أود أن أؤكد أنه إذا لم يكن العنصر البشري هو الركيزة الأساسية لكل تقدم فلا يجب أن ننتظر نتائج، كما وجب التخطيط لهذا الإقلاع على جميع المستويات: القريب، المتوسط والبعيد. على المستوى القريب: المغرب والحمد لله قطع أشواطًا كبيرة في جلب الاستثمارات، وبذلك خلق فرص شغل كبيرة. وللحفاظ على هذا المستوى، أقترح الدعم المالي السريع والمباشر للمقاولات الصغرى والمتوسطة والكبرى حتى لا يتم تسريح العمال والموظفين وتشريد الأسر. على المستوى المتوسط: أقترح أن يحاول المغرب تحقيق الاكتفاء الذاتي ويجعله من أول أولوياته في جميع المجالات، ابتداء من المجال الفلاحي إلى المجال الصناعي. وهنا يجب تطوير الصناعة بكل مجالاتها، فأنا أؤمن إيمانًا راسخًا بأنها مفتاح التقدم والرقي لكل الأمم؛ أي يجب علينا أن نصنع بأنفسنا جميع المواد التي نحتاجها في بلادنا ونقلل من المواد المستوردة لأننا نشتريها بالعملة الصعبة. قطع المغرب أشواطًا كبيرة في ما يخص الصناعة بتشجيع الاستثمار الخارجي والداخلي. وقد أصبحت شركات كبرى، سواء في مجال السيارات أو الطائرات، تثق في المملكة في هذا المجال، إذ تتوفر على رأسمال بشري مهم جدا وبكفاءة عالية جدا، سواء داخل أو خارج البلد. ولكن لكي هناك إقلاع اقتصادي حقيقي أؤكد وجوب العمل على خطة وطنية لإرجاع العقول والأدمغة الكثيرة في الخارج وتكاثفها مع نظيراتها في الداخل؛ وستكون بالتأكيد مفتاح نهضة صناعية كبرى معتمدة على التكنولوجيات الحديثة والصناعات الثقيلة، وكذا العالم الرقمي، ووضع إستراتيجية لعدم هروب هذا الرأسمال البشري المهم جدا إلى الخارج. على المستوى البعيد: يجب التركيز على التعليم والصحة، وكذا ملاءمة التكوينات في الجامعة والتكوين المهني مع سوق الشغل. وهنا أحيل بحكم إقامتي لأكثر من 17 سنةً في الخارج (ألمانيا 15 سنة وفرنسا سنتان) على التجربة الألمانية الرائدة في هذا المجال. وسوف أتطرق لهذا الموضوع لمحاولة شرحه في مقال آخر. كما أشرت سابقًا التعليم ثم التعليم ثم التعليم، لماذا؟.. كما نعلم التعليم هو حجر الزاوية واللبنة الأساسية لبناء أي مجتمع كيفما كان، ولكي نبني جيلًا جديدًا مسلحًا بالعلم النظري والتطبيقي نحتاج ما بين 25 إلى 30 سنة. لقد أضعنا فرصًا كبيرا للنهوض بالتعليم، لذا يجب الانكباب على خطة وطنية يشارك فيها الجميع من أهل الاختصاص، وكذا الاستفادة من تجارب اليابانوألمانيا كأمثلة ناجحة. ما هو الهدف من التعليم؟ كيف يمكن إنتاج مواطن قادر على أن يعتمد على نفسه وينشئ مقاولته الخاصة؟ وكيف يمكن عن طريق التعليم بناء نظام اقتصادي واجتماعي قوي يجد فيه كل مواطن مكان فيه؟.. كل هذه أسئلة وجب طرحها قبل الشروع في وضع خطة النهوض بالتعليم. وهنا أؤكد أنه بدون تعليم عمومي قوي لن نصل إلى نتيجة. بالنسبة للصحة، هذا المجال الحيوي في المجتمع، وجب تشخيصه جيدًا، فنصف الدواء تشخيص الداء. أرى أن الدولة ليست لها إستراتيجية محددة ومشخصة في هذا المجال، وهنا أؤكد على الأجهزة الطبية أولا التي يمكن أن ينتجها المغرب بأياد مغربية عوض أن يشتريها من الخارج بأثمان باهظة بالعملة الصعبة؛ ثانيا بناء المستشفيات الجامعية في كل مدينة والمستشفيات في كل قرية. صدقوني الأموال موجودة لذلك إذا أردنا، ويمكن أخذها من ميزانيات أخرى إذا وضعنا هذا الأمر كأولوية الأولويات. وهنا لا يجب إغفال تكوين الأطباء والممرضين ووضع هدف محدد، كمثال وكبداية طبيب لكل 1000 أسرة. كما يجب وضع إستراتيجية وطنية لوضع حد لهجرة الأطباء. لا يسعني في الأخير إلا أن أنوه بسرعة التحرك والاحتياطات التي أخذتها الدولة لمواجهة جائحة كورونا في زمن قياسي. *مهندس صناعي وميكانيكي بألمانيا وأستاذ سابق في المغرب