قال الحسين الرامي، رئيس المركز المغربي للدراسات وتحليل السياسات، إن جائحة كورونا لا يجب أن تمر دون أن يستقي منها المغرب الدروس والعبر؛ وأول الدروس "التوقف عن عملية التسويف، والمرور إلى المعالجة الجذرية للهشاشة بكل أشكالها، اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وقيميا، وتحقيق السيادة الاستراتيجية في القطاعات الحساسة وذات الأهمية القصوى". الرامي، الأستاذ الباحث بجامعة ابن زهر، زاد، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن من الدروس كذلك "الإجابة عن سؤال التنمية المستدامة والعادلة، وتحقيق التوازنات المجالية والاقتصادية والاجتماعية، من أجل الاستعداد الدائم والمستمر لكل التوقعات والطوارئ والأزمات". وأضاف أنه "لا مجال بعد اليوم لهدر الزمن ولهدر المال العام في قطاعات هامشية وغير استراتيجية، بل أحيانا في مجالات غير ذات أولوية بالنسبة إلى الأمة، ولا مجال بعد اليوم لتأجيل تنزيل مبادئ الحكامة الجيدة للشأن العام؛ من قبيل المقاربة التشاركية والديمقراطية والشفافية والمراقبة والتقييم والمحاسبة". مظاهر الهشاشة وباء كورونا أماط اللثام عن الكثير من مكامن الخلل في العديد من القطاعات بالمغرب، لذلك يورد الرامي، الأستاذ الباحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير، أن "الوباء كشف عن مظاهر الهشاشة بكل أشكالها في المجتمع المغربي، إذ توقفت جميع الأنشطة وبشكل فجائي، توقف العمال عن ممارسة أنشطتهم، مع انقطاع المدخول وما نجم عنه من تدني القدرة الشرائية". ملفتا النظر، كذلك، إلى "الارتباك الذي عرفته المنظومة الصحية؛ ضعف بنيات الاستقبال والتجهيزات الطبية، ونقص في الأطر الصحية من أطباء وممرضين وغيرهم، كما نجمت عن ذلك تأثيرات على القيم ونفسية المواطن وقدرته على تحمل الصدمة، كالقلق والاضطراب والعنف". ولم يفوت المتحدث نفسه التأكيد على هشاشة المنظومة التربوية، من خلال "توقف المدارس والمعاهد والجامعات، نظرا إلى عدم جاهزيتها لضمان استمرارية الخدمات عن بعد رغم المحاولات المبذولة، وتعليق جميع الأنشطة العلمية، من مؤتمرات وندوات وأيام دراسية. لقد أصبح هاجس الأسر هو استمرار الأبناء في تلقي التعليم وتفادي الاضطرابات النفسية لفلذات كبدهم". أما من حيث تأثير الجائحة على قطاع البحث العلمي، فقد أورد المتحدث عينه أن "الجميع أصبح ينظر إلى المختبرات ومدى جاهزيتها وقدرتها على إجراء التجارب والأبحاث والدراسات، وينتظر نتائج مطمئنة ويترقب تصريحات الباحثين والعلماء والمهندسين". أما من حيث الفاعلين المؤسساتيين الأساسيين، المنخرطين في عملية التعبئة ضد الوباء بمستويات مختلفة، فقد أكد الباحث نفسه أنه "يمكن تسجيل الأدوار التي قامت بها المؤسسة الملكية ورئاسة الحكومة في التصدي للوباء، من خلال مؤسسة المجلس الوزاري ومجلس الحكومة، هذا بالإضافة إلى وزارة الصحة ووزارة الاقتصاد والمالية والداخلية والتجارة والصناعة والخدمات والتكنولوجيات الحديثة والاقتصاد الرقمي، من خلال المتابعة اليومية للتدابير المتخذة والحرص على تنزيلها على أرض الواقع". مغرب ما بعد كورونا سألنا الباحث الحسين الرامي عن تصوره لمغرب ما بعد كورونا، فأكد أنه "يمكن تصور مغرب يختلف بشكل كلي عن مغرب ما قبل زمن كورونا إن توفرت مجموعة من الشروط؛ منها ما يتعلق بتغليب منطق المصالح العليا للوطن والمواطن بعيدا عن الحسابات السياسوية، واحترام مبادئ الحكامة الجيدة واختيار الكفاءَات". مضيفا أنه "يمكن تصور مغرب يتبنى نموذجا تنمويا جديدا ومغايرا يجعل الإنسان في قلب أولوياته. مما يستوجب طرح مجموعة من التساؤلات والبحث عن الأجوبة الحقيقية، التي من شأنها أن تشكل المدخل الجوهري لمعالجة إشكالات الهشاشة". داعيا إلى الاستفادة من "التساؤلات التي سبق أن طرحت حول عدد من القضايا التنموية، والتي قد نجدها متناثرة هنا وهناك في عدد من التقارير الصادرة عن مؤسسات وطنية ودولية، وفي مجموعة من الدراسات والأبحاث الأكاديمية". ومن ضمن ما يجب القيام به، يقول الرامي، "إعادة بناء منظومة تربوية ناجعة وقادرة على القيام بأدوارها ووظائفها، وبناء منظومة صحية قادرة على مواجهة كل الطوارئ والأزمات والأوبئة، وتأهيل القطاعات الأخرى الاستراتيجية؛ مثل القطاع الفلاحي والصناعات المحلية، وتخليق الحياة العامة وتنزيل مبادئ الحكامة الجيدة". القطاعات المهمة بعد كورونا جوابا عن سؤال هسبريس حول القطاعات التي يجب أن يعطيها المغرب أولوية كبيرة في مغرب ما بعد كورونا، قال الدكتور الرامي إنه "يجري الحديث الآن عن نموذج تنموي جديد، وهو ما يجرنا لطرح التساؤلات حول طبيعة النموذج التنموي الحالي ومرتكزاته الأساسية ومضامينه وأسباب تعثره أو فشله في تحقيق الأهداف التنموية المبتغاة، والانعكاسات المترتبة عن هذا الفشل، ومسؤولية الفاعلين الأساسيين في كل مراحل هذا النموذج؛ من الإعداد مرورا بالتنزيل إلى المراقبة والتقييم والمحاسبة". مردفا أن "تحديد القطاعات التي يجب أن تشكل أولوية في مغرب ما بعد زمن كورونا، يستوجب طرح تساؤلات أخرى حول طبيعة النموذج التنموي الجديد الواجب وضعه، وما هي منطلقاته المرجعية ومرتكزاته الأساسية ومضامينه وأولوياته والمقاربات الممكنة لضمان ربح رهاناته". التربية والبحث والصحة والفلاحة زاد رئيس المركز المغربي لتحليل السياسيات: "يمكنني التأكيد على أهمية التركيز على 3 أولويات أساسية لا مناص من الشروع بها، لرسم المعالم المستقبلية لأية مقاربة تروم تحقيق رهانات التنمية المتوازنة في كل أشكالها، ويتعلق الأمر بالمنظومة التربوية والبحث العلمي والمنظومة الصحية والقطاع الفلاحي". وللتفصيل في هذه القطاعات المهمة، أكد المصدر عينه أن "المنظومة التربوية والبحث العلمي أولوية الأولويات في النموذج التنموي الجديد لمغرب ما بعد كورونا، لاعتبارات كثيرة مرتبطة، أساسا، بكون الاستثمار في الرأسمال البشري هو المدخل الأساسي لكل عمل تنموي مستدام وعادل". وتأتي في المرتبة الثانية، حسب الباحث نفسه، "المنظومة الصحية باعتبارها أولوية أخرى لضمان الاقتصاد السليم، واعتبارا لكونها تهم صحة المواطن وتقوية قدراته الجسدية والذهنية الضرورية للعمل والعطاء. فتحسين الصحة والتغذية يؤثر إيجابا وبشكل عميق على الدخل، وله آثار عميقة على القدرات المعرفية والعمل وغيرها". وزاد الباحث ذاته أن "للقطاع الفلاحي أولوية هو الآخر، لكونه هو القطاع الضروري لضمان السيادة الغذائية، وهو ما يستوجب إعادة ترتيب الأولويات، وتشجيع المنتجات الغذائية الاستهلاكية، بدلا من الاستيراد من الخارج ووضع حد للتبعية في المجال الغذائي".