عندما قرأت مقالا لأحد المغاربة يدعو فيه جديا إلى جعل الصلاة افتراضية في هذه الأيام العصيبة، أيام الحجر الصحي وما رافقه من إغلاق للمساجد خوفا على صحة المصلين وعموم المواطنين، تذكرت سؤالا طرحه أحد زملائي الطلبة أيام الدراسة على أستاذ أصولي فقيه، هذا السؤال بدأ قليلا، ثم كثر طارحوه بعد ذلك لتعم به البلوى، ومضمونه هل يجوز للمرأة استعمال حبوب منع الحمل لتأخير العادة الشهرية حتى تظفر بصيام أيام رمضان كاملة؟ فما كان من الفقيه إلا أن أجابه جوابا حكيما ومضحكا، قال له: "ولماذا لا يستعمل المسلم سببا كابحا لبوله وغائطه حتى يستطيع إتمام صلوات النهار دون إسباغ للوضوء؟!". ثم رأيت نكتة في" واتساب" تحكي عن تلميذ طالبه مدير مؤسسة خصوصية بأداء الواجب الشهري لأبريل، فما كان منه إلا أن صور المبلغ وأرسل الصورة له، وقال له: "كما أنكم تدرسوننا افتراضيا، خذ الواجب الشهري افتراضيا". ومن عجب ما رأيت-وما رأيت إلا العجب في زمن كورونا-أحد المتفيهقين يدعي في أحد مقاطع "يوتيوب" تأجيل رمضان في الدول الأوروبية بسبب تفشي الوباء القاتل. إننا نعيش زمنا تحمى فيه كل التخصصات والميادين بأحكام وقوانين منظمة، بينما يتجرأ المتجرئون على أحكام الشرع الحنيف دون خوف أو حياء. إنه لو درس إنسان كتب ابن سينا والزهراوي وابن النفيس في الطب، ثم فتح عيادة طبية وعلق اسمه عليها ليعالج الناس ويصف لهم الأدوية، لما تردد أحد في نعته بالجنون ناهيك عن المتابعات القانونية، وهو الشيء نفسه الذي يقوم به المتجرئ على الاجتهاد والفتوى دون تخصص في علوم الشريعة، فيعاكس الله عز وجل في اشتراط الأهلية للاجتهاد والفتوى في قوله سبحانه وتعالى: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"، ويعاند الله في حكمته التي اقتضت إفطار المرأة والناس صائمون، ورخصته في تخلف الناس عن صلاة الجماعة والجمعة بعذر شرعي مقبول. قد سمعنا الدعوة إلى الصلاة الافتراضية، وفي مقبل الأيام سنسمع بالحج الافتراضي، كما سمعنا من قبل بحج المسكين الذي يعني عند بعض الجهال زيارة القطب مولاي عبد السلام بن مشيش. لقد أصبح بعض الناس مهووسين بحشر أنوفهم في كل ما يتعلق بأحكام الشرع الحنيف، ليس بغرض التعليم والتعلم، بل جرأة على دين الله وأحكامه، "ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون". *دكتوراه في العقيدة والأديان-نائب رئيس مركز الرسالات وحوار الأديان عضو اللجنة العلمية الجهوية للتعليم العتيق خطيب وواعظ بالرباط