أثارت الدراسة الرسمية الصادرة نهاية الأسبوع عن المندوبية السامية للتخطيط حول سيناريوهات رفع الحجر الصحي الكثير من الجدل، خصوصاً أن أحد السيناريوهات توقع أن يُصاب 17 مليون مغربي بفيروس كورونا المستجد في حالة رفع الحجر الصحي بشكل شامل. وجاء في الدراسة أنه في حالة رفع الحجر الصحي بشكل كامل دون تطبيق تدابير الحماية الذاتية، سيصل إجمالي الأشخاص المُصابين إلى 50 في المائة من السكان (17 مليون نسمة) بعد مائة يوم فقط، كما سيعرف النظام الصحي تجاوز قدرته الاستيعابية خلال 28 يوماً. وتفاعل عدد من المغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي مع مضامين الدراسة بكثير من الاستغراب، حيث اعتبروا أن تقديراتها مبالغ فيها كثيراً، كما تساءلوا ما إذا كانت المندوبية السامية للتخطيط، وهي مؤسسة رسمية، مؤهلة لدراسة تطور الأوبئة. ونجد أن المندوبية السامية للتخطيط أشارت في تقديم دراستها إلى أنها قد تبدو "شاذةً" مقارنةً بالدراسات التقليدية التي تقوم بها، بينما لها قرابة مع الدراسات المستقبلية التي سبق أن أنجزتها حول مواضيع ذات طابع اقتصادي وجيو-استراتيجي. ورغم أنه لا يوجد نموذج قادر على استيعاب كل التعقيدات المرتبطة بانتشار مرض "كوفيد-19"، إلا أن المندوبية ارتأت استعمال النمذجة الرياضية واعتبارها أداة مفيدة للغاية لدراسة الأوبئة الناجمة عن الأمراض المعدية. واعتمدت المندوبية السامية للتخطيط، التي يرأسها أحمد الحليمي، على نموذج "SIR" الذي تم تطويره في عام 1924 من قبل "Soper" و"Kermack" و"McKendrick" لفهم سلوك جائحة الإنفلونزا الإسبانية لسنة 1918، ويُعتبر الأكثر استخداماً في علم الأوبئة الرياضية. ويتعلق الأمر، حسب المندوبية، بنموذج ديناميكي مُجزأ بمنظومة معادلات تفاضلية تتمحور حول عدد التكاثر (R0) للفيروس وتطوره بالموازاة مع انتشار الوباء، كما توفر النماذج الإحصائية لدراسة الظواهر نقطة بداية لتقدير محددات أو معاملات نقل العدوى الرئيسية وتوقعات تأثير الوباء بواسطة دالات رئيسية تمكن من ضبط توسع الوباء. وتُوجد ضمن المحددات، "الدالة اللوجستية المعممة" (fonction logistique généralisée) من أجل نمذجة تطور حالات الإصابة المتراكمة، و"الدالة الغاوسية" (Fonction gaussienne) لتقدير اتجاه عدد المُصابين النشيطين. واستندت المندوبية في استخدام هذه الأدوات الرياضية والإحصائية إلى المعطيات الديمغرافية والسوسيو-اقتصادية والصحية للسكان المتأتية من الإسقاطات السكانية لسنة 2020، والبحث الوطني حول التشغيل لسنة 2019، والبحث الوطني حول السكان وصحة الأسرة لوزارة الصحة سنة 2018، إضافة إلى المُعطيات المتعلقة بالوباء المتأتية من وزارة الصحة. وتعليقاً على هذه الدراسة، يرى إدريس الفينة، خبير اقتصادي رئيس المركز المستقل للتحليلات الاستراتيجية، أن ما تضمنته من توقعات بخصوص سيناريوهات تطور الجائحة "يبقى فقط فرضيات جُلها غير واقعي، وبالتالي لا يمكن أن يُعتد بها في صناعة القرار". وأضاف الفينة، في حديث لهسبريس، أن "هذه الفرضيات ليست قريبة من الواقع البتة"، وشرح قائلاً: "فمثلاً فرضية رفع الحجر وعدم احترام القواعد الصحية التي تُعطي إجمالي إصابات في حدود 17 مليون مصاب، هي فرضية غير جدية". وذكر المتحدث أن "مثل هذه الأشغال يجب الحرص على أن تُحاط بالعلمية والمعرفة بكل ما يجري من تطورات في العالم بخصوص الجائحة، لأن حالة المغرب ليست معزولة، وبالتالي كل السيناريوهات المحتملة لا يمكن أن تخرج عن أقصى حالات الإصابة في العالم، الدنيا منها والمتوسطة والقصوى". وأورد الفينة أنه "يمكن اعتماد السيناريو الذي مرت منه الدول التي خرجت من الحجر الصحي من خلال تبني مؤشراتها الاستراتيجية"، وأوضح قائلا: "في هذا الباب، وتبعاً للحسابات الرياضية التي قُمت بها، فإن عدد الإصابات التي يمكن أن يصلها المغرب لن تتعدى 246 ألف إصابة كما حصل في الدول التي كان فيها الفيروس أكثر انتشاراً، وهو سيناريو ضعيف الاحتمال". أما إذا جرى اعتماد المتوسط العالمي، فيتوقع الفينة ألا يتجاوز عدد الحالات 22 ألفاً. وإذا تم اعتماد مسار الدول التي خرجت من الحجر الصحي، فإن عدد الحالات في المغرب لن يتعدى 97 ألف حالة كأقصى تقدير. أما عدد الوفيات، فسيكون محصوراً بين 1500 و8500 وفاة كأقصى تقدير في كل السيناريوهات المدروسة أعلاه.