ينص الفصل ال45 من مدونة الجمارك المغربية على أنه: "يمكن لأعوان الإدارة أن يطالبوا بالاطلاع على هوية وصفة الأشخاص الذين يدخلون إلى التراب الجمركي أو يخرجون منه أو يتجولون في الدائرة. ويمكن الحصول على هذه المعلومات، أيضا، قبل الدخول إلى التراب الجمركي أو الخروج منه، لدى شركات النقل أو لدى أشخاص آخرين يتوفرون على هذه المعلومات". والاطلاع على الهوية هو من الأعمال التي تتقاسمها الجمارك والشرطة والدرك في نطاق النفوذ المكاني لكل سلطة من هذه السلط، حيث أراد المشرع بموجب الفصل ال45 أعلاه أن يكون نفوذ الجمارك مجسداً على مستوى معابر الحدود البرية والمنافذ البحرية والجوية المتمثلة في الموانئ والمطارات، باعتبار أن هذه المناطق خالصة للجمارك دون غيرها. وقد أطلقت بعض التشريعات المقارنة مصطلحاً أقوى للدلالة على خصوصية هذه المناطق؛ منها قانون الجمارك الأردني، الذي ينعت الدائرة الجمركية في المادة الثانية منه بمصطلح الحَرَم الجمركي. والمقصود أن يقوم أعوان الجمارك في دائرة نفوذهم بتدقيق هوية الأشخاص المشتبه في ارتكابهم جريمة من الجرائم الجمركية، وقد تشمل المراقبة حتى الأشخاص المشمولين بمذكرة بحث شريطة قيام السلطات الأمنية الأخرى بإخبار إدارة الجمارك بالموضوع كما في حالة جرائم سرقة السيارات المرقمة بالخارج. أما مراقبة أعوان الجمارك لصفة الأشخاص فيقصد بها التعرف على وظيفتهم التي تمكنهم من التدخل بصفة مباشرة أو غير مباشرة في العمليات المتعلقة بالإجراءات الجمركية. الجمارك في مواجهة آفة كورونا تتولى الجمارك في كل الدول -بحكم وجودها على منافذ البلاد- حماية الوطن من المخاطر التي تهدد أمنه وسلامته؛ ففي الولاياتالمتحدةالأمريكية مثلا، توجد الجمارك ومراقبة الحدود Customs and Border Protection (CBP) ، وهي وكالة لقسم الأمن الداخلي تابعة للسكريتارية الداخلية للولايات المتحدة التي يُعتبر السكرتير المشرف عليها عضواً بديوان الرئيس الأمريكي، بحيث يُشرف على تنظيم وضمان الأمن الداخلي للولايات المتحدة. وتعمل هذه الجمارك على حماية حدود الولاياتالمتحدةالأمريكية ضد المجرمين والإرهابيين ومهربي الأسلحة والمخدرات ومهربي البشر، ويراقبون مدى شرعية الهجرة للأشخاص الوافدين على البلاد، كما يعترضون الآفات النباتية ومسببات الأمراض التي يمكن أن تضر بالإمدادات الغذائية والموارد الطبيعية والصحة العامة، بالإضافة إلى الدور التقليدي المتمثل في جباية الموارد التي تساهم في تحريك عجلة الاقتصاد. ولقد أعلنت وكالة الجمارك في مطار لوس أنجلوس، في إطار مكافحتها للوباء، عن مصادرتها لشحنة تحتوي على مجموعات فحوصات فيروس كورونا COVID-19 مزيفة قادمة من بريطانيا. أما في المغرب، فبالإضافة إلى محاربة التهريب ومراقبة مشروعية التجارة الخارجية وما إلى ذلك، فإن الإدارة الجمركية تسهر على حماية المملكة من الآفات التي قد تنال من أمنها وسلامتها عن طريق التطبيق الصارم للقوانين والتشريعات الصادرة عن مختلف القطاعات الوزارية، من ذلك ما أكدت عليه الفقرة الأولى من المادة ال9 من قرار وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات رقم 593.17 الصادر في 08 غشت 2017 والمتعلق بالتفتيش الصحي للنباتات والمنتجات النباتية وغيرها من الأشياء عند الاستيراد التي جاء فيها: "لا يمكن قبول التربة والروث والسماد وبقايا النباتات وإرساليات النباتات والمنتجات النباتية وغيرها من الأشياء، قصد استيرادها أو عبورها التراب الوطني، التي خلص تفتيش الصحة النباتية الذي تخضع له إلى وجود الآفات الحجرية المبينة في اللائحة المحددة في الملحق رقم II بهذا القرار". كما يقتضي التفتيش الجمركي للأشخاص توسيع نطاق الرقابة لتشمل أعراضهم الصحية، خاصة أن الفصل ال45 المكرر من مدونة الجمارك المغربية قد أكد بالقول: "- عندما تظهر دلائل جدية على أن شخصا يحمل مواد مخدرة أو مواد أخرى مدسوسة في جسمه، يمكن لأعوان الإدارة إخضاع هذا الشخص بعد موافقته الصريحة لكشوفات طبية. وفي حالة رفضه، يقدم طلب إلى وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية المختصة الذي يمكنه أن يرخص لأعوان الإدارة بالعمل على إجراء هذه الكشوفات الطبية، ويعين آنذاك الطبيب المكلف بإجرائها في أقرب الآجال. ويجب أن تضمن، في محضر، هذه الكشوفات وملاحظات الشخص المعني وكذا جميع الإجراءات التي تم القيام بها". وينطلق خضوع الأشخاص للمراقبة الجمركية من مبدأ الحفاظ على أمن وسلامة الوطن، بحيث تتخذ فيه المراقبة الجمركية أبعاداً مختلفة؛ بدايةً من استغلال المعطيات والمعلومات التي تُوَفِّرُها مصالح الاستعلامات الجمركية وتحليل المخاطر والتي قد تتمحور حول سوابق الشخص في الجرائم الجمركية، أو تتمثل في التذكير ببلد القدوم المُصَنَّف كبؤرة من بُؤَر انتشار الوباء أو كبؤرة للتهريب غير المشروع للبضائع المحظورة، وانتهاء بالتفتيش الجسدي للشخص الذي قد يُسْتَشفُّ منه وجود مواد محظورة مدسوسة في أحشائه. فالجراثيم هي كائنات مجهرية تصنف ضمن البند من التعريفة الجمركية رقم 30.02، وهي تظل في حكم البضائع التي تخضع للمراقبة والتفتيش الجمركي. كما أن الفيروسات أو الجراثيم المضرة بالصحة العامة تظل من وجهة نظر المشرع الجمركي من المواد المحظورة التي ينبغي التصدي لها، سواء وقع ضبطها على منتجات بعينها أو تم الكشف عنها في جسم الشخص المصاب، إلا أن المشرع الجمركي لم يشأ تقرير العقوبة في هذه الحالة الأخيرة، وذلك لانتفاء القصد الجنائي بشكل واضح، ومن ثم يكون دور التفتيش الجمركي في مثل هذه الحالات هو الحد من انتشار هذه الآفات عن طريق عرض المصاب بالفيروس على المصالح المختصة التابعة لوزارة الصحة. لكن يلاحظ، على مستوى التطبيق، افتقار الجمارك المغربية للوسائل الكفيلة بالكشف عن كل الآفات التي قد تلج إلى التراب الجمركي، والتي تسمح بإجراء فحوصات وبائية وفحوصات طبية وفحوصات مخبرية صارمة على الأشخاص المشتبه فيهم أو القادمين من بلدان أو مناطق متضررة بشدة مثلما هو معتمد في بعض البلدان كجمهورية الصين الشعبية. *باحث في الشؤون القانونية