قال المنتصر السويني، الباحث في المالية العامة بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن أزمة "كوفيد 19" أبانت عن قوة العقل المالي للدولة في رسم وبلورة السياسات المالية والاقتصادية التي تلائم المخاطر في زمن الأزمات. جاء ذلك خلال ندوة نظمها عن بعد الفرع الجهوي بطانطان التابع للمركز الدولي للبحث العلمي متعدد التخصصات، بتعاون مع جامعة القاضي عياض، وكلية الحقوق بمراكش، ومركز الدراسات الإستراتيجية وتحليل السياسات، ونادي الموظف بطانطان، وفضاء المعلومة القانونية، مساء الخميس، حول إشكال "التحديات والرهانات السياسية والمالية والاقتصادية بالمغرب لما بعد الجائحة بالمغرب: مقاربات متعددة". وفي معرض ورقته، في الجلسة الأولى من هذه الندوة العلمية التفاعلية، سلط السويني الضوء على إشكال "هل استطاع الفاعل العمومي ببلادنا الانتقال من التدبير العادي إلى التدبير الاستثنائي؟"، فخلص إلى غياب شبه تام للفاعل البرلماني أو حتى الحكومي في شخص رئاسة الحكومة بهذا الخصوص. ولتعزيز طرحه استحضر الباحث الجامعي إشكال موقع رئيس الحكومة من رئاسة لجنة اليقظة الاقتصادية من طرف وزير المالية، مشيرا إلى أنه "كان ضبابيا وغامضا، ما يطرح علامات استفهام عدة حول الشخصية المعنوية لمؤسسة رئاسة الحكومة". وأكد المنتصر السويني، خلال شرح تصوره في هذه الندوة، "إمكانية تحويل جائحة كورونا من محنة إلى منحة، وبالتالي جعلها فرصة حقيقة للانخراط في بناء مشروع مجتمعي مغربي حداثي". وبهذه المناسبة، أوضح امحمد الغالي، الباحث بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن أزمة كورونا ساعدت الفاعل العمومي على الانتباه إلى جملة من الإكراهات والمتطلبات المجتمعية. وأبرز الغالي، في معرضه ورقته، أن "هذه التحديات يمكن حصرها في نوعين؛ الأولى وهي داخلية يسهل على الفاعل العمومي رصدها ومواجهتها، فيما الثانية لا يمكن توقعها، وهي تحديات جيو- إستراتيجية، تتطلب من الدولة العمل على مقاربتها ومعالجتها بكل الآليات والوسائل الضرورية والممكنة". أما عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا الجديدة، خالد حمص، فأشار إلى أن "أهم التحديات التي يمكن أن تواجه منظومتنا الاقتصادية هي إكراه تفادي التضخم وتجنب تعميق العجز 'الموازني' ببلادنا"، وواصل مؤكدا أن "رهان الدولة اليوم هو السهر على الاستفادة من الاستثمار الخارجي لتعزيز موقع المملكة إستراتيجيا"، حسب تعبيره. وفي الجلسة الثانية حاول إدريس الفينة، الخبير الاقتصادي بجامعة محمد الخامس بالرباط، حصر أهم التحديات التي تواجه بلادنا في ظل الجائحة وما بعدها في "إكراه إنعاش الاقتصاد الوطني، والخروج من الأزمة بأقل الأضرار الممكنة، وكذا تحدي ضمان الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد ما بعد الجائحة". أما مداخلة أستاذة المالية العامة بجامعة القاضي عياض السعدية بورايت فركزت على "أبرز الإكراهات والتحديات التي تواجه اليوم ماليتنا العمومية، سواء في زمن الوباء أو ما بعده"، مبرزة أن "الفرضيات التي بني عليها القانون المالي لسنة 2020 لم تعد صالحة"، وتابعت: "هكذا دفعت جائحة 'كوفيد 19' صناع القرار المالي على صعيد الدولة إلى مراجعته (قانون المالية) من خلاله بلورة مشروع قانون مالي تعديلي سيرى النور في المقبل من الأسابيع". وأكد أستاذ التعليم العالي بجامعة القاضي عياض سعيد بوفريوى، من جهته، أن "محطة وباء كورونا ستشكل بالنسبة للجنة الملكية المكلفة بصياغة معالم النموذج التنموي المرتقب خارطة طريق لبناء تصورات جديدة وتجاوز كل ما من شأنه أن يقف حجر عثرة أمام هذا المخطط التنموي"، ثم دعا "الفاعلين العموميين إلى الاستفادة من هذا الدرس التاريخي".