هناك أمكنة في جبال بوكافر مازالت إلى حد الساعة تحمل اسم "لْعْزِيبْ نْ أُبوعلي" و"المْرْسْ نْ أبوعلي؛ الأول يعني الموضع الذي ترك فيه رجل يدعى أبوعلي ماشيته ودوابه، والثاني مكان رتب فيه أكياس قمحه وذرته والتمر والتين المجفف والشاي والسكر وغير ذلك. قد يعتقد المرء أن الأمر يتعلق بكيسٍ من القمح أو كيسين، أو حتى عشرة على أقصى تقدير، إلا أن الرواية الشفوية تتحدث عن ثروة كبيرة لهذا المجاهد الذي قدم من قرية تُدعى أم الرمان نواحي تازارين، وحمل كل ممتلكاته فوق جمال وبغال عديدة ليستقر في جبال صاغرو، في انتظار ما ستؤول إليه حرب غير متكافئة، لم يقدر فيها الطرف الرافض للمستعمر حجم السلاح الذي كانت تتوفر عليه دولة متقدمة مثل فرنسا. في تقرير يعود ل 11 مارس من سنة 1933، موقع من طرف الجنيرال كاترو، قائد التجمع الغربي بحرب بوكافر، ورد أن "الشيخ موحى نايت بُوعلي من أيت بوداود يتوفر على احتياطي قُدّر ب100 كيس من الحبوب. فبعد شهر من بداية معركة بوكافر والحصار المفروض على جبال صاغرو لمنع دخول أي مؤونة، مازال هذا الرجل يتوفر على مائة كيس من الحبوب، دون احتساب التمور والتين الجاف والسكر وبقية المؤونة، خاصة أن هذا التقرير يضيف أنه يقوم ببيع بعض هذه المواد بثمن بخس للمقاومين. التقرير نفسه يُردف في موضع آخر بأن "موحى نايت بوعلي يملك لوحده بين 700 و800 خرطوشة بارود، بينما يملك رجاله ما بين 50 و60 طلقة لكل بندقية". يزيد الجنيرال كاترو الذي كتب هذا التقرير استنادا إلى معطيات تستقى من المخبرين أو من المستسلمين الجدد؛ وقد حصلنا عليه من مركز الأرشيف الدبلوماسي بمدينة نانت الفرنسية، رفقة المئات من الوثائق التي تعود إلى الحقبة نفسها. إن هذا الشيخ الثري كان يبيع مجموعة من السلع بالأثمان التالية: الشعير ب2 دورو للعبرة الواحدة، والقمح ب3دورو، والتمور ب2 دورو لنصف العبرة، والذرة ب12 فرنكا حسنيا للعبرة. التقرير نفسه يخبرنا بأن الرجل توقف عن بيع السكر الذي كان يبيعه ب5 دورو للقالب الواحد، كما توقف عن بيع التين المجفف". ذُكر المقاوم المغربي مُوحى بن لحسن أبُوعلي في وثائق الاستخبارات الفرنسية التي حررها العسكريون الفرنسيون، وكانوا يبعثونها بشكل دوري إلى رؤسائهم من موقع المعركة، كما ذكر في تقارير كثيرة كزعيم حرب صعب المراس، وكرئيس لقبيلته في الحرب، باسم "أبوعْلي"، و"بوعلي من ام الرمان"، نسبة إلى قريته، وأحيانا "موحى أبوعلي من أيت بوداود" نسبة إلى الفخذ أو القبيلة التي ينتمي إليها في اتحادية أيت عطا المنحلة.. وكثيرا ما ذُكر إلى جانبه مرافق له أسمر البشرة، تورده هذه النشرات باسم "لحسن أقْبْلِي". بعد أن تأكدت السلطات الفرنسية عن طريق مُخبريها، ومنهم من تم إرساله مع المقاومين قبل بدء المعركة، لينصبوا خيامهم مع من تسميهم فرنسا "المنشقين" و"المتمردين"، بأن الشيخ موحى نايت بوعلي يتوفر على مخزون كبير من المواد الغذائية، تمت "قَنبلة" الموقع الذي كان يرتب فيه أكياس المؤونة، كما تم قصف الأماكن التي يتم منها جلب الماء وغير ذلك لإجبار المقاومين للتواجد الفرنسي على الخضوع وإعلان استسلامهم. هذا جعل موحى نايت بوعلي يعلن أن ممتلكاته رهن إشارة جميع من في الجبل، خاصة القريبون من محيطه، ممن أنهكهم الجوع بعد نفاذ المواد الغذائية عند أغلب الأسر، وأصبح الطعام الذي تقتات منه الأغلبية هو اللحم، إذ يعمدون إلى ذبح الخرفان والماعز وغيرها من المواشي التي ما عاد يهتم بها أحد، بعد أن ارتفع القصف المدفعي الذي يستهدف كل من يتحرك في رقعة بوكافر الواسعة، سواء كان إنسا أو حيوانا. في أغلب التقارير التي تتحدث عن الاجتماعات التي يعقدها المقاومون لاتخاذ القرارات المصيرية، كان الشيخ موحى أوبوعلي حاضرا. ففي نشرة مؤرخة بتاريخ 18 مارس من سنة 1933 ورد في التقارير الفرنسية أن "اجتماعا صاخبا عقده كل من عسو وباسلام من إلمشان، وموحى نايت بوعلي من أيت بوداود، وعدي ويدير من أيت عيسى وابراهيم، وأوخجادج من أيت عيسى أوبراهيم، أفضى إلى الاتفاق على فرض 100 دورو حسني لكل من يربط اتصالا مع النصارى ثم قتله، وغرامة مقدارها 25 كبشا لكل من يتهاون مع في موقع الحراسة المنوط به". وحسب المعلومات التي حصلنا عليها من أقاربه وجيرانه ومن الشيوخ الذين عايشوا جزءًا من حياته، لاسيما السنوات الأخيرة من عمره، فإن الشيخ موحى نايت بوعلي من مواليد سنة 1868 بمنطقة إِوْدمان ( قرب تنجداد حاليا)، وهاجر رفقة والده من تراب أيت مرغاد نحو تازارين نايت عطا، كما كانت تسمى قديما. رجل ثري يزاوج بين التجارة وتربية المواشي، اشترى الجزء الغربي من قصر أم الرمان من قبيلة إمسّوفا وسكن به منذ 1900.. مارس التجارة دون أن يتخلى عن حياة الانتجاع والترحال عندما شيّد رفقة بعض أصدقائه من أيت بُوداود قَصبة تَاوْجّا فوق تلّ مُرتفع بالقرية المذكورة. قَتَل أيت إِعزّا ابنا له بأم الرمان انتقاما من الحملة التأديبية التي قادها ابن مورغي ضد قبائل أيت إعزا بمنطقة ألنيف لتأديبهم بعد طردهم لأيت عيسى وبراهيم. في يناير من 1933 التحق موحى أُولْحسن بجبل بوكافر رفقة عائلته وجيرانه من أيت بوداود، وحمل معه كل متاعه ومواشيه.. أبقاره ودوابه محملة بكل أملاكه من قمح وذرة وشعير وأوان فاخرة؛ وهي كل ما ادّخره في سنوات عمره. حسب ما استقته هسبريس من محيطه وأفراد عائلته، فإن موحى أُولْحسن نايت بوعلي شخص متدين جدا، تزوج من امرأة تدعى "إيطو لْحسن"، أنجبت له أربعة أولاد وثلاث بنات. فَقَدَ بنتا وولدا في معركة بوڭافر، ووضع كل مُمتلكاته ومواشيه في خدمة المقاتلين، وزوّدهم بالمواد الغذائية وأسباب العيش.. يبيع للذين يملكون المال الحبوب والتمور وخراطيش البارود، ويمنح بلا مقابل للمعدمين الذين لا يملكون شيئا. يوم السابع والعشرين من مارس من سنة 1933 ترك موحى جبل صاغرو ونزح مع المُسْتسلمين بعد أن وَقّع عسّو وبَاسلام معاهدة الهدنة، وعاد رفقة من بقي من أحياء مقاومي منطقة تازارين، لكنه ومواطنيه من أيت بُوداود أم الرمان لم يقصدوا قريتهم، بل اتجهوا نحو درعة بحثا عن مؤونة تعينهم على ما سيأتي من شظف الأيام، ليعود إلى منزله بأم الرمان ويبدأ حياةً جديدة. عندما وضعت الحرب أوزارها فَقَد موحى أُولْحسن كل ممتلكاته، وَلم تتبقّ له سوى بغلة نجت من قصف ليلي ونهاري لا يتوقف. المواجهات الضارية التي عايشها في بوڭافر جعلته يكره الفرنسيين ومن يَدُور في فلكهم، إلى درجة أن القائد عسّو وبَاسلام اقترحه قائدا على تازارين مَرّتين جزاء على تضحياته، لكنه رفض بأدب.. بل إن لَديه حساسية مُفرطة تجاه الفرنسيين (النّصارى بتعبير أهل ذلك الوقت)، إلى درجة أنه يرفض استهلاك السلع الفرنسية الصنع. بعد دخول آلات الخياطة إلى المنطقة، كان موحى أُولْحسن يرفض ارتداء الأثواب التي تخيطها الآلات الفرنسية الصنع، وكان يطلب من ابنه علي أن يُزَوده بالكتّان ويقوم بخياطة ملابسه بنفسه، لأنه كان يؤمن أن استهلاك أي منتوج من صُنع المستعمر الفرنسي إهانة له ولمجد بوڭافر التي ضحى فيها بعائلته وممتلكاته. تُوفّي موحى أُولْحسن نَايت بُوعْلي صيف 1964، عن عُمر يُناهز 96 سنة، ودُفن بقرية أم الرّمان التي عاش فيها. طمرت الأمطار قبر الرجل، ولم يذكره مرجع تاريخي، باستثناء التقارير الفرنسية ومذكرات المتقاعدين من الجيش الاستعماري. إلا أن الرحل وشيوخ المداشر القريبة من صاغرو، مازالوا إذا ما قادهم حنين ما إلى زيارة منطقة صاغرو يشيرون إلى اسم "المرس ن أبوعلي" و"لعزيب ن أبوعلي" دُون حاجة إلى لافتات، كما يشيرون في أحاديثهم إلى "أُولْ نُوسِير"، و"بُويْتْبِيرْنْ"، ومكان مقتل "بورنازيل"، و"النّيميرو"، وغير ذلك، لتأريخ الحدث وتقريب مكانه من ذهن المستمع.