يقول بعض المغاربة، من باب التندّر، إن الحجر الصحي الذي فرضته الدولة للحيلولة دون تفشي فيروس "كورونا" المستجد لا يوجد إلا في التلفزيون، دلالة على أن "الالتزام المثالي" بهذا الإجراء تنقله فقط نشرات الأخبار، بينما الناس في الواقع يعيشون حياتهم كأن ليس هناك طارئ صحي. وبعيدا عن التندّر فإن الواقع يُظهر، فعلا، أن هناك تراخيا ملحوظا في التزام فئات واسعة من المغاربة بتدابير الحجر الصحي، منذ انقضاء المرحلة الأولى منه وتمديده لشهر إضافي، فرغم أن السلطات أضافت إجراءات جديدة، منذ دخول رمضان، فإن الالتزام ما فتئ يفتر، خاصة في الأعاشي، حيث يخرج الناس إلى الأسواق. عدم التزام الناس بتدابير الحجر الصحي وازاه أيضا تراجع حضور السلطة لمراقبة الوضع، بخلاف الأيام الأولى للحجر، إذ خفت صوتُ مكبرات الصوت التي كانت تصدح بعبارات التوعية والمناشدة بضرورة التزام المنازل؛ وحتى عدم ارتداء الكمامة لم يعد مصدر خوف، إذ يتجوّل بعض المواطنين دونها. وخفّت أيضا الصرامة في التأكد من حمْل الخارجين إلى الشارع لشهادة التنقل الاستثنائية. أمام أحد المراكز التجارية بسلا، يتقدم زبون نحو عوْن القوات المساعدة المكلف بالتأكد من توفر المتسوقين على "شهادة الخروج"، ويخبره بأنه نسي "شهادة الخروج" في البيت، ففسح له المجال ليدخل. داخل السوق بَدت الأجواء مثل الأيام العادية. في أحد الأركان تحلق زهاء عشرة أشخاص حول صندوق يضمّ ملابس معروضة بثمن منخفض، ملاصقين لبعضهم البعض. وفي باقي الأجنحة لا يوجد أي التزام بنصيحة ضرورة الالتزام باحترام مسافة الأمان التي يطالعها الزبائن على البوابة الزجاجية قبل ولوجهم إلى السوق. يرى مصطفى مربي، رئيس جمعية الإخلاص بمدينة خريبكة، التي قامت بحملات تحسيسية استباقية مكثفة منذ ظهور أول حالة إصابة بفيروس كورونا في المغرب، ووزعت كميات من الكمامات، بتعاون مع المكتب الشريف للفوسفاط، أن المغاربة كانوا ملتزمين بتدابير الحجر الصحي، قبل أن يستدرك: "خاص غير اللي يعاود يفيّقهم باش يستمر هاد الالتزام". ويضيف المتحدث أن المغرب يتموقع، إلى حد الآن، في مرتبة مطمْئنة بين الدول التي ينتشر فيها فيروس "كورونا" المستجد، مشيرا إلى أن ثمة حاجة إلى استمرار التعبئة الجماعية، واستمرار حملات التوعية والتحسيس، من أجل جعل المواطنين متمسّكين باحترام الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدولة لمحاصرة الوباء. وإذا كانت حملات التحسيس بخطورة "كوفيد-19"، والحث على ملازمة البيوت، تحظى بانتباه المواطنين مع انطلاقها، فإن ما تبقى منها أصبح روتينا عاديا. قرب سوق شعبي بمدينة سلا يسرد متطوّع عبر مكبر صوت مربوط أعلى السيارة الإجراءات التي اتخذتها الدولة للحد من انتشار الفيروس التاجي، وينصح بعدم الخروج "باش تجيب المغرب"، لكن نصائحه تذهب سُدى. داخل السوق ثمّة شباب يتجوّلون بدون هدف، أما احترام تدابير الوقاية، وفي مقدمتها ترك مسافة الأمان بين شخص وآخر، فلا أحد تقريبا يلتزم بها، إذ يتجمع الناس حول عربات الفواكه التي يصرخ أصحابها مهللين بالأسعار المنخفضة، من أجل جلب الزبائن، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء وضع الكمامات على أفواههم. عدم التزام كثير من المواطنين باحترام تدابير الحجر الصحي يهدد بإبقاء حالة الحجر وتمديدها من جديد، بعد أن مُددت شهرا إضافيا، إثر انقضاء المرحلة الأولى، خاصة مع استمرار تسجيل مئات الإصابات المؤكدة بالفيروس. ويؤكد مصطفى مربي أن هذا الاحتمال وارد، قائلا: "نحن نقول للناس إن رفع الحجر الصحي مرتبط بمدى بقائهم في بيوتهم، وإذا لم يقوموا بذلك فلن يُرفع".