نخصص في هذه الزاوية الرمضانية حلقات يومية من "الأرشيف الفرنسي" عن المقاوم زايد أوحماد، وعن غيره من الأحداث والشخصيات المغربية. أول رجل أطلق النار على المقاوم المغربي زايد أوحماد اسمه موحى وزبضو، وهو مغربي أيضا، كان يشتغل مخزنيا في مكتب أسول، وذلك بحسب وثيقة حررها رجال الاستعلامات واحتفظ بها بمركز الأرشيف الدبلوماسي. كان هذا المخزني رفقة زميل آخر له اسمه يدير أوطّالب من نفس المكتب، "أبان عن تفان وإخلاص كبير خلال التحقيقات في قضية زايد أوحماد"، لذلك قدمت لهما السلطات الفرنسية مكافأة قدرها 2500 فرنك، لكل واحد منهما. بينما خصصت 2000 فرنك لعائلات العساكر المغاربة الذين يشتغلون مع فرنسا. لأنهما وضعا حدا لمقاوم يرفض التواجد الفرنسي بالمنطقة وتم قتله يوم 6 مارس 1936. لقد كان زايد أوحماد مثل شبح مرعب بالنسبة للسلطات الاستعمارية في ذلك الوقت، ليس لأن الرواية الشفوية تحكي عن بطولات خارقة قام بها هذا المقاوم المرغادي الذين ولد بإقدمان وقُتل بتدافالت نواحي تنغير، لكن لأن عدد المراسلات والتقارير وما تضمنتها من تفاصيل، تعبر بصدق على أن هذا الشخص لم يكن شخصا عاديا، فخلال أربع سنوات، ينفذ عمليات القتل المتسلسل لعسكر الجيش الفرنسي في أماكن متفرقة، وكأنه كان يتنقل عبر طائرة أو بساط سحري، لكن المؤسف في قصته هو أنه كان وبالا على كل القرى التي زارها أو استضافه أهلها، سواء كانوا على علم أو عن غير علم، يكفي أن يمر من قصر أو تجمع سكاني لتأتي الآلة العسكرية لتدق الحيطان على أهله، وتنفذ الإبادة، ومن يسلم منهم فالسجن والغرامات في انتظاره.. إلى جانب المخزنيين أوزبضو وأوطالب، كان لزايد أوحماد صديق اسمه سعيد أوتراروت مارس معه بعض "الأعمال المحظورة" في نظر المستعمر، لكنه هو أيضا تاب عن مقاومة فرنسا "والتحق للعمل مخزنيا في مكتب أسول، ويقدم خدمات جليلة أثناء التحقيق" تقول الرواية الفرنسية. ليس كل أصدقاء زايد أوحماد من هذا النوع، لبيع أسراره مقابل سلطة ما، أو قتله مقابل 2500 فرنك فرنسي، قد تعني الشيء الكثير في ذلك الوقت (1936)، فهو مع ذلك يملك أصدقاء حافظوا على أسراره وعهده، بل منهم من أفداه بأولاده وممتلكاته، ومنهم من نحر نفسه أمام المحققين، حفاظا على المعلومات التي كان يتوفر عليها، وحتى لا يقولها جراء التعذيب! تتحدث وثيقة فرنسية نتوفر على نسخة منها عن رجل اسمه مُوحى وْعلي أوتَاشَنّات، وهو من آيت مرغاد الساكنين بقصر أيت عبد السلام، (إربيبن جماعة تيلمي حاليا)، استضاف في بيته المقاوم زايد أوحماد. وحددت الوثيقة أن ذلك تم ثلاث مرات، إحداها قضى فيها زايد أوحماد ثمانية أيام في بيت هذا الرجل. وبعد القبض على أوتاشنات والتحقيق معه، أنكر أن يكون على علم بما يقوم به، مقدما "اعترافات غامضة" بتعبير الوثيقة الفرنسية، التي أوردت بعدها: "في غفلة من الحراس، قام موحى وعلي وتاشنات بذبح عنقه يوم 5 أبريل 1936، ولفظ أنفاسه يوم 15 أبريل متأثرا بجروحه"، وفي وثيقة أخرى مؤرخة بيوم 17 أبريل. تاركا للفرنسين تلك الاعترافات الغامضة التي لا تنفع في تقدم التحقيق نحو مكان هذا المقاوم الذي لم يكتف بتنفيذ عمليات تصفية للضباط والجنود الفرنسيين، بل تعداه إلى تصفية المخازنية الذين يشتغلون معهم، بعد تصفيته لشيخ قبيلة أيت أريتان نواحي تنغير، وعدد من المخازنية سوف نذكرهم بأسمائهم فيما يأتي من حلقات، نقلا عن الأرشيف الفرنسي. أول من يقرأ عبارة "قام بذبح عنقه في غفلة من الحراس" في وثيقة فرنسية سوف يقول بأنها خطة لإبراء الذمة، وأن الرجل مات تحت تأثير التعذيب مثلا، لكن هذه الوثائق لم تكن بغرض النشر للعموم، هي وثائق آنية يحررها عسكري ويرسلها إلى آخر، وسرية، لذلك فإن التفاصيل التي تتضمنها تكون دقيقة في غالب الأحيان. رواية انتحار موحى وعلي وتاشنات لا تنفيها الرواية الشفوية المحلية، حيث يقول مسن من المنطقة في تصريح لهسبريس: "يحكي آباؤنا قصة هذا الرجل، بأنه بعد اعتقاله بسبب استضافته للمقاوم زايد أوحماد، وجره نحو مكتب مسمرير أنكر كل صلته به، فقامت السلطات الفرنسية بجلب النساء اللواتي يعشن معه في البيت، فاعترفن بأنه زارهم زايد أوحماد، وجلبوا ابنه الذي يبلغ سنة واحدة، وقالوا له، إذا لم تقل لنا ما نطلبه منك سوف نقوم بذبح ابنك أمام عينيك، ووضع أحدهم سكينا على رقبة الطفل الصغير لإرغام والده أن يعترف، وفي غفلة من الجميع، انتزع موحى وتاشنات السكين وجرح بها عنقه هو، لكنه لم يمت وقتها، فتدخل العسكري حال دون الذبح الكامل، ومات بعد أيام". تقول الوثيقة الفرنسية إن "بيت أوتاشانات صغير بقصر أيت عبد السلام، حيث يعيش رفقة أمه وزوجته"، دون أي إشارة إلى طفل. لم يشفع انتحار موحى وعلي وتاشنات لساكنة قصر أيت عبد السلام وأيت عملوش ب"إربيبن"؛ بل إن السلطات الفرنسية، كما تشير إلى ذلك وثائق الاستعلامات، قامت باعتقال كل رجال التجمع السكاني، سيأتي ذكر تفاصيلهم في حلقات مقبلة. وحررت لكل واحد سبب ذلك، وهي تضع أمامها تصميم الدوار، اعتقلت عم المنتحر ميمون أوعلاموش، اعتقلت باسو وزعبيض مقدم الدوار، اعتقلت جيران المتهم المنتحر، وحكمت على الجميع بالسجن والغرامة، ولم تنس حتى راعيا اسمه سعيد أوباسو نايت علاموش، يشتغل راعيا عند أيت حديدو، ولا يعيش أصلا في ذلك القصر في ذلك الوقت، فقط لأن أمه تعيش في منزل يوجد غير بعيد مكان استضافة المقاوم زايد أوحماد، فلابد أن يدفع على الأقل غرامة 200 فرنك، ليكون عبرة للآخرين.