العالم في حرب، ونحن كذلك في حرب كالولايات المتحدةالأمريكية والصين وألمانيا وإنجلترا وكوريا الجنوبية وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا... نعم نحن كذلك في حرب مع عدو خفي قاتل اسمه فيروس كورونا، لكن ولسوء حظنا في المغرب أن عدونا الخارجي "كورونا" تحالف مع أعداء في الداخل، أعداء الوطن، وهم الجهل والأمية والفقر وهشاشة البنية التحتية لقطاع الصحة، هذا القطاع الذي يعاني من تردي الخدمات، ومن قلة الإمكانات والموارد المادية والبشرية، ولا يحظى سوى ب 5% من الميزانية العمومية. الظروف السيئة التي تمر بها بلادنا أبانت عن عدو آخر، انضاف كحليف لعدونا الخارجي، هو حليف متعلم ومثقف هذه المرة، هو عاشق لذاته حتى الجنون، يدعي أنه "وحده الفاهم"، وفق منطق فرداني منغلق على الذات. ينتقد كل شيء ويشكك في كل شيء ويبخس كل شيء، يتفنن في توجيه سهام النقد إلى كل مبادرة والانتقاص من قيمتها، فهو دائما يعترض ولا شيء يعجبه أو يثير اهتمامه. هكذا أصبحت معركتنا مع عدو خفي وقاتل متحالف مع أعداء من الداخل ألفناهم منذ زمن بعيد. وأمام هذه التداعيات وهذا التحالف المشؤوم، تهيأ المغرب وبشكل جدي للمواجهة، حيث اتخذ تدابير احترازية واستباقية "صارمة للغاية" بهدف الانتصار على عدونا الخارجي رغم تحالفه مع أعداء الوطن، فتبنى إجراءات طارئة لإدارة الأزمة المتمثلة في تفشي الوباء. قبل البدء، أعطى الملك محمد السادس تعليماته بإجلاء 100 مواطن مغربي، غالبيتهم طلبة، من منطقة ووهان الصينية، التي تفشّى فيها فيروس كورونا المستجد، تحسبّاً لإصابتهم بهذا الوباء. أمر الملك محمد السادس بإحداث صندوق بقيمة عشرة ملايين درهم "نحو مليار دولار"، تخصص لتغطية النفقات الطبية ودعم القطاعات الاقتصادية المتضررة من انتشار الجائحة. نجح الصندوق الخاص بتدبير جائحة كورونا في جمع تبرعات مالية مهمة وصلت قرابة 16 مليار درهم في يومين، وتخصص موارده لتأهيل المنظومة الصحية ودعم الاقتصاد الوطني والحفاظ على مناصب الشغل والتخفيف من التداعيات الاجتماعية لهذه الجائحة. منع التجمعات التي يشارك فيها أكثر من 50 شخصا وإلغاء جميع التظاهرات الرياضية والثقافية، كما قررت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي اعتماد منصة رقمية للتعليم عن بعد. إطلاق عملية تطهير وتعقيم المرافق والإدارات والقطارات والحافلات وسيارات الأجرة (الطاكسيات). دعت السلطات المغربية المواطنين إلى "التزام عزلة صحية" ببيوتهم، دون أن تعلن بعد فرض حجر صحي. إغلاق المساجد والمقاهي والمطاعم والقاعات السينمائية والمسارح، وشمل القرار أيضا قاعات الحفلات والأندية والقاعات الرياضية والحمامات وقاعات الألعاب وملاعب القرب. أمر الملك القوات المسلحة الملكية بوضع المراكز الطبية المجهزة، بمختلف جهات المملكة، رهن إشارة المنظومة الصحية بكل مكوناتها. المغرب كان سباقا لتوفير دواء الكلوروكين المستعمل في علاج مرض "كوفيد-19". إعلان "حالة الطوارئ الصحية" وتقييد الحركة في البلاد. قرر المغرب فرض ارتداء الكمامات الواقية بشكل إجباري على جميع الأشخاص المسموح لهم بالتنقل خلال حالة الطوارئ الصحية، وفي هذا الإطار عبّأت السلطات مجموعة من المصنّعين الوطنيين من أجل إنتاج كمامات واقية للسوق الوطني، محدّدة سعر بيعها للعموم في أقلّ من درهم واحد (80 سنتيم)، وهو سعر مدعم من الصندوق الخاص الذي أنشئ لمواجهة تداعيات الأزمة. ساهمت جائحة كورونا في تقوية الدولة، وعززت روح الوطنية لدى المغاربة، حيث تضامن المجتمع بكلّ فئاته، وتحلى المغاربة بحس المسؤولية وروح التضامن الوطني، وأبانوا على قدرة التأقلم، هذه الميزة التي ميزتهم منذ القدم، واليوم يمارسونها في مواجهة آفة كورونا، وذلك بالالتزام والبقاء بالمنازل، والاستمتاع بالعائلة التي تُجسد روح قيمنا، واسترجعنا شعار الوجود الجمعي الذي يمثل المصلحة العامة ويُعلي من فضيلة التضامن والتآزر. مجمل القول، إن المغرب سيخرج منتصراً على هذه الجائحة. والمغاربة اليوم يتوحدون بمغربيتهم، فبها يتوحد الوطن، وبها واجه المغاربة الأزمات سابقاً وانتصروا، بشموخهم، وبشجاعتهم، وبعزّة نفسهم، وبها سيواجهون جائحة كورونا اليوم وينتصرون. إننا المغاربة نملك قدرة عالية وفائقة على الصبر والتحمل والتأقلم، وطالما نملك هذه القدرة سننتصر! لأجل ذلك، يجب أن نفكّر في المشترك، هو أن نفكر في الأغلبية لا في الفرد، أي أن نعمل وأن نجتهد وأن نتدبر الحلول معاً، وبشكل جمعي لعلها تكون بداية تفوقنا الأخلاقي. وإذا لم نوحد جهودنا، قد لا نجد أحدا يساعدنا، لأن أغلبية الدول اختارت مبدأ: "نفسي، نفسي، نفسي"، وهذا ما أصاب مبدأ "التضامن" الذي قامت عليه فكرة الاتحاد الأوروبي بالاهتراء. وفي هذا الإطار، كتب المفكر وعالم الاجتماع الفرنسي جاك أتالي مقالاً موسوما ب"ما الذي سيولد منه؟" يعتقد من خلاله أن "أكثر ما ينبغي القيام به هو السيطرة على أمواج التسونامي الصحيّة والاقتصادية التي تضرب العالم، لأنه في حال فشلنا في السيطرة عليها، فسنواجه سنوات قادمة مظلمة للغاية. وشدد على أنه "كلّما ضربت جائحة المجتمع البشري، قامت بإثبات زيف المنظومات القائمة، لفشلها في الحيلولة دون موت أعداد لا تحصى من البشر"، وأن "كل منظومات الحكم، ومعها كل أسس السلطة الأيديولوجية ستكون موضع مراجعة جذرية، وعندها سيتم استبدالها ما أن تنتهي الفترة الحرجة بنماذج جديدة قائمة على الثقة في نوع آخر من المنظومات القيميّة والسلطوية السياسية... وبعبارة أخرى، يمكن لنظام الحكم القائم على حماية الحقوق الفردية أن ينهار، جارّاً معهُ آليّتيه الرئيسيتين التي يرتكزُ عليهما، أي آليتي السوق والديمقراطية". فأي وضع ينتظرنا بعد كورونا؟ الأمر الأكيد هو أن تفشي فيروس كورونا المستجد لا محالة سيغيّر النظام العالمي، وستتغيّر موازين القوى. فالاضطرابات السياسية والاقتصادية التي خلفتها أزمة جائحة كورونا لا محالة أنها قد تستغرق مدة طويلة قد تصل إلى سنوات عديدة. واجبنا الآن أن نتآزر ونتضامن ونخلص لهذا الوطن، وأن نترفع عن الصغائر والانتماءات الحزبية الضيقة، فنحن مطالبون أكثر من أي وقت مضى بأن نشبك أيادينا مع بعضنا البعض، وأن نؤمن بوطننا وليس التيئيس منه، فالمغرب وطننا وسيبقى كذلك. *باحث في العلوم السياسية