تمهيد بعد الإعلان الرسمي عن تأثر المغرب بفيروس كورونا بدأت النقاشات حول الوضعية الصحية للمغاربة و كيفية الخلاص من هذا الوباء، و ضمن هذه المناقشات ذكر الأطباء والمختصون في التغذية أن الذي يتمتع بمناعة قوية لا يؤثر فيه فيروس كورونا وإن أصابه، فبدأ الناس في اقتناء واستهلاك المواد التي تقوي المناعة لديهم، متناسين أن المناعة تنبنى لعدة شهور أو لسنوات عدة وليس في اللحظة ذاتها، بمعنى أن من لديه مناعة قوية سيواجه المرض بكل سهولة و من ليست لديه هذه المناعة فيتولاه الله سبحانه، وكذلك الشأن بالنسبة للاقتصاد الذي كان من الأجدر أن يتوفر على مناعته الداخلية وأن يكون محصنا من التأثيرات الخارجية و الصدمات التي قد تأتي بشكل مفاجئ كهاته التي نعيشها اليوم. يهدف هذا المقال إلى المساهمة في تشخيص هذا الوباء وتأثيراته على الاقتصاد المغربي مع طرح بعض الاقتراحات الرامية إلى الخروج السلس من الأزمة وبناء إستراتيجية التعافي الاقتصادي وذلك مع التركيز على التدابير التي تمكن المغرب من عدم العودة إلى الأزمة من خلال تحصين الاقتصاد الوطني من كل أزمة قد تحدث في المستقبل. غير خاف أن الاقتصاد المغربي يعتمد أساسا على الاستهلاك الداخلي والتجارة الخارجية والسياحة والفلاحة لذا، نحاول تحليل حالة هذه القطاعات بالمغرب بعد تأثرها بتدابير مكافحة جائحة كورونا. وحيث إننا نعيش حالة الحجر الصحي الذي يعتبر أهم إجراء يلزم التقيد به حرفيا، فإننا نستثمر المعطيات الصادرة عن الجهات والهيئات المتخصصة والمسؤولة عن الوضع الاقتصادي بالمغرب. إن الوضعية التي سنحاول تحليلها بالنسبة للمغرب، ناتجة بالأساس عن الوضعية الداخلية لبعض الدول الخارجية التي تعد من الشركاء الأوائل للمغرب كالصين على وجه التمثيل، حيث تعتبر مصنعا للعالم بأسره. قرائن ذلك كثيرة: أول مستورد للبترول بنسبة 14 % من الاستهلاك العالمي كما تعد الشريك الثالث للمغرب. كما تجدر الإشارة إلى أن العالم سجل كذلك انهيار مجموعة من البورصات ابتداء 20 مارس 2020 كبوصة طوكيو -4.6% وبورصة فرانكفورت -7.9% وبورصة لندر -7.69% وبورصة باريس -8.39% وضعية التجارة الخارجية بالمغرب بعد ظهور الجائحة تشكل التجارة الخارجية بالمغرب 32 % من الناتج الداخلي الخام . كما يصدر المغرب حوالي 50% من منتوجاته إلى دول الاتحاد الأوربي. والحال أن هذه الدول تعرف الآن تراجعات مهمة في معاملاتها الخارجية. إذ ينتظر أن تتراجع صادراتها ووارداتها بحوالي 66% . ونظرا لتوقيف الإنتاج بالصين بسبب جائحة كورونا عبر إغلاق جل المصانع الصينية، فإن الواردات الصينية ستنخفض بحوالي 10% كما ذكر ذلك والي بنك المغرب. إضافة إلى ذلك، سينتقل عجز الميزان التجاري إلى 3.5 % من الناتج الداخلي الخام بالنسبة لسنة 2020. كما سيتقلص إلى 2.5% برسم سنة 2021. وبالارتكاز على المصدر نفسه ستصل الاستثمارات الخارجية إلى 3% من الناتج الداخلي الخام. وضعية القطاع الفلاحي بالمغرب بعد ظهور الجائحة لقد أثرت قلة التساقطات المطرية على مدى متتاليتين على القيمة المضافة للقطاع الفلاحي التي ستتراجع بنسبة 3% أو 2.7% بالنسبة لبنك المغرب. الأمر الذي تعود عليه المغرب وكان يعد له السياسات الملائمة للتصدي لآثاره. غير أن ظهور الجائحة مرافقا لموسم جاف جعل من تدبير المرحلة أصعب وأعقد. لقد أنتجت الوضعية ارتفاعا في الأثمنة الفلاحية بنسبة أعلى من متوسط السوق. وهو الأمر الطبيعي بالنظر إلى تعثر سلسلة التموين الناتجة عن تعثر الوسائل اللوجستيكية عموما، نخص النقل بالذكر. وبالاستناد على بنك المغرب، أسهمت الجائحة في تراجع الأنشطة غير الفلاحية ب 2.9% . ستؤدي هذه الوضعية بشكل آلي إلى ضعف الطلب الداخلي الناتج عن الانخفاض الشديد لمدا خيل الأسر بالعالم القروي المصاحبة لانخفاض الطلب على المواد التجهيزية سواء كانت للفلاحة أو للمنزل . و لا ينبغي أن ننسى أن هذه الإشكالات المرتبطة بالإنتاج والاستهلاك يمكن معالجتها وفقا لمجموعة من الشروط بواسطة تصدير الخضر والفواكه نحو دول الاتحاد الأوربي، المتباطئ إنتاجه لهذه المواد الفلاحية نخص بالتدقيق إسبانيا والبرتغال وإيطاليا. أما فيما يتعلق بالمنتوجات الغذائية التي تشكل وحداتها بالمغرب حوالي 2000، فتعاني من ضعف التموين من المواد شبه المنتهية المعتمد عليها من قبل هذه الوحدات في إنتاجها. إضافة إلى ذلك، أن أغلب هذه المواد شبه المنتهية مستوردة ، و عليه ستؤثر الدولة الموردة سلبا على القيمة المضافة لهذه الوحدات الإنتاجية بالمغرب. وضعية قطاع الصيد البحري بالمغرب بعد ظهور الجائحة لحسن الحظ أن وصول الجائحة إلى المغرب حوالي بداية شهر مارس و هي المدة التي توافقت تماما مع الراحة البيولوجية المخصصة للقطاع، سيؤجل ظهور الأزمة إلى حدود بداية شهر أبريل حيث سيعاني القطاع بدوره من تعثر التموين من المواد الأولية الخاصة بالصناعة السمكية تحديدا. وضعية قطاع النقل بالمغرب بعد ظهور الجائحة يعتبر قطاع النقل من أكثر القطاعات المتضررة من الجائحة، ذلك أن الرحلات الجوية في الشهور القادمة ستنخفظ ب 30% . مما يتسبب في خسارة القطاع ل 728 مليون دولار و فقدان 225000 منصب شغل به، إذ يفترض أن يفقد قطاع النقل الجوي في الشهور القادمة 4.9 مليون مسافر. وبصدد النفل البري الدولي، يتوقع انخفاض أثمنته بحوالي 50% إلى 75% . وضعية قطاع السيارات بالمغرب بعد ظهور الجائحة في ظل هذه الوضعية ستتوقف بعض المؤسسات الضخمة المنتجة للسيارات. مما سينتج عنه فقدان ما يناهز 180000 منصب شغل بقطاع صناعة السيارات، ومن المؤكد أن يعرف المغرب انخفاضا في الطلب الداخلي على السيارات. إذ منطقيا أن الأسر ستوجه نفقاتها إلى حيازة المواد الأساسية للمعيش اليومي والضروري. وهاهنا نحيل على سبيل التوسبع إلى النسب المفجعة التي انحدرت إليها مبيعات السيارات من ألمانيا إلى اسبانيا مرورا على ايطاليا وفرنسا في الأسبوع الأول من شهر أبريل 2020 وفي عز توقع ذروة (Pic) جائحة كورونا. وضعية قطاع النسيج بالمغرب بعد ظهور الجائحة بعدد من المقاولات يصل إلى 1200 وحدة يشغل القطاع حوالي 160000 شخص و هو أول القطاعات الذي يتضرر على مستوى المنبع والمصب حيث يعاني بشكل كبير من مشاكل التموين بالمادة الأولية، وفي نفس الوقت فهو يعاني من مشكل تنازل الطلب الخارجي الناتج عن الجائحة خصوصا أن التموين بالمواد الأولية يأتي من الدولة المتضررة الأولى من الجائحة وهي الصين، وإن افترضنا أن القطاع استطاع الحصول على المادة الأولوية و تحويلها، سيواجه مشكل المنافذ والأسواق، بما أن الطلب الأوربي سيعرف انخفاضا مهما على مستوى المنتوج، خصوصا أن إسبانيا وفرنسا لوحدهما يستهلكان ما يراوح 60% من صادرات القطاع. وضعية قطاع السياحة بالمغرب بعد ظهور الجائحة كما هو معلوم، فإن الصناعة السياحية المغربية المرتبطة بشكل قوي بالسياح الوافدين من منطقة الأورو، التي يفد منها حوالي 55% من السياح، ستفقد المغرب بسبب الجائحة ما يناهز 50000 سائحا قد ينتج عنه فقدان المغرب ل 5 مليون درهم سنة 2020 وستتسبب الجائحة في تهديد 8500 مقاولة بالإغلاق. وعلى المستوى الإجمالي سيفقد القطاع السياحي 6 مليون سائحا أي بمعدل -98% كما سيفقد حوالي 11.6 مليون ليلة، إضافة إلى ذلك فقد يفقد القطاع أيضا حوالي 50000 منصب شغل. وفي السياق ذاته ستنخفظ القيمة المضافة لقطاع الفندقة ب 25% من مجموع الصادرات بعد خسران 14 مليار من رقم معاملاته برسم سنة 2020 . الوضعية العامة بالمغرب بعد ظهور الجائحة إن هذا التشخيص المرتكز على القطاعات الأكثر تضررا من جائحة كورونا يحيلنا إلى الحديث عن الوضعية العامة المفترضة بالمغرب، التي سنبين من خلالها المؤشرات الدالة على بعض التراجعات التي سنستند إليها لاقتراح بعض المحاور، والتي يمكن الاشتغال عليها للخروج من الأزمة التي تسبب فيها فيروس كورونا. وبناء على المعطيات المتوفرة فإن المغرب مهدد بفقدان 30% إلى 40% من مناصب الشغل، أي حوالي 3 إلى 4 مليون منصب شغل مهددة بالاستغناء عن خدماتها، كما أنه، وحسب بنك المغرب فإن معدل التضخم سيستقر في 0.7% سنة 2020 و 1.2% سنة 2021 كما ذكر نفس المصدر أن النمو سيستقر في 2.3%. إلا أن بعض المؤسسات الأخرى أدلت بمعدلات مخالفة تماما لبعضها البعض فقد ذكرت الحكومة مع صندوق النقد الدولي نسبة 3.7% و ذكرت المندوبية السامية للتخطيط نسبة 3.5% التي تراجعت عن رقمها بعد ذلك لتصدر رقمين آخرين و هما 2.2% و2.3% أما المركز المغربي للظرفية الذي يستند إلى فرضيات خاضعة للمناقشة من قبيل التضخم المستقر والمنخفض و ارتفاع قيمة الدرهم بالنسبة للدولار وانخفاضه بالنسبة للأورو وافتراض أن الأزمة ستنتهي في وسط السنة مع التنبؤ بتباطؤ الاقتصاد العالمي بنسبة 2 % كما افترض المركز أن الجفاف سيؤدي إلى انخفاض إنتاج الحبوب إلى أقل من 40 مليون قنطار فقد تحدث عن نسبة 0.8%. و على غرار باقي الدول سيعرف المغرب انخفاضا في الإنتاج نتيجة تعثر سلسلة التموين بالنظر إلى تعثر الملاحة البرية والجوية. بعد هذا التذكير بالمعطيات الضرورية لتبيان أثر الجائحة على الاقتصاد الوطني، يجب أولا تصنيف طبيعة هذه الأزمة من الناحية الاقتصادية و البحث في سبل تجاوزها و عدم العودة إليها، و كما هو معلوم فالأزمة يمكن أن تطال الطلب كما يمكن أن تجهز على العرض و في كلتا الحالتين يختل التوازن الاقتصادي الذي يدفع الدولة إلى البحث في الميكانيزمات الضرورية لمعالجة الاختلالات الناجمة عن الأزمة. لكن ما نشاهده اليوم هو أزمة يصعب تحديد ملامحها، هل هو تدمر وانكماش في العرض أم إفراط فيه، أم هل هو تراجع أم تفاقم في الطلب أم ماذا ؟ ولكن المؤكد هو أننا نعاني اليوم من أزمة مطلقة و عميقة يتغير فيها بشكل متوازي كل من العرض و الطلب اللذان يشكلان القانون المعروف بقانون العرض والطلب، الذي هو أساس التسعير في معظم الاقتصاديات. وبالتالي فأي ارتباك يحدث في واحد من هذين المكونين، فإنه يخلق عدم توازن واضح يمكن أن يؤدي إلى أزمة. ولازلنا في الوقت الحالي ، نتلمس وليست لذ ينا أية خطة محكمة لتجاوز هذه الأزمة بل هناك بعض الإجراءات المتباينة : كضخ الأموال في الاقتصاد (هذا ما تفعله البنوك المركزية هذا الأسبوع). الذي يمكن أن يساعد المقاولات التي لديها مشاكل في رقم معاملاتها ، كما سيساعد ذوي الدخول المحدودة على اكتساب معيشتهم، هذه الإجراءات قد تخفف وطأة الأزمة أثناء الحجر الصحي ولكن ما ذا بعد الخروج من الأزمة الصحية؟ وهذا ما يبين صعوبة هذه الصدمة الصحية والاقتصادية معا. وعليه فإن ما ينبغي الاعتناء به أولا هو المحافظة على حيوية الطلب الداخلي المرتكز بالأساس على القدرة الشرائية لأنه عندما ينخفض الاستهلاك ، ينخفض الطلب و يصبح العرض مفرطًا وغامرًا وتنهار الأسعار وهي الأزمة. خلافا لذلك، عندما ينخفض العرض وتنفد المنتجات، لم يعد من الممكن تلبية الطلب، وتنخفض الأسعار وهي الأزمة أيضا. وضعية الطلب الداخلي بالمغرب بعد ظهور الجائحة إن النتيجة الأولى التي يمكن أن يخلص إليها كل متتبع بسيط لآثار الفيروس على الاقتصاد المغربي، أن التبادل التجاري في العالم سيعرف انخفاضا حاد وبالتالي تصبح قضية الاكتفاء الذاتي فارضة نفسها ولو لفترة محدودة. و حينما نتحدث عن اكتفاء ذاتي فإن الأمر يحيلنا إلى الاعتماد على الذات على مستوى الإنتاج والتوزيع والاستهلاك . وهاهنا يظهر جليا، أن المدارس الفكرية التي كانت تنادي بتدخل الدولة في الاقتصاد كانت محقة و تستند إلى أسس علمية واقتصادية لا يستهان بها. تأسيا على ذلك، ينبغي على الفاعل الاقتصادي أن يأخذ على عاتقه ما أفسده الفيروس. نقصد بالفاعل الحكومة المغربية أو الدولة المشارك في الاقتصاد عبر آليتين لإعادة التوازن الاقتصادي والمالي للبلاد والمحافظة عليه و تطويره وهما: آلية السياسة النقدية و آلية السياسة الموازانتية . وباستحضار التأثيرات الناجمة عن وباء كورونا يصعب الفصل بين كون الأزمة أزمة عرض أو كونها أزمة طلب. مما يصعب معه اختيار السياسة الملائمة. ليصمد السؤال في هذا السياق: هل سيتجه المغرب إلى سياسة إصلاحية للإنتاج؟ و بالتالي التركيز على العرض أو سيتجه إلى سياسة إصلاحية للطلب؟ و كما هو معلوم فإن هناك ارتباطا وثيقا بين طرفي المعادلة وأي تعثر في أحد أطراف المعادلة يؤثر حتما على الطرف الآخر. على سبيل التمثيل إثر ذلك: إذا انخفض العرض الناتج عن انخفاض الإنتاج سينخفض حجم التشغيل المؤدي إلى انخفاض الدخل المسبب لانخفاض القدرة الشرائية المقلصة حتما للطلب على السلع والخدمات. الشيء الذي يحتم انخفاض الأثمان ويجري انخفاض العرض. سنكون إزاء حلقة مفرغة ينبغي تكسيرها في أقرب وقت ممكن. وبما أن التعويل على الدول الشريكة أصبح في هذه الآونة شبه مستحيلا، يتوجب التركيز في إستراتيجية الأزمة على الطلب الداخلي و اتخاذ الإجراءات اللازمة لتقويته والاهتمام به. إن قوة الإنفاق الداخلي هو السبيل الأوحد لتقوية القدرة الشرائية التي بدورها ستقوي الطلب الداخلي المحفز للمنتجين من أجل الرفع من مستوى الإنتاج. إذن فماهية السياسة الاقتصادية التي ينبغي للمغرب أن يتبعها لعدم الوقوع في هذه الحلقة المفرغة ؟ إن ما يقع في العالم من جراء هذه الجائحة يمكن تصنيفه من الناحية الاقتصادية في باب الصدمات الاقتصادية والتي ينبغي أن يستحضرها كل تحليل اقتصادي في هذه الآونة، ذلك أن كل منطق اقتصادي مألوف ومعتاد لا يصلح لهذه الفترة و بالتالي ينبغي الدخول الآن إلى حيز و حقل الاقتصاد ألأزماتي أي بمعنى آخر الخروج عن المألوف و ابتكار وسائل جديدة لتجاوز تداعيات هذه الأزمة، كما يجب ابتكار آليات أخرى تفيد في عدم العودة لهذه الأزمة أو على الأقل الاستعداد الجيد لأزمات أخرى. و للتدقيق أكثر، فإن الخبراء الاقتصاديين قسموا مفهوم الصدمة الاقتصادية إلى قسمين و ذلك ما سموه بالصدمة المتكافئة /المتناظرة/المتماثلة والصدمة غير المتكافئة/ المتناظرة/المتماثلة فالصدمة المتكافئة في الاقتصاد ، هي اضطراب عشوائي يتعلق بالعرض أو الطلب ولكنه يؤثر بشكل خاص على فرع النشاط أو المنطقة أو البلد وفقًا لتخصصه. أما الصدمات غير المتكافئة فهي مشكلة تقع داخل اتحاد نقدي حيث يمكن أن تتأثر دولتان في هذه المجموعة بطريقة مختلفة بهذا النوع من الصدمات عندما يتخلى عن استخدام سعر الصرف كأداة تعديل. ومهما يكن الأمر، فإننا نعيش صدمة صحية أدت إلى صدمة اقتصادية ينبغي تحريك الميكانيزمات الاقتصادية من داخلها والحرص على اتخاذ مفهوم الصدمة كأساس لكل سياسة اقتصادية سيعتمدها المغرب في القريب للخروج من تداعياتها و عدم العودة إليها. وتحت أي شروط يمكن أن يؤثر تراجع الطلب المفاجئ على الاقتصاد المغربي، يجب أن نعكف على دراسة وتحليل طبيعة تأثير الأسعار على الطلب و آثار جمود الأسعار. الأهم من ذلك في نظرنا تحليل و دراسة سرعة رد الفعل للسياسات النقدية و الموازناتية لإصلاح ما أفسده الفيروس و سرعة اختيار السياسة الأنجع. وقد يصبح الأمر أكثر خطورة إذا كان الانخفاض الحاد للطلب يفوق آثار الديون على هذا الطلب، إذا كانت السياسة النقدية لا تتفاعل مع مستويات الأسعار و لا تتفاعل مع النشاط الحقيقي أكثر من التفاعل مع التضخم خصوصا بخمول الأسعار . مما يفرض على البنك المركزي أن يجعل سعر الفائدة معتمدا بشكل أساسي على النشاط الحقيقي وليس فقط على دائرة الاقتصاد النقدي المحض. سياسة نقدية أم سياسة مالية أم هما معا؟ لتحديد الآلية التي ينبغي للدولة أن تتدخل بها، يجدر بنا أن نحدد طبيعة ما يمر به العالم الشيء الذي يصعب تحديده، فهل يتعلق الأمر بأزمة بمعناها الاقتصادي أم يتعلق الأمر بركود اقتصادي أم يتعلق الأمر بانكماش اقتصادي ، ومهما يكن تصنيف وتوصيف المشكل فهل هذه الصدمة تأتي من جانب العرض أم من جانب الطلب أم منهما معا، وعليه فإن الضرورة الملحة إلى موقعة هذه الأزمة و اختيار الأساليب الناجعة لتجاوزها، أصبحت تفرض ذاتها. فماذا تعني أولا، هذه المفاهيم الاقتصادية و ما هي خصائصها وإلى أي حد تنطبق على الوضعية التي عليها الاقتصاد المغربي منذ حدوث الجائحة. مفهوم الأزمة الاقتصادية يمكن الحديث عن أزمة اقتصادية إذا كان هناك تدهور حاد للوضع الاقتصادي للبلد الناتج عن عدم التوافق بين الإنتاج والاستهلاك و تظهر الأزمة الاقتصادية بظهور الخصائص التالية: الزيادة الحادة في البطالة، الانخفاض في الناتج الداخلي الخام، الزيادة في عدد حالات الإفلاس، الانخفاض في القوة الشرائية مفهوم الركود الاقتصادي يعتبر الركود الاقتصادي من الأشكال المعتدلة من الأزمات الاقتصادية، حيث أنها تعتبر فترة تراجع مؤقت في النشاط الاقتصادي ويختلف تعريف الركود الاقتصادي من فضاء إلى آخر ، فبالنسبة للبعض يتم تعريفه على أنه فترة لا تقل عن ربعين متتاليين مع انخفاض في الناتج الداخلي الخام. في بلدان أخرى، نتحدث عن الركود بمجرد أن يكون هناك تباطؤ في النمو، وهذا يعني انخفاض في معدلات النمو، حتى لو ظلت إيجابية. حينما يتأثر الإنتاج الصناعي، وتتأثر التجارة الدولية والعمالة ومستويات الدخل وكذلك استهلاك الأسر يصنف الركود على أنه عام . مفهوم الانكماش الاقتصادي وهو أعمق شكل للأزمة، حيث أنه في الواقع يشكل المرحلة الخطيرة للأزمة ويتميز الانكماش الاقتصادي بتباطؤ كبير ودائم في النشاط الاقتصادي: على مستويات الإنتاج والاستثمار والاستهلاك وتتمثل خصائص الانكماش الاقتصادي فيما يلي: انخفاض الأسعار، ارتفاع مضطرد في البطالة، انخفاض مستمر للناتج الداخلي الخام، النشاط الاقتصادي لا يتعافى بشكل تلقائي، ضرورة تدخل الدولة في الاقتصاد، عدم اعتبار النظام الاقتصادي مسؤولا عن الأزمة. مفهوم صدمة العرض تعتبر صدمة العرض بمثابة تغير كبير وغير متوقع في ظروف الإنتاج الذي يؤثر على المنتجين من خلال تعديل تكاليف إنتاج السلع والخدمات والأسعار ، وهنا نتحدث كذلك عن صدمة الأسعار وقد قسم الخبراء صدمة العرض إلى قسمين: صدمة إيجابية وصدمة سلبية. فإذا دفعت الصدمة إلى زيادة الكميات المنتجة (اكتشاف طريقة جديدة لاستخراج النفط ؛ انخفاض في تكاليف الرواتب للمقاولات؛ تقنية جديدة أكثر كفاءة ؛ تفكيك الكارتل الذي يعيق المنافسة( فإننا سنكون تجاه صدمة عرض إيجابية. أما إذا أجبر المنتجون على تقليل إنتاجهم وبالتالي عرضهم (زلزال يدمر وسائل الإنتاج ؛ جفاف يقلل من الإنتاج الزراعي ؛ زيادة في المواد الخام ؛ تغيير في تشريع يشدد قواعد السلامة أو التلوث ؛ ارتفاع الضرائب على المقاولات ؛ إنشاء كارتل يحد من المنافسة(، فإننا أمام صدمة عرض السلبية. مفهوم صدمة الطلب تعتبر صدمة الطلب بمثابة تغيير غير متوقع ومفاجئ ومؤقت في الطلب على السلع والخدمات وهنا أيضا تم تقسيم صدمة الطلب إلى قسمين: صدمة إيجابية و صدمة سلبية. فإذا ارتفع الطلب فإن الصدمة تعتبر إيجابية وإذا انخفض الطلب تعتبر الصدمة سلبية. وسواء كانت الصدمة مرتبطة بالعرض أو الطلب فإنها يمكن أن تولد فترات أزمات كما يمكنها أن تولد فترات توسع في الاقتصاد كله أو جزء منه. وللتصدي أو الاستفادة من هذه الصدمات باعتبار أنها إيجابية أو سلبية، يحب التركيز على مصادرها و منابعها و محاولة تعديلها أو تقويتها، و تتلخص مصادر الصدمات الإيجابية في: ارتفاع الأجور بعد الإضرابات، زيادة الإنفاق العام، تخفيض ضرائب الأسر، تخفيف الضرائب على المقولات التي تساهم في زيادة الاستثمار، انخفاض أسعار الفائدة على القروض الاستهلاكية وكذا انخفاض الادخار. وفيما يتعلق بالطلب الذي يشكل ذروة سنام النمو و خصوصا في حالة خمول التجارة الخارجية، فإن عواقب صدمة الطلب الإيجابي تتشكل على المدى القصير بارتفاع الإنتاج مع ارتفاع الأسعار و كذا ارتفاع العمالة أما على المدى الطويل فيؤشر لها بارتفاع الأسعار الذي يكون له تأثير تعديلي على الطلب من خلال تخفيضه. من جهة أخرى، يمكن الحديث عن عواقب صدمة الطلب السلبية على المدى القصير و المتمثلة في انخفاض الإنتاج و انخفاض العمالة أما على المدى الطويل فيكون لانخفاض الأسعار تأثير تعديلي على الطلب من خلال زيادته. وكما هو معلوم فإن الطلب الكلي الذي نتحدث عنه يتكون من:استهلاك السلع والخدمات، الاستثمار التجاري في سلع التجهيز، الإنفاق العام على السلع والخدمات العامة، صادرات السلع والخدمات منقوص منها الواردات. و بحكم الوضعية العالمية ينبغي تعديل هذه المعادلة بإلغاء ولو مؤقتا المكون المرتبط بالمعاملات الخارجية من تصدير واستيراد و العمل في إطار الاقتصاد المغلق و المتحكم في ظروفه كما يعد الطلب الداخلي في هذه المرحلة من أهم مكونات هذه المعادلة. و كما يعلم كل المختصين أن هذه المكونات ينبغي أن تساوي حجم العرض أي الإنتاج ليحصل التوازن الاقتصادي المنشود، فالمعول عليه بالدرجة الأولى في هذه المرحلة هو الإنفاق العمومي، و الاستهلاك الداخلي. وكما هو معلوم أيضا، فإن الطلب الداخلي الموجه للسلع يرتبط بشكل عكسي بالدين الحقيقي أي إذا ارتفع الدين الحقيقي يجب أن ينخفض الطلب على السلع و العكس صحيح، ولا ينبغي أن يرتبط بالثروة الحقيقية . لأن الطلب لا يرتفع بانخفاض السعر إلا إذا كان الدين الحقيقي منخفضا. فإذا لم يتدخل البنك المركزي في هذه الحالة بشكل فعال مع مستوى الأسعار ، أو إذا كان رد فعل السياسة النقدية بطيئًا جدًا، فإن الاقتصاد سيستمر في أزمته. الشيء الذي سيؤدي إلى انكماش الطلب. و يحدث وضعية تؤدي إلى ارتفاع مخزون الإنتاج ، لتستمر الأسعار في الانخفاض مع انخفاض سعر الفائدة ، وبالتالي، زيادة الدين الحقيقي وانخفاض آخر في الطلب، مما قد يؤدي إلى وضعية الانكماش عن طريق الدين. وفي حالة حدوث صدمة طلب سلبية أو صدمة تضخم، فإن رد فعل السياسة النقدية السريع مطلوب جدا. و لكن إذا كان رد الفعل هذا بطيئًا للغاية، تكون الدينامييات غير مستقرة، وينخفض التضخم بشكل دائم، ويصبح القيد الإيجابي لسعر الفائدة الاسمي نشطًا. ليظهر سعر الفائدة الحقيقي باستمرار. إضافة إلى ذلك، كلما زاد رد فعل التضخم بسرعة عن التغيرات في الطلب على السلع (قصور رد الفعل للتضخم، توقعات التضخم العقلانية)، لتجنب الاختلاف الديناميكي في التضخم ومعدل الفائدة الاسمي بعد الصدمة، يجب أن يكون رد فعل السياسة النقدية سريعا. في هذه الحالة التي يصبح فيها أداء سوق السلع أكثر تنافسية، يصبح رد الفعل السريع للبنوك ضروريًا. و إذا كان البنك المركزي يركز بالدرجة الأولى على هدف تثبيت الأسعار دون الاهتمام بالهدف الاجتماعي فإن السؤال المطروح: كيف سيمكن لهذا البنك أن يغير من ردود فعل السياستين الاقتصاديتين الموازناتية والنقدية ؟ وغالبا ما يتم التعامل مع عدم تماثل الصدمات من خلال السياسة الوازنانية أهمت الصدمة العرض أم الطلب. ولكن إذا كانت الصدمات متناظرة فهي تؤدي إلى رد فعل للسياسة النقدية ،و ذلك في الاتجاه الذي يؤدي إلى استقرار الأسعار. و تجدر الإشارة أنه في حالة حرية تقلب أسعار الفائدة، فإن السياسة المالية تتفاعل فقط مع صدمات التوريد، عكس السياسة النقدية. أما إذا كانت أسعار الفائدة جامدة، فإن السياسة الموازناتية تتفاعل أيضًا مع صدمات الطلب، بنفس المعنى مثل السياسة النقدية، وعليه و في حالة وجود صدمة تهم الطلب فلا يوجد تضارب في الأهداف في هذه الحالة. أما إذا كان للبنك المركزي هدفا اجتماعيا مثل ما تحاول أن تسعى إليه الحكومة، فإن الاختلافات بين سياسات الموازنة تتفاعل مع الطبيعة غير المتكافئة للصدمات، وتبقى سياسة الموازنة والسياسة النقدية هما الأنجع بالنسبة للصدمات المتناظرة. و إذا لم تكن هناك تكلفة مرتبطة بالتغيرات في أسعار الفائدة أو إذا كانت تكلفة العجز المالي الإضافي كبيرة، فإن السياسة النقدية فقط هي التي تتفاعل مع الصدمات المتناظرة. أما إذا أصر البنك المركزي على هدفه المتمثل في الاقتصار على تحقيق استقرار الأسعار دونما الهدف الاجتماعي، فلن يتم تعديل رد فعل الاختلافات في سياسات الميزانية للاختلافات بين صدمات الدول المختلفة. فإذا لم تأخذ الحكومات في الاعتبار رد فعل البنك المركزي ، فإن صدمات الطلب لن تشكل أي تأثير على نفس اتجاه الإنتاج والتضخم ، ولكن صدمات العرض تؤدي إلى اختلاف بين البنك المركزي والحكومات. وبالتالي و في حالة حدوث صدمة عرض غير مواتية سيحدث عجز كبير جداً في الميزانية. إن كل دولة لديها معدل ادخار خاص منخفض و عجز عام مرتفع مع شرط وجود تنقل دولي لرأس المال مرتفع يكون دينها الخارجي مرتفعا أيضا. في هذه الحالة ، وإذا ما افترضنا أن الصدمات تسير في اتجاه الزيادة المسبقة في الطلب على السلع في الدولة المدينة ذلك أن هناك انخفاض إضافي في معدل الادخار ، وزيادة في العجز العام ، وزيادة التقدم التقني الذي يساهم في تقوية حركية رؤوس الأموال، وإذا كان تأثيره الأساسي هو زيادة الاستثمار. فأول شيء ينبغي الاهتمام به هو الطريقة المثلى التي ينبغي إتباعها لتعديل عواقب هذه الصدمات إذا كانت الديون والأصول الخارجية مرتفعة. كما ينبغي الانكباب على دراسة ما يجب أن يكون عليه رد فعل السياسة النقدية في حالة ارتفاع السعر النسبي للخدمات نسبة إلى أسعار المنتجات الصناعية، إما بسبب انخفاض السعر العالمي للسلع المصنعة، أو بسبب ارتفاع الطلب على الخدمات الناتج عن التقدم التقني في الصناعة. ومن المرجح أن يحصل هذا السيناريو الذي هو انخفاض السعر النسبي للمنتجات الصناعية مع اشتداد المنافسة الدولية. إن تشويه الأسعار النسبية يغير توزيع العوامل بين القطاعين الصناعي والخدماتي، يؤدي، إذا تفاعلت أسعار الفائدة الاسمية بقوة مع ارتفاع أسعار الخدمات من ناحية ، إلى ارتفاع حاد لسعر الفائدة الحقيقي المحسوب على أساس أسعار الصناعة وذلك عندما ترتفع أسعار الخدمات و ينخفض الطلب على المنتجات الصناعية، ومن ناحية أخرى ، تتكيف أسعار الخدمات ببطء بعد الصدمات . مما يغير تخصيص العوامل والقدرات الإنتاجية في القطاعين الصناعي و الخدماتي . و يتم اختيار حجم رد فعل سعر الفائدة الاسمي على التضخم وفقًا لتأثيرات الصدمات على كل من النشاط الاقتصادي والتضخم والميزان التجاري. الفرص المتاحة للمغرب إذا توقفت مصانع الصين سيضطر الزبناء إلى اتخاذ المغرب كبديل لاقتناء موادهم الأولية وخصوصا منها مواد النسيج وقطاع السيارات، حيث يمكن أن تتحول الطلبات على المواد النسيجية إما إلى المغرب أو تركيا أو البرتغال، فعلى المقاولات المغربية التي تتدخل في هذين القطاعين بدل مجهود أكبر لضمان تنافسية أنجع مع الدولتين الأخريين المرشحتين للتعامل معهما في هذا النطاق، ويذكر أن الوصول إلى هذا الهدف مرتبط بالدرجة الأولى بالإستراتيجية التي ستعتمدها الدول الأوربية على مستوى طلباتها لهذه المنتوجات. على سبيل الاستباق، نرى أنه بإمكان المغرب أن يستفيد من تحويل الوحدات الإنتاجية الصينية إليه و يستغل إثر ذلك الخبرة الصناعية الصينية لصالحه. كما قد يصبح منتجا لمجموعة من المواد لم يكن يستطيع إنتاجها من قبل. لتشكل العملية برمتها حافزا حيويا لعملية تصنيعية كبرى. فعلى المغرب بعد أن يتم التعافي من الجائحة أن يعد مخططا للإقلاع الاقتصادي يتضمن برامج جدية ودائمة ومستدامة خاصة بالطوارئ، ويجب أن يعطي هذا المخطط الأولوية للصحة والتعليم والبحث العلمي. لقد لوحظ أن هناك تضاربا في الأرقام المقدمة من قبل الجهات المختصة و هي اختلافات ليست بالهينة ولا البسيطة. تأسيسا على كل ذلك يتوجب توحيد المجهود الإحصائي لدى جهة واحدة تكون مسؤولة ومختصة اختصاصا علميا محضا. على الدولة أن تتدخل عن طريق الإنفاق العمومي ، بما أن هذا الأخير يرفع من القدرة الشرائية المحفزة على الطلب الذي يقوي بدوره من الإنتاج. إجراءات تدبيرية مستعجلة لضمان صمود الاقتصاد المغربي الفهم الجيد لخصائص الاقتصاد المغربي و مؤشراتها وذلك عبر انجاز تشخيصات واقعية وحقيقية و التي ينبغي أن تعتمد على مقاربة تشاركية حقيقية، هذه التشحيصات مرتبطة أساس بالمستوى الذي وصل إليه الاقتصاد المغربي، هل هو في مرحلة القمة أم التباطؤ أم الانكماش أم التوسع، و كل مرحلة تختص بمؤشرات يمكن الاستناد إليها لتحديد المرحلة و تحديد طبيعة التعامل معها. فمرحلة القمة يؤشر إليها بارتفاع الأثمان و التضخم و سعر الفائدة معا و مرحلة التباطؤ تعرف بانخفاض الناتج الداخلي الخام ونفقات الاستهلاك و البيع بالتقسيط و أرباح المقاولات و استثماراتها و الإنتاج الصناعي و نسبة استعمال القدرة الصناعية، وفي نفس الوقت حينما يرتفع عدد التخلي عن المقاولات و بالتالي ارتفاع نسبة البطالة و مرحلة الانكماش تختص بارتفاع التخلي عن المقاولات و بالتالي تدني نسبة العمالة ومعها انخفاض التضخم و الفائدة وسعر الصرف أما مرحلة التوسع فيرتفع فيها الناتج الداخلي الخام و نفقات الاستهلاك و حجم البيع بالتقسيط و أرباح المقاولات واستثماراتها و الإنتاج الصناعي و نسبة استعمال القدرة الصناعية و توظيف اليد العاملة و الاستثمارات الحكومية مع انخفاض البطالة. بعد الفهم الجيد للوضعية الاقتصادية و مرحلتها يجب التركيز على المحددات الأساسية للصمود الاقتصادي و صنع مؤشرات خاصة به من أجل بناء مناعة جديدة للاقتصاد المغربي و السهر على ديمومتها و تصليبها و تتمثل هذه المحددات في قياس معدل استبدال إعانة البطالة المحسوب بناء على متوسط الدخول و قياس صرامة التشريعات الخاصة بحماية العمالة بنسبة العاملين الدائمين وكذا قياس مستوى الصرامة في تنظيم أسواق الإنتاج كما لا ينبغي أن ننسى قياس نسبة تغطية المفاوضة الجماعية، أي نسبة الموظفين المشمولين باتفاق جماعي ، وهو مقياس لتأثير النقابات أثناء مفاوضات الأجور و هي الأمور التي تقودنا إلى قياس درجة المركزية و تنسيق مفاوضات الأجور. إن الصمود الاقتصادي لا يعدو إلا أن يكون قدرة على إبقاء الإنتاج قريبًا من إمكاناته بعد الصدمة. وتعتمد هذه القدرة بدورها على قدرة الإطار المؤسسي لتخفيف الأثر الأولي للصدمات الخارجية وتقليل استمرار الفجوة اللاحقة بين الناتج الفعلي والمحتمل. و يميل التنظيم الصارم للأسواق المالية إلى إضعاف هذين المكونين إلى الحد الذي يجعل آلية انتقال السياسة النقدية أقل فعالية. وعلى النقيض من ذلك، فإن قوانين سوق العمل والمنتجات تشكل غموضا نظريًا على مستوى تأثيراتها على الأسواق و لكن على المستوى التجريبي فإنه بدا واضحا هذا التأثير على الصمود الاقتصادي. و من جانب آخر، نجد أن قوانين سوق المنتجات تخفف من التأثير الأولي للصدمات الخارجية أو ما يسمى بالصدمة غير المسيطر عليها أو الصدمة غير الملحوظة ذلك أن التنظيم الحازم يخفف من التأثير الأولي للصدمات بل يجعله أكثر استدامة. وختاما نرى من المستعجل أن تنتبه الدولة للإجراءات المستعجلة الآتية: 1 ضرورة الاهتمام بالطلب الداخلي 2 ضرورة سلوك تدبير تشاركي 3 ضرورة العمل بمنطق الدولة المشارك 4 ضرورة إعادة النظر في الأولويات بما يمنح: الصحة والتعليم والبحث العلمي الصدارة 5 ضرورة التخفيف من تبعية الاقتصاد المغربي للاقتصادات الأخرى أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق المحمدية وخبير في التخطيط الاستراتيجي والتنمية المحلية التشاركية