بعد عشرة أسابيع على حجر صحي يعد واحدا من بين الأكثر تشددا وصرامة في العالم، بدأت إسبانيا تسريع عملية التخفيف التدريجي للقيود المفروضة في إطار حالة الطوارئ الصحية، المعلنة في البلاد منذ 14 مارس الماضي، يشجعها في ذلك التحسن الملحوظ في الوضعية الوبائية، وتراجع عدد حالات الإصابة والوفيات جراء فيروس "كوفيد 19"، وكذا الضرورة المحلة والاستعجالية للعودة إلى الوضع الطبيعي في أقرب وقت ممكن، من أجل إعادة الانتعاشة والحيوية للاقتصاد الوطني. وكمؤشرات دالة على هذا السعي الحثيث للسلطات الإسبانية، من أجل رفع تدابير الاحتواء التام ومحاولة العودة إلى الوضع الطبيعي، بعد توقف وإغلاق شمل كل مناطق البلاد واستمر لحوالي ثلاثة أشهر، تم السماح أمس الاثنين لجهة مدريد وبرشلونة وجزء كبير من جهة كاستيا وليون، التي كانت لا تزال ضمن "المرحلة صفر" من مخطط التخفيف التدريجي للقيود المفروضة، من الانتقال إلى المرحلة الأولى من هذا المخطط؛ وهي المرحلة التي سبقتها إليها العديد من الجهات والأقاليم قبل نحو أسبوعين من الآن. وأصبح بإمكان سكان هذه الجهات، التي تعتبر الأكثر تضررا بجائحة فيروس كورونا المستجد والذين يمثلون نسبة 53 في المائة من عدد سكان إسبانيا ( حوالي 52 مليون نسمة ) بمقتضى هذا الإجراء الانضمام إلى ساكنة جهات فالنسيا وبعض المناطق الصحية بجهة كتالونيا وأقاليم مالقة وغرناطة وطوليدو وسيوداد ريال وألباسيطي التي ظلت إلى حدود هذا الأسبوع ضمن المرحلة الأولى من مخطط رفع القيود المفروضة وتدابير الحجر الصحي . وخلال المرحلة الأولى من هذا المخطط التي يطلق عليها المرحلة الأولية من رفع العزل التام يمكن للمتاجر الصغيرة استقبال الزبناء دون موعد مسبق في حين يسمح للمطاعم والمقاهي بأن تعيد فتح أبوابها ولكن بطاقة محدودة لا تتعدى نسبة 50 في المائة كما يسمح بالتجمعات على ألا تزيد عن 10 أشخاص . كما تشمل هذه المرحلة إعادة فتح أبواب الفنادق والمنشآت السياحية من دون المناطق والفضاءات المشتركة الداخلية التي يمكن للعملاء أن يتجمعوا فيها إلى جانب فتح أماكن العبادة ولكن بطاقة محدودة لا تتعدى الثلث مع إلزامية ارتداء الأقنعة الواقية . وكان حوالي 47 في المائة من سكان البلاد ( 22 مليون نسمة ) موزعين على العديد من الجهات والأقاليم قد انتقلوا الأسبوع الماضي إلى المرحلة الثانية من هذا المخطط الذين يتضمن أربع مراحل وينتهي أواخر شهر يونيو المقبل وهي المرحلة التي تسمح بشكل خاص بإعادة فتح الفضاءات الداخلية للمقاهي والمطاعم بطاقة لا تتعدى الثلث مع فتح دور السينما والمسارح بطاقة محدودة لا تتجاوز 30 في المائة وكذلك إعادة فتح دور العبادة بطاقة 50 في المائة . وأكدت حكومة بيدرو سانشيز التي تعرضت لانتقادات شديدة من قبل المعارضة عن تدبيرها لهذه الأزمة الصحية خاصة ما يتعلق بالتباطؤ في عملية رفع تدابير الإغلاق الشامل أنها مستعدة لتقليص المدة التي تستغرقها كل مرحلة من مراحل التخفيف التدريجي للقيود المفروضة خاصة بالنسبة للجهات والأقاليم الأقل تضررا من الجائحة بحيث يمكنها أن تخرج من الاحتواء الشامل قبل نهاية شهر يونيو المقبل مع السماح لسكان هذه المناطق بالسفر والتنقل بين حدود هذه الجهات والأقاليم . وأعلن بيدرو سانشيز رئيس الحكومة الإسبانية الأحد الماضي أنه " إذا لم يحدث أي خطأ فإن بعض الجهات التي تتمتع بنظام الحكم الذاتي الأقل تضررا من تفشي الوباء سيسمح لها برفع حالة الطوارئ في غضون أيام قليلة " مشددا على أن " الجزء الصعب قد انتهى لقد تغلبنا على الموجة الكبيرة لهذا الوباء " وأكثر من ذلك أعلنت الحكومة الاسبانية أمس الاثنين في محاولة منها لتسريع وتيرة العودة إلى الوضع الطبيعي وإعادة الحيوية لمفاصل ومكونات الاقتصاد الإسباني أن الحجر الصحي المفروض على السياح الأجانب سيتم رفعه ابتداء من فاتح يوليوز المقبل وذلك من أجل تمكين قطاع السياحة الذي يعد ركيزة أساسية ومحورية في الاقتصاد الإسباني من معاودة الانطلاقة وتنظيم الموسم السياحي الصيفي . وأوضح بيدرو سانشيز خلال ندوة صحفية عن بعد من مقر رئاسة الحكومة ( قصر لا مونكلوا ) أنه " سيكون هناك موسم سياحي هذا الصيف " مشيرا إلى أنه سيتم استئناف عودة ودخول السياح الأجانب إلى إسبانيا انطلاقا من شهر يوليوز المقبل . وأشار إلى أنه مع منتصف شهر يونيو تقريبا ستتمكن بعض المناطق والأقاليم من استئناف أنشطتها السياحية من خلال تفعيل " برنامج صيفي" في جميع أنحاء البلاد اعتبارا من شهر يوليوز مضيفا أن الجزء الصعب قد انتهى لقد تغلبنا على الموجة الكبيرة لهذا الوباء " . ويبقى " الأمن والاستدامة " الركيزتان الرئيسيتان اللتان تقوم عليهما خطة إعادة إنعاش القطاع السياحي الإسباني التي اعتمدتها الحكومة الإسبانية وهي تجدد التزامها بضمان الأمن والسلامة للسياح الأجانب وعدم تعرضهم لأية مخاطر . ويأتي قرار الحكومة رفع إجراء الحجر الصحي المفروض على السياح الأجانب ابتداء من فاتح يوليوز المقبل ليؤكد مرة أخرى عزم السلطات الإسبانية على استئناف أنشطة مختلف القطاعات الحيوية بالنسبة لاقتصاد البلاد وهو ما شددت عليه آرانشا غونزاليس لايا وزيرة الشؤون الخارجية والاتحاد الأوربي والتعاون حين كتبت تغريدة على حسابها على موقع ( تويتر ) جاء فيها " سيتم رفع الحجر الصحي عن السياح الأجانب ابتداء من فاتح يوليوز وهو التاريخ الذي ستتم خلاله عملية إعادة فتح الحدود والأجواء الإسبانية تدريجيا في وجه السياحة الدولية " . وقالت غوزناليس لايا " لقد خلفنا الفترة الأصعب وراءنا وسنقوم في شهر يوليوز المقبل بالفتح التدريجي للأبواب في وجه السياح الأجانب ورفع إجراءات الحجر الصحي كما سنضمن أعلى معايير الصحة والسلامة " مشيرة إلى أن هذا القرار " لم يتخذ تحت ضغط أية جهة لكنه جاء كنتيجة لجهد الجميع " . وعلى الرغم من التقدم الذي حققته إسبانيا في مكافحة تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد الذي حصد حتى الآن أرواح 26 ألف و 834 ضحية مع 235 ألف و 400 حالة إصابة مؤكدة تواصل الحكومة دعوة المواطنين إلى توخي المزيد من الحيطة والحذر والتحلي بالمسؤولية ومواصلة احترام التدابير والإجراءات التي تفرضها حالة الطوارئ التي من المقرر أن تستمر حتى 7 يونيو المقبل وذلك من أجل تجنب عودة انتشار الوباء . ومع اقتراب إسبانيا من ربح هذه المعركة يتوق الكثيرون إلى رؤية رفع القيود وإنهاء الاحتواء الشامل حقيقة مجسدة على أرض الواقع بينما يظهر البعض الآخر قلقا وتخوفا من احتمال عودة موجة ثانية من هذا الوباء كما حدث في دول أخرى.