لا يمكن لأي كان من “الساخطين” مهما بلغ به الجحود بالوطن، وعدم الإقرار بفعالية الأفكار التي يبلورها ملك البلاد محمد السادس في اتجاه المصلحة العليا للبلاد والعباد، وما يستتبعها من مبادرات إنسانية سامية أو ابتكار حلول لعديد الإشكاليات، أن ينكر فضائل الصندوق المحدث بتوجيهاته من أجل تدبير ومجابهة التداعيات الصحية والاقتصادية والاجتماعية لفيروس كورونا المستجد “كوفيد -19″، ومدى مساهمته الإيجابية في تجنيب البلاد الكثير من المزالق والمخاطر. فبمجرد ظهور الإصابة الأولى بالفيروس الفتاك الذي شغل دول العالم وشعوبها منذ بداية العام الجديد 2020، ومازال كبار العلماء والخبراء في سباق محموم بحثا له عن علاج ناجع أو لقاح مضاد، يخلص الإنسانية من خطورته. واتخاذ السلطات العمومية ما يلزم من الإجراءات الاحترازية والاستباقية، للحد من انتشاره والحفاظ على صحة وسلامة المواطنات والمواطنين، أصدر الملك تعليماته للحكومة في 15 مارس 2020 بإنشاء صندوق لمواجهته بحزم، رصد له مبلغ عشرة مليارات درهم، وحددت مهامه في التكفل الفوري بالنفقات المتعلقة بتأهيل الآليات والوسائل الصحية، من حيث توفير البنيات التحتية المناسبة أو المعدات والتجهيزات الضرورية، فضلا عن دعم القطاعات الأكثر تضررا، وتخفيف معاناة الأسر الفقيرة وتلك التي فقد أربابها موارد رزقهم اليومي. وكان طبيعيا التفاعل السريع للخزينة العامة للملكة، التي وضعت رهن إشارة المواطنين والفاعلين الاقتصاديين مجموعة من الآليات: أنترنت، حساب بنكي وخط هاتف، لجمع التبرعات والانخراط في إغناء رصيد “صندوق مكافحة “كوفيد -19″”، وكان عاهل البلاد سباقا إلى إعطاء القدوة عبر تبرعه بمبلغ ملياري درهم، ومن ثم تهاطلت المساهمات بقوة من لدن مختلف الفئات المجتمعية باختلاف مراكزها وأدوارها وحسب القدرات المادية من الداخل والخارج، بالإضافة إلى عدد كبير من المقاولات العمومية والخاصة والمؤسسات الوطنية والهيئات المهنية وغيرها. فانخراط المغاربة في التعبئة عبر إطلاق حملات تكافل واسعة بتوزيع المنتجات الغذائية والمساعدات المالية منذ إغلاق المقاهي والمطاعم والقاعات الرياضية والترفيهية والحمامات ومحلات الحلاقة… يؤكد على أن المغرب قوي بوطنية أبنائه البررة وتلاحمهم وتكتلهم عند الشدائد والأزمات، حيث أنه عرف منذ عقود أشكالا رائدة من التضامن والتعاضد بين جميع شرائحه الاجتماعية في المدن والقرى والحواضر والأرياف، مرتكزا في ذلك على تعاليم ديننا والقيم الإنسانية المتوارثة عن الأجداد، التي تستدعي ترسيخها في أذهان أبنائنا والحفاظ على توهجها. وتزخر صفحات التاريخ بعدة نماذج وأمثلة تشهد بأن التضامن شجرة مباركة ذات جذور عميقة في الثقافة المغربية، ولا يمكن لآي كان كيفما كانت قوته أن يقتلعها من صدورنا. فالمغاربة يحظون بمكانة محترمة لدى جميع البلدان والشعوب، وخاصة العربية والإفريقية لما عرف عنهم من شهامة وإيثار، وعدم التردد في تقديم المساعدات سواء في الحرب أو السلم. ولا أدل على ذلك أكثر من مبادرة الملكية الأخيرة، والمتمثلة في دعوة قادة بلدان إفريقية إلى إنشاء تحالف إفريقي من شأنه الإسهام في التمكين من تبادل التجارب والخبرات والعمل على بلورة إطار عملياتي للتضامن مع البلدان الأكثر ضعفا في مواجهة فيروس “كوفيد -19”. وبالعودة إلى صندوقنا، نجد أن العمل بما حدده من مهام انطلق منذ البدايات الأولى للاستفادة من موارده المالية، بتخصيص مبلغ ملياري درهم لصالح قطاع الصحة، على أن يستخدم بالدرجة الأولى ووفق التعليمات الملكية في جلب معدات طبية وتأهيل المراكز الاستشفائية، بتوفير ألف سرير للإنعاش وحوالي ستمائة جهاز للتنفس، ومائة ألف جهاز لأخذ عينات للتحليل وعدد آخر مماثل للكشف السريع، ثم أجهزة الأشعة وشراء الأدوية والمواد الصيدلانية والغازات الطبية ومواد التعقيم والتنظيف والوقود… وأن تستمر عمليات إمداد المنظومة الصحية بما يخصها من وسائل إلى حين نهاية المعركة الشرسة ضد الجائحة المقيتة، وتحقيق الفوز عليها بأقل الخسائر الممكنة. وبالرغم مما عانته لجنة اليقظة الاقتصادية الملتئمة لمواجهة تأثيرات الجائحة من صعاب عند بداية عملها، وهي تحاول إيجاد الصيغ المناسبة وتحديد معايير استفادة الفئات المعوزة والمتضررة من التوقف القسري عن ممارسة أنشطتها الاقتصادية، فإنه بفضل تظافر الجهود والتحلي بالصبر ونكران الذات، وبعد سلسلة من الدراسات والمشاورات، تمكنت في الأخير من الاستقرار على وضع عدة تدابير كفيلة بتيسير مأموريتها في منح الدعم للأسر المستهدفة، التي كانت تعمل في القطاع غير المهيكل وفقدت مورد رزقها بسبب الحجر الصحي، وأن يتم ذلك على مرحلتين: وقد همت المرحلة الأولى الأسر المسجلة في نظام المساعدة الطبية “راميد”، التي انطلق توزيع الدعم عليها ابتداء من 6 أبريل، فيما همت المرحلة الثانية الأسر غير المستفيدة من “راميد” يوم 23 أبريل 2020. وجاءت المساعدات المالية موحدة بالنسبة للأسر في المرحلتين: (800 درهم) للأسر ذات الفرد الواحد أو اثنين، و(1000 درهم) لثلاثة إلى أربعة أشخاص، و(1200 درهم) للتي يفوق عدد أفرادها أربعة. وبصرف النظر عما رافق توزيع الإعانات في المدن والقرى من تنظيم محكم وامتثال المستفيدات والمستفيدين للشروط الصحية من حمل الكمامات واحترام مسافة السلامة، فإن الأهم من ذلك هو أن يستخلص أصحاب القرار الدروس والعبر من هذه التجربة المرة، التي كشفت بوضوح تام عن حجم هشاشة آلاف الأسر المغربية والواقع المزري لقطاعي الصحة والتعليم، مما يستدعي التعجيل بإخراج السجل الاجتماعي الموحد والعمل على تجاوز النقائص المسجلة، فور الخروج من هذه المحنة بسلام.