يجد العنوان أعلاه مبرره فيما يعرف بتداعيات كورونا على الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في الأركان الأربعة لكوكبنا الأرضي المغبون. تداعيات تعرض لها بالتنبؤ والرجم بالغيب مشعوذون في جبة محللين إستراتيجيين و"خبراء" محنكين مرتكزين على تصوراتهم الدينية والخرافية، عقاب السماء للأرض، معلنين عن وشوك نهاية العالم كما لو أننا في فيلم من أفلام الخيال التخييلي حتى لا أقول العلمي؛ لأن العلم يتأسس على التجربة والاستقراء. ولا غرابة في هذا الطرح القيامي المتبنى من طرف الإسلام السياسي إذا ما حصرنا كلامنا هنا على دين معين /الإسلام. وما أفظع فشلهم الذريع في كافة الأمصار. على أن جميع المتطرفين من الملل والنحل الأخرى تشترك في الخاصية ذاتها: ربط الجائحات التي تعصف بأرواح البشر على مر العصور والدهور من الطاعون والسل ومرورا بالجذام وصولا إلى كورونا كوفيد 19 بعقاب السماء للأرض. ولكن ماذا عن الحديث عن عقاب بيني أرض أرض؟ الجواب يمكن أيضا أن ينفتح على أكثر من احتمال، ليس أقله نظرية المؤامرة والصراع الدولي المحموم في الاستفراد بتدبير كوكبنا الأزرق من طرف قوة واحدة تلعب دور الآلهة في رعاية البشر وحمايتهم من "الانقراض". إن الأزمة المدمرة (شومسكي) التي برع هذا العالم اللساني في تشخيصها دون أن يأتينا ببدائل مفحمة أو محاولة استنهاض نوع من الشيوعية (جيجيك) والذي يبقى طرحه مجرد أضغاث أحلام، أو خلو كوكبنا الأرضي من النزعة الإنسانية وطغيان معاير التسليع والتسويق (إدغار موران) لن يعفي البشرية ونخبتها المفترضة أن تبحث عن تكتل غير مسبوق، عن أممية جديدة تبشر بمشروع مارشال إنساني جديد. إن سوق الشغل يمر بأسوأ وأخطر أزمة عالمية منذ الحرب العالمية الثانية، كما صرحت بذلك آرليت فان لور، مديرة السياسات القطاعية في منظمة العمل الدولية. ولم يحد "ماكينسي" عن هذا المنحى التشاؤمي، حيث إن التباطؤ الاقتصادي الذي نجم عن الوباء يمكن أن يؤثر على 60 مليون عامل معرضين لخفض أجورهم أو تسريحهم. تلكم مظاهر من تجليات كابوس يتعرض له العالم اليوم وإفريقيا على نحو خاص. والقارة السمراء، التي كانت وما زالت محطة أطماع كولونيالية وما بعد كولونيالية، أضحت اليوم وفي زمن الوباء أكثر عرضة للفتك من طرف كورونا بسبب توارث الهشاشات على أكثر من صعيد سواء الصحي أو التعليمي أو على مستوى البنيات التحتية. وكان لارتهانها للتبعية الاقتصادية والثقافية بالغ الأثر على تعرية واقعها السياسي في تغييب الديمقراطية تحت مبررات واهية إرجائية مكتفية بإصلاحات شكلية مهما اختلفت أنظمتها السياسية ومالت أيديولوجيتها التبعية. لقد اتضح أن وضع إفريقيا ما بعد كورونا لا يجب أن يبقى كما كان قبلها، ومع أني لا أحلم كثيرا، غير أن قوة الواقع المادي ستفرض على إفريقيا أن تنتبه إلى نفسها لندخل التاريخ الحضاري من بابه الحقيقي، وذلك عن طريق الحكامة الجيدة بتحقيق الاكتفاء الذاتي في التغذية، السودان وحده قد يتكفل بذلك بوصفه سلة قائمة بذاتها، والرهان على التصنيع المحلي وتشجيع الإنتاج الإفريقي، والاهتمام بالبحث العلمي والتعليم والصحة والرفع من الإنفاق العام في هذه القطاعات. إذا كانت إفريقيا الآن تحت وطأة السيطرة الأوروبية بالتبعية كما أسلفنا، فإن طريق الحرير الذي أبدى شهيته لأسواق إفريقيا لن يقل خطورة عن نظيره الأوروبي ما لم تتبن إفريقيا إستراتيجية جدية لبناء الجسم الإفريقي باعتماد الديمقراطية أسلوبا حقيقيا للتداول على السلطة وبناء هياكل التكتلات البين _إفريقية تقوم على التكامل والتوازن في شتى الميادين. ونحن في المنطقة المغاربية الكبيرة مدعوون أكثر من أي وقت مضى إلى الجلوس، على وجه الاستعجال، لإعادة الحياة في هياكل هذا التكتل بوعي وتبصر من كل الأطراف... وعلى الأشقاء الجزائريين، أعني الحكام، أن يتخلوا عن وهمهم والحالة هاته باتت مكشوفة للعالم حيث محتجزونا في تندوف يواجهون ليس فقط الاحتجاز وإنما يواجهون كورونا بأجسادهم العارية وبطونهم الفارغة.