تعتبر فترة الدراسة بالمغرب من أطول الفترات مقارنة بدول أخرى، وزادت هذه الفترة طولا بعد التمطيط بفعل الأزمة وجائحة كورونا؛ وهو ما ولد تعبا لدى المتعلم/ة، وجعل الملل يزداد بازدياد الجهد. الآن، بشهادة ودعوة الكثيرين، وجب التفكير في عطلة للمتمدرسين؛ فعلماء النفس وعلماء الاجتماع وغيرهم يجمعون على أهمية فترات الراحة لتجديد النشاط واستعادة الحيوية، لأن الأمر يتعلق بشعور نفسي ذاتي يؤشر على الرغبة في راحة أكثر لإيجاد التوازن الجسدي والعصبي وتجديد الحيوية، خصوصا أن الصورة التي ترسمها بعض الأسر حول المدرسة، والتي تكرس تصورها السلبي تجاه العطل باعتقادها أن دور المؤسسات التعليمية هو حراسة أبنائهم والاحتفاظ بهم بين أسوارها لأكبر وقت ممكن، ليست حاضرة في ظل وضع اليوم. يجب تصحيح تمثلات الكثيرين تجاه العطل المدرسية والاعتراف بأهميتها في ضبط توازن الإيقاع المدرسي، وهو ما سيدفعنا حتما إلى إعادة النظر في مفهوم الزمن المدرسي ككل، والغلاف الذي يستغرقه التلاميذ ليس فقط داخل أسوار المدرسة كما كان في السابق، ولكن في الدراسة الرسمية كما هو اليوم مع التعليم عن بعد. إضافة إلى الحاجة إلى تقليص الساعات مع برمجة أنشطة فنية وترفيهية ودعم... خارج الحيز الزمني المخصص لهذا النوع من التعلم ليحس التلاميذ بنوع من الحرية ويتحمسون للإبداع في المجالات التي يحبونها. هناك دراسة لمونطانيي منذ سنة 1980 خلصت إلى أن سبعة أسابيع من الدراسة يجب أن تعقبها فترة راحة مدتها أسبوعان، وهو أيضا ما تؤكده بعض الدراسات الكرونوبيولوجية والكرونونفسية، في حالتنا اليوم هذا العدد من الأسابيع مضاعف ولا يزال التلاميذ يرزحون تحت عبء متابعة الدروس. الأمر هنا يتعلق بمعطى علمي كمعيار بيداغوجي تلتزم به العديد من الدول في تنظيم العطل المدرسية المتوسطة، لتحقيق التوازن الحيوي والنفسي لدى التلاميذ بين إيقاعات العمل والراحة؛ وهو إجراء بيداغوجي يدخل ضمن تدبير الزمن المدرسي، سابقا داخل المؤسسة والآن بالبيوت وفي علاقة دائما بالتعلمات.. الهدف في نهاية المطاف هو خلق التوازن بين فترات الدراسة والاجتهاد وفترات الراحة والترفيه، لتمكين المتعلمين والمتعلمات من تجديد نشاطهم. إذن، كنا سابقا نتحدث عن تأمين الزمن المدرسي داخل المؤسسة، اليوم يجب أن يضاف طرف آخر إلى المعادلة يتعلق بتأمين زمن التعلمات في إطار التعليم عن بعد كمدخل تربوي متكامل لا يقبل التجزيئ، يتخذ مسارين متوازيين: مسار توفير الشروط والإمكانات والأدوات المساعدة على تطبيق هذا النوع من التعليم والاستفادة منه، من أدوات وتجهيزات معلوماتية وصبيب للأنترنيت في المستوى ومحتويات بيداغوجية راقية...، ومسار ثان من خلال إعادة التفكير في برمجة العطل المدرسية مع إمكانية التعديل في أسابيع التعلم وكيفية توزيع الحصص وتلقيها؛ لأننا نجد اليوم حصصا ودروسا حد التخمة وأخرى تشكو الفقر المدقع، مع ضرورة وضع تركيبة زمنية تتوالى فيها بشكل مناسب فترات للجهد الفكري وأخرى للراحة من أجل تجديد القوة والنشاط الذهني والجسدي. أيضا تدخل قطاعات أخرى كوزارة الشباب والرياضة ووزارة الثقافة لتوفير برامج ترفيهية وكتب ومسابقات كلها عن بعد وتلامس الجوانب النفسية والحسية للمتعلمين. جائحة كورونا دقت الناقوس، ويجب على المسؤولين الانتباه إلى معطى العطل؛ فالغريب في الأمر هو أنه حتى في الفترة العادية لا يتم التفكير علميا في مسألة العطل.. الأمثلة كثيرة، فمثلا كيف يمكن لتلميذ اجتاز الامتحانات لمدة أسبوع وفي اليوم الموالي يلتحق بقاعة الدرس؟ ماذا عن احترام نسقية العطل: منذ البدايات الأولى للمدرسة المغربية، هناك تقريبا تشابه في بنية العطل واحتفاظها في مجملها بنفس المكونات من عطل دينية (الفطر والأضحى وفاتح السنة الهجرية والمولد النبوي) ووطنية (الأعياد الوطنية) ودولية (فاتح السنة الميلادية، عيد الشغل) مع الاستثناء الوحيد هو إضافة عطل الأسدوسين في السنوات الأخيرة والمجموع ما بين 40 و44 يوما؟ وهي مقاربات اعتباطية وغير عقلانية وغير تربوية. لقد أبانت هذه الفترة عن الحاجة إلى الاعتماد على دراسات أكاديمية دولية، ولم لا إجراء دراسات علمية مغربية واعتماد مقاربات علمية وبيداغوجية حقيقية وموضوعية، تراعي الحقائق والمعطيات والمعايير العلمية والبيداغوجية، والخصوصيات الموضوعية كما أبانت عن ذلك جائحة كورونا. علينا اتخاذ كافة التدابير والإجراءات على كافة المستويات: مركزيا، جهويا، إقليميا، محليا وأسريا، تدابير تمكن فعلا من تأمين الزمن المدرسي والحفاظ على حقوق المتعلمين في تعلم جيد وفق ما يساهم في تنمية قدراتهم ومعارفهم من جهة، وتحقيق توازنهم الحيوي والنفسي من جهة أخرى، حتى لا يتحول تلامذتنا إلى شخصيات متآكلة ومندثرة تقول إن زمنها قد انتهى أو كاد، ولا بد من انتظار الشيخوخة البائسة والموت والزوال، كما صور ذلك مارسيل بروست في رائعته "في البحث عن الزمن الضائع".