نخصص في هذه الزاوية الرمضانية حلقات يومية من "الأرشيف الفرنسي" عن المقاوم زايد أوحماد، وعن غيره من الشخصيات المغربية، والأحداث التاريخية. في آخر مقال نخصصه للمقاوم المغربي زايد أوحماد المولود حوالي 1894 والذي تمت تصفيته من طرف الجيش الفرنسي بقرية تدفالت يوم 5 مارس 1936، سنقف عند بعض فقرات آخر الوثائق التي حررها ضباط الاستعلامات الفرنسية في هذه القضية، وتم الاحتفاظ بها في الأرشيف الدبلوماسي بمدينة نانت الفرنسية. استمرارا للحلقة السابقة، فإن التقرير النهائي للتحقيق يؤكد أن "العقوبات الفردية تتعلق بالأشخاص الذين ثبت تورطهم، وهي بين 30 سنة وسنتين سجنا، بحسب درجة الجرم المرتكب، أما العقوبات الجماعية فهي تشمل جميع القصور التي على علم بما ترتكبه هذه العصابة، لكنها أخفت هذه المعطيات على سلطات المراقبة، وبهذا تعتبر مشاركة في الجرم". ثم زاد محرر هذه الوثيقة الفرنسية: "كما أن مصادرة الممتلكات لصالح المخزن يهم كل المتورطين الأموات، وكذلك المحكومين ب30 سنة من السجن، إضافة إلى ثلاثة أشخاص (سبقت الإشارة إلى أسمائهم في حلقة سابقة)، تتراوح عقوبتهم السجنية بين 15 و20 سنة". ثم أردف متحدثا عن العقوبات المالية: "بخصوص الغرامات المقترحة تم تقدير مبلغها بناء على مبلغ "الفرض" الذي يدفع سابقا، وعلى أساس أن يكون المبلغ يمثل نصف المبلغ السنوي المفروض، بمعنى أن الساكنة تستطيع ومجبرة على دفع المبلغ". وقد أكد العسكري الفرنسي أن السلطات المكلفة بالتحقيق طالبت "أنه بخصوص المتهمين الذين تصل مدتهم عقوبتهم السجنية إلى أكثر من عامين، والذين ستتم ترجمة ملفاتهم لعرضها أمام المحكمة العليا الشريفة، (طالبت) بألا يتم نقل هؤلاء المتهمين نحو الرباط، وذلك لربح الوقت". وقد اقترح محرر الوثيقة أن "تتم معالجة ملفاتهم كل واحد بمفرده، لأن نقلهم إلى الرباط، وعرضهم أمام قضاة وأشخاص جدد، وفي محيط آخر جديد، سوف يدفعهم إلى تغيير أقوالهم، وهو ما سوف يجعل القضاة في حيرة أمام متهمين مذنبين وسبق أن اعترفوا". غنائم من الأسلحة تحدث جزء من هذا التقرير الطويل عن مجموعة من الأسلحة التي غنمتها السلطات الفرنسية في هذه القضية الطويلة، حيث أورد: "خلال هذه التحقيقات، استغل رؤساء المكاتب المعنية الضغط المسلط على الموقوفين الكثر لتصعيد البحث عن الأسلحة والذخيرة، وكانت النتائج مرضية نسبيا، ففي مكتب تنغير تم الحصول على: بندقيتان من نوع 1886. 9 بندقيات من نوع 92. 18 بندقية نوع 74. 16 بندقية نوع مارتيني. 4 مسدسات من نوع 94. 12 مسدسا مختلفا. أي ما مجموعه 61 مسدسا، و1146 خرطوشة للبنادق 86، و834 خرطوشة للنوع 74. أما في مكتب امسمرير فقد بلغ عدد الأسلحة التي تم العثور عليها: بندقيتان من نوع 1886، بندقيتان نوع 92، 7 بنادق نوع 74، وواحدة من نوع مارتيني، أي ما مجموعه 12 بندقية و2877 خرطوشة لنوع 86، و902 ذخيرة لنوع 74. وعلاقة بالسلاح نفسه سطر محرر الوثيقة ملاحظة مفادها أنه "في استقلال عن هذا، فقد تمت مصادرة 14 بندقية تم جلبها من أزيلال، في تحقيق مفتوح آخر، لكن يبدو أنه ليس لذلك علاقة بموضوع زايد أوحماد". وتحت اسم "استنتاج" خلصت الوثيقة إلى استنباط العبر من هذه القضية التي قضت مضجع الفرنسيين لسنوات طويلة، ولم يهنأ لهم بال حتى بعد تصفية هذا المقاوم المرغادي الذي تحول إلى أسطورة في الجنوب الشرقي بالقول: "يمكن اعتبار قضية زايد أوحماد منتهية. وقد بينت لنا الأهمية الكبرى لنظام استعلامات جيد، نظام لم يكن يمكن الحصول عليه، لولا الاحتكاك المستمر للضباط بالساكنة المحلية، وخاصة كسب ثقة الساكنة". لقد عولت فرنسا في ذلك الوقت، ونظامها في المنطقة على الأحكام الكبيرة والغرامات المفروضة على كل من له صلة ولو عن بعد بزايد أوحماد، لفرض سيطرتها على المنطقة، إذ كتب العسكري الفرنسي: "إن تأثير هذه العقوبات سوف يكون قويا، وسيكون أقوى إذا تم تنفيذها بسرعة. فالمخزن بيّن أنه في النهاية قوي، رغم غياب أي مساعدة من السلطات الأهلية المحلية، وتواطؤ الساكنة، هذه النتيجة سوف تستثمر في المستقبل للحصول على تعاون الزعماء المحليين بشكل أكثر فعالية ونجاعة، لأنهم سيفهمون أن مصالحهم في أن يكونوا مساعدين مخلصين لسلطات المراقبة". لتضع بذلك السلطات الفرنسية نقطة نهاية في التحقيق في شأن مقاوم شرس من قبيلة آيت مرغاد اسمه زايد أوحماد، قاوم الوجود الفرنسي بالسلاح، وأرداه مخزني مغربي آخر يشتغل تحت إمرة الجيش الفرنسي قتيلا، وكتبت عنه الصحف الفرنسية واصفة إياه ب"Roi des Djecheurs" وهي تعبر عن سعادتها البالغة لتصفيته وحرق جثته، لكنه بقي في المخيال الشعبي رمزا للرفض والتحدي، والمقاومة بالمتاح، يحكي عنه كبار السن قصصا أسطورية بالكثير من الفخر والتقدير.