أتذكر جيدا ولا شك أنكم كذلك تتذكرون الحملات الكثيرة والمكثفة التي تم توجيهها، قبل حدوث أزمة كورونا بسنوات، على مختلف أسلاك الوظيفة العمومية في المغرب. نعم، أتذكر جيدا كيف كانت منابر الصحافة الصفراء تصر على اعتبار الموظفين العموميين في بلادنا عالة مكلفة جدا بالنسبة للميزانية العامة، دون أي اعتبار لأدوارهم النبيلة أو تصنيف لصالحهم من طالحهم. من منكم لا يتذكر كيف كان أحد الزعماء السياسيين، المعروف عندنا بشعبويته النافذة انتخابيا، يقول بفمه المليان: يجب على الدولة أن ترفع يدها من قطاعي التعليم والصحة... لقد كانت الأمور تذهب تدريجيا نحو ذلك الاتجاه، والدليل على ذلك هو اعتماد التشغيل بعقود مؤقتة في قطاع حساس وأساسي هو قطاع التعليم، وربما كان الأمر سيمتد لما هو أفظع من ذلك لولا الأقدار التي جاءت لتعيد ترتيب أولويات تدبير الشأن العام في العالم كله وليس في المغرب وحده... لقد اتضح بالملموس أن الدور الذي تقوم به بعض القطاعات العمومية في بلادنا كقطاعات التعليم والصحة وبعض الخدمات الاجتماعية والرقابية هو دور حساس وبالغ الأهمية بالنسبة لبلادنا، بحيث لا يمكن الاستغناء عنه أو إهماله... لقد كان لجائحة كورونا الفضل، كأنها نقمة في طيها نعمة، لإعادة الاعتبار لبعض قطاعات الوظيفة العمومية وإبراز حاجتنا مستقبلا لإعطائها الأولوية القصوى قبل الاهتمام بأرباح السوق الداخلية والخارجية لا لشيء سوى لأنها قطاعات موجهة لخدمة الإنسان، والإنسان أو المواطن سيبقى دائما هو الأصل والمنبع في بناء الدولة وهو الفرع والمرجع في سريانها واستمرار وجودها. فهل سنأخذ العبرة من هذه الأزمة مستقبلا؟ أتمنى _متفائلا بمجرى الأحداث الراهنة أن تكون الرسالة قد وصلت إلى المسؤولين في هذه البلاد بمختلف مستوياتهم.