مع تزايد بؤس الممارسات السياسية، الذي أصبح محط إجماع وطني في المغرب، ومع تراجع الاهتمام بتدبير الشأن العام والانخراط في الحياة العامة والمشاركة من طرف المفكرين، حيث اضطر معها عاهل البلاد الملك محمد السادس إلى توجيه تنبيهات ورسائل للنخبة السياسية المغربية، كي تغير من سلوكها وزوايا نظرها للعمل السياسي، في أكثر من خطاب ومناسبة. ومع الظرفية الراهنة إلى أي حد تمكن السياسي من الالتحاق بركب الواقع المحلي والدولي؟ يعيش المشهد السياسي المغربي حالة فراغ متمثلة في الأسئلة الكبرى الموجهة للمرحلة في علاقة الدولة بالمجتمع، وعلى غير المتوقع، فقد خيب السياسي هذه المناسبة التي كانت فرصة له ولبلده من أجل تغيير واقعه البئيس، هذا الواقع المتمثل في إهمال الإشكالات الرئيسية والذي يطرح أهمية مساءلة الأسباب التي جعلت الواقع السياسي في حالة جمود، والأحزاب تتراجع في دورها كوسيط بين الدولة والمجتمع، ليكون أكبر همها الوصول وممارسة السلطة بمقتضى شرعية الانتخاب، مما جعل المجتمع يفقد الثقة في العملية السياسية برمتها، ومن ثمة فإن الأحزاب تصبح متجاوزة، لا سيما أن أفق الخطاب السياسي للأحزاب لا يستوعب هواجس المجتمع الاجتماعية منها والسياسية، ولا يتحمل المسؤولية التي ما فتئت تنتشر في الوعي المجتمعي، ما يطرح التساؤل حول حالة الشتات في النقاش السياسي العام. إن واقع المشهد السياسي المغربي الذي يتسم بحالة الجمود، نظرا لغياب أدوار الفاعلين من قوى سياسية ونخب ومن ثمة فإن ما يقوم به الإعلام من إغراق الرأي العام في مجال بعيد عن القضايا الرئيسة، ليس مخرجا من الأزمة التي يعيشها مجتمعنا، وإنما يجب ربط المجتمع ارتباطا وثيقا بمناخ سياسي حديث يستوعب قيم العصر السياسية، بعيدا عن الخطابات والخرجات التي تطبع السياسي من هنا وهناك. حيث يحمل خطابه السياسي جملة من المفارقات والتناقضات. ونظرا لارتباط قضايا المجتمع على مستوى الحسم والقرار بالسلطة، فإن هذه القضايا تستوجب نقاشا سياسيا وفكريا وإبداء المواقف وأيضا تقارب بين المفكر والسياسي لكي لا يظل هذا الأخير يسبح في فلك لوحده. لذا يجب على السياسي الالتزام بمجموعة من القيم التي تحتم عليه المساهمة الفكرية والعملية في الأخذ بيد المجتمع، لا سيما إبان الفترات الحرجة والمنعطفات الكبرى. إن جائحة كورونا مكنت الشعب من مراجعة عدد من المفاهيم والقناعات وأعادت التوازن إلى العلاقة مع السياسي والدولة والعلم والفكر، كما أن أزمة كورونا أظهرت حقيقة العديد من الأوجه التي لا تسعى إلا للربح وتحقيق مصلحتها الخاصة ولو على حساب الصالح العام، لقد أدرك المواطن اليوم أن الدولة بمؤسساتها وتحت قيادة ملك البلاد هي الساهرة على أمنه وحياته ولم تعد له ثقة في ما عدا ذلك، الذي يفرض على النخبة إعادة ترتيب أوراقها مع المجتمع بعيدا عن الحملات الانتخابية، فمعظم الأحزاب السياسة المغربية غارقة في الخلل وعدم الانسجام وبالتالي فاقتحام الشباب والمفكرين الميدان السياسي بات ضروريا، لأن العالم يتغير وبسرعة، وهذه التغييرات خارجة عن سيطرة تلك الأحزاب، وهنا نؤكد على أن الكفاءة المطلوبة فكرية وسياسية وذات مشروع يهم أفراد المجتمع. إن تأكيد الملك محمد السادس، خلال ترؤسه افتتاح الدورة الأولى من الولاية التشريعية العاشرة، في 11 أكتوبر السابق على أن "المرحلة الجديدة تبدأ من الآن، وتتطلب انخراط الجميع، بالمزيد من الثقة والتعاون، والوحدة والتعبئة واليقظة، بعيدا عن الصراعات الفارغة، وتضييع الوقت والطاقات". إنما هو تأكيد يظهر القصور لدى السياسي وعدم مواكبته التغيرات مما يضيع على الأمة كاملة فرصا للتاريخ. *طالب باحث في ماستر التواصل السياسي.