منذ أن ظهرت ببلادنا أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد أو ما يسمى "كوفيد -19"، الذي ما انفك يحصد آلاف الأرواح بمختلف بلدان المعمور، دون أن تتمكن الأبحاث الجارية بعد من إيجاد العلاج الفعال لتخليص الإنسانية من الرعب الذي يسكنها. واتخاذ السلطات العمومية مجموعة من التدابير الاحترازية والاستباقية مفضلة حياة المواطن على الاقتصاد الوطني، التي أدهشت العالم ونال صداها استحسان عديد البلدان المتقدمة وإشادة كبريات الصحف العالمية حيث تم التعامل مع مكافحة الجائحة بسرعة فائقة وحزم ومسؤولية، عبر تعليق الرحلات الجوية والبحرية، توقيف الدراسة بالمؤسسات التعليمية، إغلاق المطاعم والمقاهي والقاعات الرياضية والترفيهية وغيرها، الدعوة إلى الالتزام بقواعد النظافة والسلامة الصحية واستعمال الكمامة الواقية والتباعد الاجتماعي، فرض الحجر الصحي وعدم مغادرة البيوت إلا في الحالات القصوى والإعلان عن حالة الطوارئ، وما تلا ذلك من تضامن شعبي واسع وامتثال للتعليمات الاحترازية وإطلاق المبادرات الإنسانية، وفي مقدمتها المبادرة الملكية السامية المتمثلة في إحداث صندوق خاص بمواجهة تداعيات الأزمة الصحية والاجتماعية والاقتصادية، فتح بشأنه حساب بنكي ورقم هاتفي أمام الأشخاص والمؤسسات العامة والخاصة وغيرها بهدف جمع التبرعات... والمساعدات تكاد لا تتوقف في جميع أرجاء البلاد، إلا أن هذه المساعدات فيها ما يندرج فقط في إطار العمل التطوعي والجمعوي لنيل رضى الله والضمير لاسيما في الشهر الفضيل رمضان، وفيها كذلك ما هو مغلف بغطاء سياسي، استعدادا للاستحقاقات التشريعية القادمة المزمع تنظيمها عام 2021. إذ كشف الوباء عن ظهور ملايين الأسر المغربية المعوزة وفئات عريضة من المحتاجين، يعيشون تحت وطأة الفقر والهشاشة. إذ فضلا عما تم رصده من دعم مالي لثلاثة أشهر يتراوح ما بين 800 و2000 درهم شهريا للأسر المتضررة، التي تجاوز عددها خمسة ملايين أسرة استفادت من صندوق تدبير جائحة "كورونا"، وفق تصريح لوزير الداخلية عبد الوافي لفتيت بمجلس النواب، وضح فيه أن المستفيدين ينقسمون إلى: 800 ألف شخص من المتوقفين مؤقتا عن العمل والمسجلين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، و2,3 مليون من أرباب الأسر المتوفرين على بطاقة نظام المساعدة الطبية "راميد"، ومليونان من الأسر غير المنخرطة في نظام "راميد" والعاملين في القطاع غير المهيكل. فإن ذلك لم يكن كافيا لمنع الكثيرين من خرق الحجر الصحي في ظل غياب مقومات العيش الكريم وعدم توصل الجميع بالدعم والمساعدات، مما أدى إلى خروجهم بحثا عن موارد رزق أخرى أو إعانات غذائية إضافية أو للاحتجاج. منهم من يحاول تدبر مصروفه اليومي بشتى السبل، ومنهم من يتجه صوب المقاطعات أو أي مكان آخر تصله أصداء عن توزيع المساعدات به، ومنهم كذلك من ينخرط في التظاهر تنديدا بحرمانه منها، كما هو موثق في بعض الفيديوات الملتقطة من كل الجهات، التي تظهر تجمهر عشرات المواطنات والمواطنين دون نظام ولا كمامات واقية ولا أدنى احترام للتباعد الاجتماعي، مما ساهم في ظهور بؤر وبائية في عدد من الأسر والأحياء... وفي الوقت الذي تجند فيه عدد من الجمعيات والشباب المغاربة، حسب ما تمليه عليهم روح المواطنة الصادقة وقيم التكافل بإطلاق حملات تضامنية واسعة، إن على مستوى منصات التواصل الاجتماعي أو الاتصال المباشر، لإسعاف الأسر والأشخاص الأكثر تضررا من أرامل ومطلقات ومسنين ومصابين بأمراض مزمنة، والتخفيف عنهم من آثار الجائحة والإجراءات الاحترازية، معتمدين في ذلك على جمع التبرعات من المحسنين وتجهيز قفف المؤن الغذائية الأساسية ومواد النظافة الضرورية، وتوزيعها على البيوت المستهدفة. ورغم أن وزارة الداخلية شددت على عدم السماح لأي كان بتوزيع المساعدات على الأسر المتضررة، ونبهت إلى مغبة استغلال الظرف الصعب في الاستغلال السياسي وتعريض صحة وسلامة المواطنين لمخاطر انتقال عدوى الوباء إليهم، متخذة مجموعة من الإجراءات الصارمة، من خلال دعوة الولاة والعمال إلى الإشراف على هذه العمليات حتى لا تنحرف عن أهدافها الإحسانية الصرفة، وحرص المنتخبين والمحسنين على ضرورة التنسيق مع المصالح المعنية بخصوص كيفية توزيع المساعدات... فإن هناك برلمانيين وأعضاء جماعات يصرون على تجاهل التعليمات، والتمادي في التلاعب بعقول المستضعفين واعتبارهم مجرد أصوات انتخابية، مرجحين مصالحهم الشخصية والحزبية الضيقة في توزيع المساعدات وتحويلها إلى شكل من الرشاوى المغلفة بالعمل الخيري. حيث لوحظ في أكثر من إقليم أن هذه المساعدات تتم بطرق ملتوية، إذ غالبا ما تخضع لمعيار الحسابات السياسوية والانتخابوية وتحكمها المحسوبية والولاء لأعوان السلطة، مما أضر كثيرا بمبدأ التضامن الوطني، علما أن الجهات الوحيدة المخول لها حق التكفل بتوزيع هذه الإعانات بحياد وعقلانية وشفافية، هي السلطات المحلية والإقليمية. وهو ما أثار استياء عديد الجمعيات والمنظمات النقابية والمواطنين الغيورين، الذين جعلوا من منصات التواصل الاجتماعي منبرا لفضح ما يجري من حملات انتخابية سابقة لأوانها، بواسطة مشاهد ولقطات تخص بعض المنتخبين الذين يوزعون المواد الغذائية على الفقراء والمعوزين، دون حتى احترام حالة الحجر الصحي واتخاذ الإجراءات الكفيلة بالحد من تفاقم الحالة الوبائية. مقرف حقا استمرار استغلال الظروف الصعبة التي تمر منها الأسر الفقيرة، من خلال توزيع المساعدات الغذائية عليها من أجل تحقيق أهداف سياسوية ودعائية ضيقة خلال فترة الحجر الصحي، تحت عنوان التلاعب بلوائح المستفيدين وإقصاء أعداد كبيرة من المحتاجين وذوي الاحتياجات الخاصة والمتاجرة بالمآسي الإنسانية، فضلا عن عدم الانضباط للقوانين...