يرتقب ما بعد مرحلة كورونا أن يواجه الاقتصاد المغربي مصيرا غامضا إلى حد غير مسبوق، إذ ستتأثر عدة قطاعات مرتبطة بسلسلة القيم الدولية كالسيارات، والإلكترونيات وصناعات النسيج، نظرا لأن المملكة المغربية مرتبطة باتفاقيات للتبادل الحر مع أكثر من خمسين بلدا. وبدأ الخبراء يقيمون فرص استعادة الاقتصاد المغربي عافيته، بعد انحسار الوباء، لكن برؤية وأسئلة مؤرقة، من قبيل: هل ستمضي الدولة المغربية بقوة على طريق الانتعاش الاقتصادي؟ وهل ستحافظ كل القطاعات الاقتصادية على بقائها؟ إلى أي حد يمكن الحديث عن انقراض قطاعات معنية؟ وما الأنشطة الاقتصادية الجديدة؟ وإلى أي حد يمكن القول بظهور أدوات إنتاج مناسبة لما بعد "كورونا"؟. إبراهيم دينار، أستاذ الاقتصاد بجامعة الحسن الأول بسطات، أوضح لهسبريس أن "الاقتصاد المغربي بعد "كورونا" سيواجه تحديات وتغييرات مرجحة، منها أنشطة اقتصادية ستزول، وأخرى ستقاوم، وقطاعات جديدة ستفرض نفسها"، وواصل: "العمل الإداري من الأنشطة التي من المتوقع أن تغير الحكومة المغربية والشركات الكبرى نظرتها حوله، بعد اعتماد العمل عن بعد (كقطاع البرمجة الرقمية، والتقنيين، والصحافة والكتاب)"، وأرجع ذلك إلى أن "الموظفين نجحوا في العمل داخل المنزل بنسبة 100%". "أما القطاع الذي سيتضرر أكثر فهو القطاع غير المهيكل، فمهن عمرت آلاف السنين ستختفي، كمهنة الباعة المتجولين والباعة في الأسواق الشعبية، مخافة نشرهم المرض، وأيضا لظهور تصرفات بشرية غير صحية وغير وقائية"، يضيف المتحدث نفسه. وتابع الأستاذ الجامعي: "التعليم الكلاسيكي سيعرف المصير نفسه، فحكومات العالم سارعت إلى إطلاق منصات التعليم الإلكتروني مع قرارات غلق الجامعات والمعاهد، ولذلك فالتعليم الافتراضي سيفرض نفسه كبديل"، وأكد أن "التجارة التقليدية ستعاني هي الأخرى مع نجاح عملية الرقمنة، وحلول المتاجر الإلكترونية". وحسب المصدر ذاته فالتجارة الإلكترونية ستكون بديلا للتجارة الكلاسيكية، فالتبضع عن طريق الإنترنيت سيمكن الإنسان من التوصل بأي منتوج بالمنزل دون عناء التنقل، في ظل الحجر الصحي، وما بعده". وأبرز دينار أن مهنا وصناعات جديدة ستظهر، منها العمل "بالروبوتات"، إذ من المرتقب أن يتجه العالم الصناعي للعودة إلى صناعة "الروبوتات"، التي توقفت في السنوات الأخيرة لدواعي أخلاقية، فالآلات الذكية لن تعاني من أمراض فتاكة مستقبلا، وستقوم بمساعدة الأطباء في المستشفيات، والاتصال بالمرضى ومراقبة صحتهم. "ومن المهن المرتقب ظهورها التطبيب عن بعد، لأنها عملية قليلة التكلفة، وعالية الراحة"، يورد دينار، مؤكدا أن "الذكاء الصناعي artificielle Intelligence مكن العلماء بالصين وكوريا الجنوبية من الوصول إلى التسلسل الجيني للفيروس "سارس-كوف- 2"، خلال فترة ثلاثين يوما فقط، مقارنة بعدة أشهر لكشف التسلسل الجيني لفيروس "سارس الأول" في 2003". واستنتج دينار أن "الذكاء الصناعي سيشكل مستقبلا بديلا في جل القطاعات، من التجارة الدولية واللوجيستيك، مرورا بالطب والميكانيك وبمجال الهندسة الوراثية وعالم الجينات الحيوية". وأشار المتحدث إلى "تطور الاهتمام بالبيانات الضخمة "BIG DATA"، الذي يعنى بمعالجة مجموعة من المعلومات التي يستعصي تخزينها باستعمال الحواسيب الكلاسيكية؛ لذا فهذا النظام سيساهم في اكتشاف أدوية جديدة، وتقييم انتشار الفيروس؛ إلى جانب رقمنة العمل، فالعالم خاض اليوم أكبر تجربة عبر التاريخ باستخدام أدوات العمل عن بعد مثل زوم(ZOOM) وتيم(TEAM) الخ، والتي تشهد زيادة كبيرة كل يوم". "أما القطاعات التي ستعاني فهي قطاع السياحة، الذي سيعرف تراجعا كبيرا هذه السنة بسبب انتشار وباء كورونا، ما سيؤثر حتما على الناتج الإجمالي المحلي وخلق مناصب الشغل (حوالي 11 %)..وقطاع السيارات ستعرف صادراته انخفاضا يقدر ب 22,8٪، عوض ارتفاعها ب1,1٪"، يورد دينار، وفي نظره فقطاع النسيج هو الآخر مهدد "لأن صادرات الملابس، التي تساهم ب11٪ في مجموع الصادرات الوطنية ستعرف تراجعا بسبب انخفاض الطلب الخارجي الموجه نحوها وخاصة من أوروبا بنسبة 4.3٪". وأكد خبير الاقتصاد أن "صادرات الفوسفاط ومشتقاته، التي تُشكل حوالي 17 في المائة من مجموع الصادرات المغربية، ستتضرر بسبب انخفاض الطلب الخارجي، وستتقلص قيمتها ب 40 في المائة في ظل تراجع الأسعار دوليا". ووفق الأستاذ الجامعي فإن القطاع البنكي سيعاني بسبب تضرر شركاء المغرب، وأبرزهم فرنسا، "لأن البنوك الأوروبية عانت من انخفاض حاد في سوق الأسهم، ما سيؤثر على أداها في المغرب؛ وسينعكس ذلك على مشاريع تنموية كبرنامج "انطلاقة" لدعم وتمويل المقاولات، كما سيتعرض قطاع العقار الذي يساهم بنسبة 14 في المائة من الناتج المحلي لتعميق مشاكله، كالركود الذي يعيشه منذ بضع سنوات في ظل تراجع القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار". وختم إبراهيم دينار بالقول: "ستعاني البلاد بعد زوال الجائحة من إشكالية تدفق الاستثمارات الأجنبية الخارجية في جل القطاعات، رغم أن المغرب يعتبر ثالث بلد أفريقي جذبا للاستثمارات الدولية، بسبب الركود الذي ستعرفه القارة العجوز على مختلف المستويات"، وبحسبه فقطاع المقاولات تشكو نسبة90٪ منه (خمسة ملايين مقاولة) من حالة الجمود حاليا "لغياب أنشطتها المعتادة، ومن الصعب عليها أن تعود كما كانت لأسباب بنيوية وهيكلية، خصوصا النشيطة في معاملتها مع الخارج".