخير مع القضية، وهو رجل معروف بشيم التواضع والذكاء والتحفظ، يتبين لي أن تقديم تقرير أولي بشأن "تقدم الأشغال" له عدة دلالات تقنية متعارف عليها في أدبيات الخبرات الكبرى، سواء منها الوطنية أو الدولية، نسوقها في ستة عناصر مهنية أساسية: أولا: التقرير الأولي عامة ما يشكل النواة الأساسية للخبرة–أهمية ومنهجا وفلسفة وإنجازا ووضوحا في الرؤية والأهداف والتنظيم والكفاءة والخطط العملياتية لإجراء الخبرة على الأرض، وما يأتي بعده يعد بمثابة تراكم للمعرفة بناء على استثمار التوجه المنهجي الأولي. ثانيا: تقرير "تقدم الأشغال" يعتبر مساءلة إدارية-تقنية ومالية عمودية تناط بسلطة رئيس أو مدير المشروع الذي قد يكون هو معد أو صاحب دفتر التحملات، ومن حقه والحالة هاته أن يعرف مدى مطابقة الخبرة لروح الكناش لتسديد الواجبات المادية المتفق عليها مع الخبير. ثالثا: إن الانتقال إلى المرحلة الثانية في إعداد التقرير لن يتم إلا إذا رضي صاحب المشروع على نجاح الخبير في احترام كل البنود المتعلقة بالخبرة المطلوبة أثناء تقديم التقرير الأولي. ويبدو أنه من خلال تغريدة السيدة السفيرة الفرنسية المعنية، وشكرها للسيد رئيس اللجنة وزميلها السفير السيد شكيب من موسى على تقديمه لها ما أسمته بالتقرير الأولي، كانت راضية وضمنيا مزكية للتقرير، وربما قد تكون قد أوصت وعبرت عن رغبتها الأكيدة في تسلم نتائج المرحلة الموالية في إنجاز التقرير المفيد والمبدع والخلاق لتكون نظرتها شاملة وكاملة في متابعة العمل الكلي الموكول لصاحب الخبرة بغية استثمار نتائجه وأفكاره في مآرب أخرى. رابعا: إن تقديم التقرير الأولي يكون دائما موضوع مصادقة أو تحفظ من طرف مدير المشروع بشأن تقدم الأشغال، وعلى أساسه تصرف التعويضات المالية لمباشرة القسم الموالي. ولا يجوز للخبير إفشاء نتائج البحث أو نشر أو تملك البحث إلا للهيئة التي لها الصلاحية في تدبر مصير الخبرة. خامسا: إن اللقاء الدوري والدائم مع مدير المشروع يكون دائما فرصة سانحة لمعرفة مراحل تطور الخبرة من خلال الاطلاع على الاختيارات والأولويات المحددة لتوجهاته الكبرى بغرض التصحيح والمصاحبة والإثراء أو النصح. سادسا: إن التقرير النهائي يمكن أن يكون موضوع تقييم عام، سواء من طرف الجهة التي تدبر المشروع/مدير المشروع والخبير، أو من خلال إشراك خبراء وفاعلين آخرين لتقييم الخبرة المنجزة.