لغة الأرقام تؤكد ، بما لا يدع مجالا للشك ، أن المغرب تمكن ، حتى الآن ، من تجنب الانعكاسات السلبية للأزمة الاقتصادية العالمية، حيث استطاع التصدي لمختلف الصدمات بفضل الإصلاحات الهيكلية التي انخرط فيها والأوراش الكبرى التي يباشر تنفيذها . فبعد الحصيلة الإيجابية لسنة 2008 ، تبرز معظم التحليلات والمعطيات أن الاقتصاد الوطني يبدي مقاومة جيدة برسم السنة الجارية ، إذ تتوقع المندوبية السامية للتخطيط أن يصل معدل نمو الناتج الداخلي الإجمالي إلى حدود6 في المائة، بفضل الأداء الجيد للقطاع الفلاحي على الخصوص ، حيث يتوقع أن يسجل محصول الحبوب أكثر من 100 مليون قنطار ، وهو ما أكده وزير الفلاحة والصيد البحري عزيز أخنوش ، يوم الثلاثاء بمكناس، في المناظرة الوطنية الثانية للفلاحة ، حيث ذكر أن الانتاج الفلاحي من الحبوب سيبلغ خلال الموسم الحالي ما مجموعه102 مليون قنطار، وهي حصيلة قياسية في تاريخ الإنتاج الفلاحي بالمغرب ، إضافة إلى التوجه الإيجابي للطلب الداخلي الذي من المفترض أن يعزز سوق الاستهلاك . إنها نتائج إيجابية بالنسبة لبلادنا لأنها تتحقق في ظل وضعية عالمية متسمة بالاضطراب المالي والاقتصادي والاجتماعي ، وفي غياب الموارد الطاقية التي يستورد معظمها من الخارج . فبالرغم من اتسام المناخ الدولي بدرجة كبيرة من انعدام الثقة وبانكماش حاد للنشاط الاقتصادي في البلدان المتقدمة الرئيسية ، إلا أن المعطيات والتقديرات المتوفرة ، تفيد أن نمو الناتج الداخلي الإجمالي في بلادنا بلغ 4,8 % في الفصل الرابع من سنة 2008 ، في حين سجلت معدلات نمو سالبة في الكثير من الدول المتقدمة مثل اليابان وأمريكا وغيرها .. وإذا كانت العديد من الدول عرفت تراجعا كبيرا على مستوى الاستثمارات، وهو ما أثر بشكل مباشر على التشغيل والاستهلاك ، فإن المغرب تمكن خلال السنة المنصرمة من استقطات استثمارات مهمة في مختلف القطاعات تهم فاعلين مغاربة وأجانب ، حيث إن حصيلة لجنة الاستثمارات بعد تنصيب الحكومة الحالية ، أي مابين نونبر 2007 وأبريل 2009 همت المصادقة على 88 مشروعا بقيمة 83 مليار درهم توفر أكثرمن 34 ألف منصب شغل قار ، علما بأن الاجتماع السادس فقط لهذه اللجنة هم المصادقة على مشاريع جديدة بقيمة 22 مليار درهم توفر حوالي 9.500 فرصة شغل قار، بطبيعة الحال دون الحديث عن الاستثمار العمومي الذي يوجه للبنيات التحتية والمرافق العمومية الموجهة للمواطنين. وينضاف إلى ذلك أن المخاطر الداخلية والخارجية المحيطة بالتوقع المركزي للتضخم تعرف توجها نحو الانخفاض ، حيث يتوقع بنك المغرب أن تسجل الضغوط الناجمة عن الطلب تراجعا ملحوظا وأن يتواصل انتقال انخفاض الأسعار الدولية إلى الأسعار الداخلية، كما يبين ذلك تطور مؤشرات وآفاق تطور الأسعار عند الاستيراد وأسعار الإنتاج الصناعي وأسعار السلع التجارية ، وهي جوانب تدفع إلى التفاؤل بخصوص المستقبل ، لأنها ترتبط بالاستهلاك و بالمستهلكين . . إن هذه الأرقام والمؤشرات ، تعكس حقيقة واحدة ، وهي الوضعية الجيدة للاقتصاد الوطني، وقدرته على مواجهة تأثيرات الأزمة الاقتصادية العالمية ، وهو ما يشجع على مواصلة الإصلاحات الهيكلية والأوراش الكبرى التي انخرطت فيها بلادنا من أجل بناء المغرب المغرب المتقدم والمتضامن.