(الصورة من مركز الأرشيف الفرنسي) نِساء كثيرات ساهمن بكل ما مَلكن، ولم يدّخِرن جُهدا لنُصرة أزواجهن والدود عن أبنائهن ومصالحهن، قَبل معركة بوڭافر وأثناءها وبعدها. لكن الذاكرة الشعبية "غير مُنصفة"، نادرا ما تحتفظ بجميع الشخصيات المهمة. نساء كثيرات قاتلن القوات الفرنسية في كل المعارك ضد المستعمر، أو أسعفن الجرحى والمعطوبين، أو زَوّدن المجاهدين بالذخيرة والغذاء والماء، أو نقلن الرسائل المشفّرة، وتنقلن في أماكن الصراع بلا خوف نظرا لمكانتهن الاعتبارية في أعراف القبائل. لكن الذاكرة الشفوية لم تتذكر سوى القليل منهن في الأشعار التي تناقلتها الأجيال بالتواتر. شهيدات بوڭافر يتجاوزن الألف، بعضهن تم تدوين أسمائهن ونسبهن في كتب المقاومة، وبحوث جامعية لطلبة ينحدرون من صاغرو وتازارين وألنيف وامسمرير، وكل بلدات الجنوب الشرقي. لكن عدجو مُوح حالة خاصة في الذاكرة الشعبية وأشعار الرجال والنساء. خلّدتها الأبيات الشعرية وغدت رمزا للمرأة المقاوِمة المقدامة، فمن تكون هذه المرأة؟ "عدجو مُوح نايت خويا علي" من أيت معرير قبيلة إلمشان، القاطنين بإكنيون، تاولاوالت، عبدي، تيماريغين وأسرير وقرى أُخرى بالجنوب الشرقي. وُلِدت حوَالي 1905 بصاغرو، كانت ضمن الوفود العطاوية التي هاجرت رفقة زوجها لحسن نايت بوح نحو بوڭافر استجابة لمُنَادٍ ينادي في الأسواق والمداشر أن هبّوا إلى محاربة الفرنسيين "النصارى". كانت امرأة ذات حُسن وجَمال كما خلّدتها أشعار الذين عاصروها. اهتمت برعاية ولديها (أحمد وخيرة) وَجَلْبِ الماء لأسرتها وخدمة المجاهدين من قبيلتها، وقبل 28 فبراير من سنة 1933 لم يكن أحد يذكر عدجو مُوح نايت بُوح. لقد كانت، كغيرها من نساء القبائل الأخرى، يخدمن المقاومين، ويُشجعنهم على الدود عن الحمى، سواء بواسطة الزغاريد أو ببعض الأذكار والأشعار المُلهبة للعزائم. وبعضهن يُمسكن جريد نبات يشبه النخيل (قصير وغير مُثمر) ينتشر بشعاب صاغرو ويُلطخنه بالحناء ويُلطخن به جلابيب الرجال الذين يتراجعون ويخافون من أزيز القذائف وفرقعة الطلقات، يَصحن في الرجال بأن يبدلوا ما في وسعهم. ما كان أَحدٌ يُميّز بين النساء.. عدجو موح تالمشيت، ولا بزة امحند أُوتْ عيسى وبراهيم، ولا خيرة موح أُوتْ بُوداود، ولا غيرهن من مئات النساء اللواتي قدمن من صاغرو ودرعة وتازارين وألنيف وتودغى.. لكن اليوم المشؤوم صادف ال28 من فبراير 1933، عندما اقتنص أحد المقاومين أشهر عسكري من الجهة الأخرى؛ هنري دو لاسپيناس دو بورنازيل، المشهور ب"الرجل الأحمر". في ذلك الصباح فقد الجنرال كاترو أعصابه وأمر بالقصف العشوائي غير المنقطع. استشهد العديد من المجاهدين، الرجال منهم والنساء والأطفال، وكان ضمنهم زوج عدجو موح، إذ يقول الرواة الذين عايشوا تلك الأحداث إن قذيفة مزقت أشلاء زوجها أمام أعينها، فتحولت تلك المرأة الوديعة إلى لبؤة غاضبة. انتزعت بندقية من ذراع أحد الشهداء وانخرطت كالرجال في جبهات القتال. إلا أن الحادث الذي جعل اسمها يتردد على الألسن وجعل شهرتها تتجاوز الآفاق هو قتلها لأزيد من 40 عسكريا دفعة واحدة. ذلك أن معرفتها الدقيقة بشعاب وقمم بوڭافر، جعلتها تختار لها مكانا في قلعة منيعة ولما رأت، ذات صباح، فرقة مختلطة من الجنود الفرنسيين والكوم تتسلق إحدى الشعاب في اتجاه حصن جبلي يتحصّن فيه بعض المقاومين، أشارت إلى المقاومين بألا يُحرّكوا ساكنا حتى يصعد آخر جندي. وما أن تيقنت بأن أزيد من 200 عسكري يقتربون من إحدى القمم، حتى سارعت بدحرجة صخور كبيرة، جلاميد تتدحرج مُحدثة صوتا كالهدير، أحجار كبيرة تدوس الجنود ولا تبقي حيّا. منذ ذلك اليوم غدت عدجو مُوح أيقونة الجهاد في صاغرو، قد يكون بين النساء من قدّمن خدمات أكبر للمقاومة ولتاريخ المنطقة، لكن شهرة عدجو مُوح منذ ذلك اليوم تجاوزت الآفاق، ونظم فيها الشعراء أشعارا يتغنّون بشجاعتها ويتساءلون عن أخبارها. لكن قدرها شاء أن تُفارق الحياة في مارس من السنة نفسها، وأن تُوارى الثرى في الجبل حيث قُتل زوجها تاركة وَلَدَيْهَا، حماد أُلحس وخيرة ألحسن، أَيتاما وقد فقَدَا أبويهما في معركة اسمها بوڭافر. مقتطف من كتاب "أوراق بوكافر السرية" ص 182.